الثلاثاء، 18 أغسطس 2009

يـا نـيل..بقلم سناء البيسي

يا نعمة من الخلاق يا ميتك ترياق يا تبر سايل بين شطين يا حلو يا أسمر‏,‏ بين الصخور بتمر حاكم بأمرك وحر‏,‏ النخل لك يطرح والطير معاك يسرح ويردد الألحان‏,‏ والورد علي غصنه بيزيد جمال حسنه‏,‏ والقطن بينور سبحانه من صور‏,‏ والساقية لما تدور تنده بنات الحور علشان يغنولك ويعملوا لك عيد يا نيلنا لما تزيد‏,‏ وع البر جمالات بيملوا دوارجهم عليل وعطشان وصفولي دوارجهم برج جلبي لزغرودة أباريجهم جالوا منين الفتي أنا جلت منياوي مولود معاهم ومش جادر أفارجهم‏,‏ وواجف علي الشط باصطاد بط ونا عايم صادني غزال زين خدودوه حمر ونعايم من أصل عالي في خير ونعايم وكيف أطوله ونا بيني وبينه بعيد جلبي غرج في هواه يابا ونا عايم‏..‏وعجبي علي حليوة في المركب معدية طلبت منه الوصال جال دا انت بلدية جلت لو أنا بلديك ومجبض أبوك ميه جال إن كان كلام جد روح لأبويا العشية اطلب منه الوصال واديهم له حمر نجدية وأنا أفرجك ع الخوخ والتفاح والرمان والباجي يا عنية‏,‏ والساقية لما تدور تنده بنات الحور علشان يغنوا لك ويعملوا لك عيد يا نيلنا لما تزيد‏,‏ وأنا وحبيبي يا نيل غايبين عن الوجدان يطلع علينا القمر ويغيب كأنه ما كان‏,‏ والموج بيجري سعيد شايل معاه أرغول بيقول عليه ويعيد أنا بالجمال مشغول والليل قمر سهران ويا النجوم فرحان في جو كله حنان‏,‏ ويا نيل يا نيل يا نيل يا ود جيل ورا جيل‏,‏ وأنا وحبيبي يا نيل نلنا أمانينا مطرح ما يسري الهوا ترسي مراسينا والليل إذا زاد وطال تقصر ليالينا واللي ضناه الهوي باكي وليله طويل‏والدنيا من بعدك مرة يا ساقي وادينا الحياة واللي يدوق طعمك مرة من المستحيل أبدا ينساه‏,‏ ومن السماء نزلت أم فجرت من عليا الجنان جداول تترقرق‏,‏ وبأي نول أنت ناسج بردة للضفتين جديدها لا يخلق‏,‏ وإليك بعد الله يرجع تحته ما جف أو ما مات أو ما ينفق‏,‏ متمكن كالطود أصلا في الثري والفرع في حرم السماء محلق‏,‏ لا الفرس أوتوا مثله يوما ولا بغداد في ظل الرشيد وجلق‏(‏ دمشق‏),‏ ونجيبة بين الطفولة والصبا عذراء تشربها القلوب وتعلق‏,‏ زفت إلي ملك الملوك يحثها دين ويدفعها هوي وتشوق‏,‏ مجلوة في الفلك يحدو فلكها بالشاطئين مزغرد ومصفق‏,‏ في مهرجان هزت الدنيا به أعطافها واختال فيه المشرق‏,‏ تابوت موسي‏,‏ وجمال يوسف‏,‏ ودمع إخوته رسائل توبة مسطورهن بشاطئيك منمق‏وصلاة مريم فوق زرعك لم يزل يزكو لذكراها النبات ويسمق‏,‏ وخطي المسيح عليك روحا طاهرا بركات ربك والنعيم الغيدق‏(‏ الكثير‏),‏ وودائع الفاروق عندك دينه ولواؤه وبيانه والمنطق‏,‏ لي فيك مدح ليس فيه تكلف أحلاه حب ليس فيه تملق‏.‏ ويا نيل أنا واللي أحبه نشبهك في وفاك مالت ورقت قلوبنا لما رق هواك وصفونا في المحبة هو هو صفاك مالناش لا إحنا ولا انت في الحلاوة مثيل يا نيل يا نيل يا نيل يا ود جيل ورا جيل‏,‏ ووقفت أنادي الفلايكي تعالي من فضلك خدنا جت الفلوكة والملاح ونزلنا وركبنا حمامة بيضا بفرد جناح تودينا وتجيبنا ودارت الألحان والراح وسمعنا وشربنا هيلا هوب هيلا‏وفي صفحتك يا جميل شمس الأصيل دهبت قوس النخيل تحفة ومتصورة والناي علي الشط غني والقدود بتميل علي هبوب الهواء لما يمر عليك يا نيل نجاشي حليوة أسمر عجب للونه دهب ومرمر أرغوله في إيده يسبح لسيده حياة بلادنا يارب زيده‏.‏ هات زدني من الحديث عن النيل سيد الأنهار‏,‏ ودعني من دجلة والفرات كل المناهل بعد النيل قطرات‏,‏ ما أبعد النيل إلا عن أمانينا‏,‏ يا نيل يا نيل يا ود جيل ورا جيل يا ساقي وادينا الحياة‏..‏نيل الحضارة والفلاحة والملاحة والسياحة‏..‏ نيل الأنبياء والمرسلين‏..‏ نيل الجبابرة والفراعين‏..‏ نيل الطوفان والفيضان‏..‏ النيل الملهم الذي علم القدماء بطوفانه وفيضانه ما لم يكونوا يعلمون‏..‏ العملاق الطويل الذي اختصه رب العرش العظيم بالذكر والثناء في محكم التنزيل بالكناية والتلميح وليس بالاسم الصريح النيل تقديرا وتبجيلا لدوره وعظمته وتشبها بالنبي صلي الله عليه وسلم الذي لم يناده القرآن بمحمد‏..‏ النيل الذي حظي بشرف الذكر في الآيات البينات في مواضع عدة‏,‏ فلم يرد نهر في سياق الفخر غيره‏,‏ ولم يطلق علي نهر اسم البحر غيره‏..‏ولم يطلق علي نهر لفظة الجمع الأنهار غيره‏,‏ وهو في القرآن اليم‏,‏ وهو البحر‏,‏ وهو الأنهار‏..‏ فعندما ازدهي الفخر بفرعون موسي لما كانت مصر قناطر وجسورا والماء يجري تحت منازلها وأفنيتها قال كما جاء في القرآن الكريم‏:‏ يا قوم أليس لك ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون‏,‏ وذكر الله لفظة بحر في ثلاثة وثلاثين موضعا منها ثلاثة قصد بها النيل وهي في قوله تعالي‏:‏ نسيا حوتهما فاتخذ سبيله في البحر سربا‏,‏ واتخذ سبيله عجبا‏,‏ وأما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر وهناك موضع أطلق فيه علي النيل اسم البحركما يقول بعض المفسرين في قوله تعالي‏:‏ وإذ قال موسي لفتاه لا أبرح حتي أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقبا وأطلق علي النيل لفظة اليم في الآية إذ أوحينا إلي أمك ما يوحي‏,‏ أن اقذفيه في التابوت فاقذفيه في اليم فليلقه اليم بالساحل يأخذه عدو لي وعدو له‏..(‏ من سورة طه‏)..‏ وفي الآية وأوحينا إلي أم موسي أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين‏,‏ وكان النيل وراء قصة يوسف وحلم العزيز في سورة يوسف في الآية‏:‏ قال موعدكم يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحي وقد ذهب أكثر من مفسر منهم المقريزي والنويري إلي أن يوم الزينة هو يوم وفاء النيل‏ويورد الإمام جلال الدين السيوطي أن كثيرا من المفسرين ومنهم ابن عباس قد ذهبوا إلي أنها مصر المقصود بها القول في الآية الكريمة من سورة المؤمنين‏:‏ وجعلنا ابن مريم وأمه آية وآويناهما إلي ربوة وذلك لأن الربا لا توجد إلا بمصر‏,‏ والماء حين يفيض تكون الربا وعليها القري ولولا الربا لغرقت القري‏,‏ وقد جاء في الحديث القدسي علي لسان الرسول صلي الله عليه وسلم نيل مصر خير أنهاري في الجنة أسكن عليه خيرتي من عبادي فمن أرادهم بسوء كبه الله علي وجهه وفي حديث النبي صلي الله عليه وسلم أربعة أنهار من الجنة‏:‏ سيحان وجيحان والنيل والفرات وقوله‏:‏ إن النيل ليخرج من الجنة‏,‏ ولو أنكم التمستم منه إذا مد لوجدتم فيه من ورقها‏..‏وقال عبدالله بن عمرو لما خلق الله آدم عليه السلام مثل له الدنيا شرقها وغربها وسهلها وجبلها وأنهارها وبحارها‏..‏ فلما رأي مصر شاهدها أرضا سهلة‏,‏ ذات نهر جار تنحدر منه البركة وتمزجه الرحمة فدعا لمصر بالرحمة والبر والتقوي‏:‏ سال نهرك عسلا‏,‏ وكثر الله زرعك‏,‏ ودر ضرعك‏,‏ وزكي نباتك‏,‏ وعظمت بركتك‏,‏ وخصبت‏..‏ فكان آدم أول من دعا للنيل ولمصر بالخصب والبركة‏..‏ ويسأل معاوية بن أبي سفيان كعب الأحبار‏:‏ هل نجد لهذا النيل خبرا في كتاب الله‏,‏ فيجيبه‏:‏ أي والذي فلق البحر لموسي إني لأجده في كتاب الله يوحي إليه في كل عام مرتين‏,‏ يوحي إليه عند جريه‏:‏ أن الله يأمرك أن تجري‏,‏ فيجري ما كتب الله له‏‏ ثم يوحي إليه بعد ذلك‏:‏ يا نيل عد حميدا‏..‏ وعن طوله جاء في كتاب خريدة العجائب وفريدة الغرائب لابن الوردي‏:‏ إنه ليس في الدنيا نهر أطول من نهر النيل لأنه مسيرة شهرين في الإسلام وشهرين في الكفر وأربعة أشهر في الخراب ومخرجه من جبل القمر خلف خط الاستواء‏..‏ويوجه عمر بن الخطاب رسالة مباشرة منه إلي النيل عندما يرسل له عمرو بن العاص يستشيره في أمر الجارية البكر التي يلقيها أهل مصر كل عام في النيل ومن منعه لهذا التقليد بقوله إن الإسلام يهدم ما كان قبله فيكتب إليه عمر‏:‏ لقد أصبت‏,‏ وإني لأرسل كتابا موجها إلي نهر النيل‏,‏ فيفتحه عمرو فإذا به‏:‏ من عبدالله عمر أمير المؤمنين إلي نيل أهل مصر‏,‏ أما بعد‏:‏ فإن كنت تجري من قبلك فلا تجر‏,‏ وإن كان الواحد القهار يجريك فنسأل الله الواحد القهار أن يجريك‏..‏ فألقي عمرو البطاقة في النيل قبل يوم الصليب بيوم‏,‏ وقد تهيأ أهل مصر للجلاء والخروج منها‏,‏ فأصبحوا يوم الصليب وقد أجري الله ماء النيل ستة عشر ذراعا‏,‏ وبذلك انتهي التقليد السيء عند أهل مصر‏..‏نيل حسن السير والسلوك فبدايته في قلب أفريقيا ونهايته علي ساحل المتوسط تقعان معا علي نفس خط الطول‏31‏ شرقا وهو انتظام والتزام لم يتيسر لأي نهر غيره‏..‏ وليس في الدنيا نهر مثله يزيد ويجري في شدة الحر صيفا حين تنقص جميع أنهار الدنيا‏,‏ وكلما ازداد الحر كان الفيض غزيرا‏..‏ نيل يخرق القاعدة من البداية‏,‏ ليس مرة واحدة بل مرتين‏,‏ وذلك لصالح مصر‏,‏ فالنيل أحدث أنهار أفريقيا جيولوجيا‏,‏ نهر مخالف في اتجاهه لكل أنهار القارة‏,‏ فهو يتجه طوليا من الجنوب إلي الشمال بينما هي في معظمها عرضية اتجاهها من الشرق إلي الغرب أو العكس‏..‏ ليس هذا فقط‏,‏ وإنما النيل أيضا نهر معاكس في اتجاهه لمعظم أنهار العالم القديم فهو ينبع من الجنوب ويصب في الشمال في حين أن معظمها يجري بالعكس‏‏والأهم أنه ما من نهر آخر يجري نصف طوله في أراض صحراوية دون أن يتلقي ماء من أي رافد طوال مشوار‏4501‏ كيلومتر من منبعه في بحيرة تانا في أثيوبيا حتي البحر المتوسط‏,‏ وطوال الرحلة قد يتسكع أو يعرج شرقا أو غربا لكنه دائما وفي النهاية يحافظ علي اتجاهه المحوري وتحفظ له بوصلته الخفية وجهته الأساسية فيعود إليها باستمرار‏..‏ نيل إذا لم يرد فيه حديث أديب الجغرافيين‏,‏ وجغرافي الأدباء جمال حمدان في سفره الخالد شخصية مصر يكون الحديث مبتورا فمن سطوره فيه قد جاء‏:‏ إن الحقيقة الأولي في الوجود المصري هي أن مصر هي النيل‏,‏ فبدونه لا كيان لها‏,‏ ليس فقط من حيث ماؤه وإنما أيضا من حيث تربته‏..‏ إن النيل لا جدال هو أبو مصر منه استمدت جسمها ودمها‏,‏ أي طميها وماءها‏كما أن النيل بدوره هو مصر فحوض النيل كله يستقطب حضاريا في مصر‏,‏ حيث لا نجد مركز الثقل في الحوض انحدارا وماء فحسب‏,‏ وإنما أيضا اقتصادا وسكانا‏,‏ حضارة وتاريخا نيل كانت حياتنا اليومية في التاريخ الإسلامي متعلقة به‏..‏ تهابه وتهواه في وقت واحد‏..‏ اعتزت بشاطئه فأبت أن يحجبه بناء أو يستأثر به بناء‏,‏ ولم تكتف بهذا فصيغت له قوانين لها صبغتها الدينية ليحذر العلماء الناس من السكني علي شاطئه مباشرة وقالوا في المدخل لابن الحاج‏:‏ إن الجالس علي النيل كالجالس علي الطريق لأن البحر طريق للمرور فيه بالمراكب‏,‏ وذلك منعا لكشف عورات المسلمين وللبعد عن سماع فحش الكلام من النوتية وغيرهم‏,‏ صونا للبنات والنساء‏..‏ ثم ذكروا أن العلماء نصوا علي أن حرم العيون خمسمائة ذراع وحرم الأنهار ألف ذراع‏....‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق