الثلاثاء، 18 أغسطس 2009

فـريد الأطـرش‏:‏ بانادي عليك..بقلم سناء البيسي

قال لشقيقه فؤاد روح هات لي ورقة وقلم‏..‏ سند الشقيق لفريد ظهره بمسندين في وضع الجلوس‏,‏ ولأن تحريكه فيه من الخطورة الكثير وضع له حبة تحت اللسان توسع الشرايين‏,‏ وجاب له القلم والورق ووقف يستطلع الأمر خاصة بعد رفض فريد لجميع الحلول المطروحة بالنسبة لافتتاح الفيلم الجديد ومن ينوب في الحفل عنه‏,‏ وكان من عادته الإطلال من مقصورة خاصة في صدر البلكون ليواجه الجماهير أثناء استراحة ما قبل العرض ليرد علي تصفيقهم بالتحية ونثر القبلات في الهواء وإمطارهم بصوره الممهورة باسمه‏..
سند فريد ظهره وكتب سطرين موجهين لمن؟‏!!..‏ لجمال عبدالناصر ذات نفسه‏:‏ سيدي الرئيس‏..‏ من عادتي أن أحضر ليلة العرض الأول لأفلامي لكني في هذه المرة مريض‏..‏ لذا أرجو أن تحضر عهد الهوي بدلا مني وأن تحيي الجماهير نيابة عني‏..‏ وكان التوقيع‏:‏ فريد الأطرش‏..‏ وعاش الجميع متخوفا من رد فعل جرأة فريد علي قائد الثورة‏..‏ وأتت ليلة العرض الأول في السابع من فبراير‏1955‏ واشتد الزحام المعتاد أمام سينما ديانا التي لم يكن فريد يرضي عنها بديلا لعرض أفلامه‏,‏ وحضر جميع نجوم الفيلم وعلي رأسهم يوسف وهبي ومريم فخرالدين وعبدالسلام النابلسي وإيمان‏..‏
و‏..‏ فجأة حدث الهرج والمرج ودبت الحركة غير العادية في شارع عماد الدين ومن بعده الألفي وبدأت الموتوسيكلات البخارية ترسل أزيزها المستمر ليتبعها رتل من السيارات الرسمية السوداء‏,‏ وأمام السينما توقف الموكب‏,‏ ومن باب السيارة الأولي هبط‏..‏ السيد رئيس الجمهورية جمال عبدالناصر‏..‏ وبرفقته المشير عبدالحكيم عامر‏..‏ جاء الاثنان بصفة شخصية بالملابس المدنية ــ أوائل الثورة ــ ليصافحا الجميع ويصعدا للجلوس في مقصورة فريد حتي نهاية العرض‏..‏ تماما تماما كما تمني فريد‏..‏ وتماما كما توقع فنان يثق في نفسه وفنه ورئيسه‏..‏
ولأنه ابن أصول‏..‏ لا‏..‏ ابن أمراء‏..‏ أمراء بحق وحقيقي ونشأ في قصر كبير فيه الخدم والحشم ولولا الظروف الطين كان من الممكن أن يظل اسمه يسبقه لقب الأمير‏..‏ الأمير راح والأمير جاء والأمير فريد ماكانشي هنا ومشي‏..‏ لكن ورغم الضنك وما كابده من شقاء لحد الجنيه للقوت في شهر كامل‏..‏ رغم ذلك ظلت دماء الأمراء تجري في عروقه لتجعله لا يتنازل عن الأفضل والأجمل ومنزلة القمة علي جميع المستويات حتي في اختياره لنساء قلبه اللاتي إذا لم يكن ملكات وأميرات من قبل فإنه يرفعهن برعايته وعنايته وكرمه وحلو كلامه لمصاف الجالسات فوق العروش ليغني لهن وعليهن‏:‏ نورا نورا‏,‏ وماتقولشي لحد‏,‏ وانت اللي كنت بادور عليك‏,‏ وإياك من حبي‏..‏
وعلي درب اختيار الأحسن فقد اشتري فريد يوما من عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين روايته دعاء الكروان بألف جنيه ليحولها إلي فيلم غنائي يقوم فيه بدور المهندس الزراعي العابث الذي اعتدي علي شرف هنادي والذي أحبته آمنة بعد أن دخلت بيته للانتقام‏..‏
ولم يقتنع فريد طويلا برأي المخرج هنري بركات بأن الدور لن يليق عليه‏,‏ وأن أحداث الرواية الجادة لا تحتمل الاسكتشات الغنائية‏,‏ وبأنها بذلك ستحيد عن فكرتها الأصلية مما يجعل طه حسين إزاء التعديلات الدخيلة علي المتن الدرامي يأخذ موقفا من الفيلم ويمنع عرضه مما سيؤثر علي وضعه ومكانته كفنان‏..‏ اقتنع فريد في النهاية لكنه ظل محتفظا بالرواية متمسكا بحيازتها وحقه فيها إلي أن عرض عليه بركات شراءها بالألف جنيه التي دفعها ليشرع علي الفور في إنتاجها وإخراجها لتلعب بطولتها فاتن حمامة وأحمد مظهر في عام‏1959,‏ وحمدا لله أن لانت رأس فريد وظل الغناء في دعاء الكروان في حيز الكروان وحده ليرشح الفيلم لجائزة الأوسكار ويصل من خلال لجان التصفيات إلي أن يكون بين أربعة أفلام عالمية فقط كانت مرشحة للفوز بالجائزة‏..‏
ووقتها أقام الأستاذ أحمد بهاء الدين رئيس اللجنة المصرية التي قامت بترشيح الفيلم للسفر أقام حفلا لتسلم شهادة أكاديمية الفنون والعلوم العالمية التي تعترف بأن دعاء الكروان كان أحسن فيلم ناطق بلغة أجنبية‏..‏ وكانت أول برقية تهنئة تصل للحفل من الموسيقار فريد الأطرش‏..‏
وألقاه‏..‏ فريد‏..‏ في مكتب الصحفي الكبير كمال الملاخ بالأهرام‏..‏ فريد بعظامه وبدون لحمه عندما قرر العودة مرة أخري ليجعل القاهرة مقرا لإقامته بعدما أنهي ارتباطه بالملهي الليلي الذي أقامه في بيروت ودعا إليه عبدالحليم حافظ وإذ شرع يعزف له علي العود قال له حليم‏:‏ لا يا فريد مكانك وغناءك ليسا هنا‏..‏ فريد‏..‏ لقيته مبتسما شاردا مجاملا متحملا لقذائف أسئلة الملاخ السريعة المتلاحقة الهابطة كالمطر‏..‏ فريد‏:‏ سامية ولا مها؟‏!‏ فيرد فريد‏:‏ ما اقدرشي أقول آه وما أقدرشي أقول لأ علي أي منهما‏,‏
وعموما أفضل خفيفة الروح والظل‏..‏ المرأة الأنثي‏..‏ الشخصية الآسرة‏..‏ وأهم من هذا وذاك أن تكون وفية‏,‏ والحمد لله وعادة وكثيرا ما وجدت كل هذه الصفات في واحدة‏,‏ ولكن عندما يفتر المزاج يفتر كل شيء‏,‏ وإذا ما زهد الرجل في امرأة أو زهدت فيه هي انتهت العلاقة بالطبع‏..‏ ويلقي الملاخ بقذيفة أخري‏:‏ فريد لو صنفت المطربات لفواكه؟‏!‏ أقول إن أم كلثوم جنينة فاكهة‏,‏ وصباح حموي يا مشمش‏,‏ وفايزة جوافة‏,‏ ونجاة كريز‏,‏ وشادية رمان لذيذ‏,‏ وشهرزاد عنب‏,‏ وليلي مراد مانجة‏,‏ وهدي سلطان شمامة اسماعلاوي‏,‏ ونازك تين شوكي‏,‏ ونجاح سلام بطيخة ط لعت حمراء‏,‏ ونورالهدي فاكهة نادرة الوجود‏,‏ ومها صبري مذاق من نوع جديد‏..‏ وتأتي القذيفة الثالثة لسويداء القلب المجروح‏:‏ فريد أنا وانت لوحدنا كانت خصيصا لناريمان؟
وهنا لا يصبح وحيد مبتسما ولا مرحبا ولا متحملا وإنما منفعلا غاضبا‏:‏ هذا كذب فلم يحدث أن التقيت بالسيدة ناريمان في مقابلات خاصة بعد الشائعات التي أثيرت حولنا ولا صحة لما رددته هذه الشائعات‏..‏ وتعود ملامح الطيبة والاحتمال لمواقعها علي وجه فريد الأطرش عندما يسأله كمال الملاخ‏:‏ قالوا إنك طلعت في إعلان معجون أسنان؟‏
!‏ فيبتسم ريد بشق شفتيه التي لا تري من خلالهما له أسنان‏:‏ أيوه ودعكت أسناني قدام الكاميرا وقلت استعملوا هذا المعجون علي الدوام‏,‏ لأنه عذب وممتاز وسريع التنظيف ويدوم طويلا عن غيره‏,‏ ولم أكن وحدي الذي وافق علي الظهور في الإعلانات فقد جاء من بعدي أم كلثوم وعبدالوهاب وماجدة وفاتن حمامة وعمالقة الفن الغنائي والسينمائي وقتها بعد انتهاء الحرب العالمية والركود الاقتصادي الذي امتد لصناعة السينما‏..‏ وافق هؤلاء علي الظهور في الإعلانات الملكية أي المرتبطة بالبضاعة التي تحمل اسم الملك فاروق‏.
.‏ ولتخفيف وطأة قذائف أسئلة الملاخ تسللت بسؤالي الطيب للفنان الأمير الطيب عن السر وراء اسم الأطرش فأجابني من يزهو بلقب أمراء عدم السماع‏:‏ إنها قصة لها تاريخ فأنا أنحدر من قبيلة المعنيين من اليمن التي دخلت في حرب مع قبيلة التونوخيين وانهزم المعنيين وفر ثلاثة من جدودي وهم‏:‏ إسماعيل‏,‏ ونجم‏,‏ وحمودة‏,‏ لقرية بقاع سما بجبل لبنان واشتروا القرية وسمع الحاكم فحقد عليهم واستدعي جدي إسماعيل فذهب إليه خائفا متوجسا فما أن رآه صاح في وجهه‏:‏ اسمك إيه؟ ومن شدة خوف جدي تظاهر أنه لم يسمع فأصدر الحاكم أمره‏:‏ خذوا الأطرش ده من هنا‏..‏ ومن هنا حملنا اللقب‏..‏ الأطرش‏..‏
وشعرت بعدها بأن فريد أمير التحمل أمام سؤال الملاخ التالي‏:‏ وإيه حكايتك مع المخدات؟ وذلك عندما أتي رده طبيعيا وكأنه يدلي برأيه في حوار سياسي‏..‏ من عادتي ألا يغمض لي جفن إلا والمخدة فوق رأسي‏,‏ ولا تزورني الألحان إلا وأنا مستند بظهري إلي مخدة‏,‏ وأحسن ألحاني سمعتها ودني في نومي وعلشان كده أنام وعودي جنبي فوق المخدة فإذا حلمت بلحن أصحو بسرعة وأعيده علي العود ولا أعود للنوم إلا إذا سجلت اللحن الطارئ‏,‏ أما إذا كنت صاحي وداعبني لحن هيأه لي المناخ والجو أجري أتمدد علي السرير لأنتقل مع اللحن والكلمات إلي جو تاني‏..‏
وهوايتك المفضلة يا فريد؟‏!..‏ صيد العصافير والنظر من بعيد للبحر‏.‏
وصدق فريد الأطرش عندما ركز علي لفظة بعيد في النظر للبحر لأنه والبحر كانا علي عداء وكان يري في البعد عنه غنيمة بعدما رأي من هوله في طفولته ما سجلته مخيلته لآخر العمر‏,‏ ذلك لأن الحرب عندما اندلعت بين تركيا واليونان وعرف والده فهد الأطرش أن اليونانيين قد يرحمون التركي إذ وقع في الأسر ولكنهم لا يرحمون الغريب لأنهم يتصورونه انكشاريا مأجورا لقتلهم‏,‏ وكان الحكم العثماني وقتها جاثما علي صدر الشام‏,‏ ومن هنا فر فهد مع أسرته في مركب ضلت طريقها وسط عاصفة عاتية وتأرجحت كريشة في ريح صرصر‏,‏ وبكي كل من عليها وهم لا يرون برا ولا طيرا‏,‏ وفي هذا المناخ المخيف كانت الأم علياء المنذر تعاني من آلام المخاض فتصرخ في دفقات يحملها رذاذ الموج العاتي والإعصار لآذان فريد كأنها تأوهات الكون من حول الصغير‏..‏ وأنجبت علياء بنتا كفلقة القمر‏..‏ فسكن الموج وهدأ البحر وماتت الريح وكركرت المولودة بثغاء كأنه البشارة لعليك صلاة النبي وسلامه‏..
‏ واتفق كل من علي ظهر السفينة علي تسميتها آمال‏..‏ لأنها ولدت والآمال في النجاة معها‏….‏ ويظل البحر الهائج والمركب الشارد يعيشان في مخيلة فريد الأطرش ليظل يكره البحر ويراقبه من بعيد كأنه يقيم مسافة البعد عن العدوان وفاصل الأمان خاصة بعد أن كاد يهلك في صباه عندما رأي صديقا له من أولاد الحي في بيروت يصيد السمك ليرتزق فقرر فريد صاحب الشهامة المبكرة أن يساعده‏,‏ وعندما توغل الصديق مع شبكته بحكم خبرته في الماء لاحقه فريد بغير خبرة مسبقة‏,‏ وفجأة ضاعت الأرض من تحت أقدامه وأصبح الماء سقفا بعيدا من فوقه‏..‏ و‏..‏ أنقذه أولاد الحلال بعدما أفرغوه مقلوبا وحملوه إلي أسرته مقطوع الأنفاس‏.‏
فريد فهد فرحان سلطان الأطرش‏1910‏ ــ‏1974‏ فارس اللحن والنغم الذي قررت والدته وسط أجواء الخراب والحروب الفرار بأولادها إلي أرض الأمان‏..‏ إلي مصر‏..‏ إلي الثقافة والأدب والطرب‏..‏ إلي سعد زغلول الذي تقرأ عنه في الصحف أنه شديد التعاطف مع ثورة سلطان باشا الأطرش الشبيهة بالثورة المصرية‏..‏ فرت علياء من بيروت قبل ساعات من تحرك الفرنسيين للقبض عليها واستقلت من يافا قطارا إلي مصر فلما سألها رجال الجوازات عن تأشيرة الدخول أجابت‏:‏ سعد باشا يعرفنا قولوا له‏..‏ وأتي الإذن من سعد لتسكن مع أولادها في شقة متواضعة في باب البحر عام‏1923‏ وتبدأ قصة الكفاح بعدما نفد ما في الجيب واختفي ما في الأذن والصدر وجدران البيت‏,‏ وأخذت بنصيحة الجيران بشغل مناديل بأوية للرأس‏,‏ ودار فريد يوزع المناديل‏,‏ ونما إلي علم حبيب جاماتي الصحفي بدار الهلال حكايتها
وهو الذي عاش أسابيع مع ثوار جبل الدروز فعرض عليها الغناء في مناسبات بيوت العائلات السورية فقبلت حتي سنحت لها الفرصة في ملاهي روض الفرج لتذهب في حراسة فؤاد وفريد‏,‏ ووجدت الأم عنتا في إلحاق أولادها مجانيا للتعليم بالمدارس الفرنسية تخوفا من لقبهم الأطرش فدخلوا المدارس تحت اسم كوسة‏..‏ فر يد كوسة وآمال كوسة‏..‏ واصطحب حبيب جاماتي فريد ابن الرابعة عشر بالبنطلون القصير ليعزف علي العود ويغني في حفل جمع التبرعات للأبطال الدروز الذين حاربوا الفرنسيين فأبدع الصغير ليرتجل أحد الشعراء العرب قصيدة من فرط إعجابه به يقول فيها‏:‏
غني الفريد فأحكم الأوزانا والعود فاض عواطفا وحنانا
فكأننا في أرض مكة سجدا وكــأنــه وحــي الإلــه أتــانـــا
وأمام رقة الحال وعدم السؤال ذهب فؤاد ليعمل في مصنع للأسنان في شارع حبيب شلبي بالفجالة‏,‏ ودار فريد علي الباسكلتة صبي إعلانات في محلات اليهودي بلانش في قلب القاهرة‏..‏ دار يوزع الإعلانات في الأحياء القريبة والمتطرفة يضعها في صناديق البريد وتحت عقب الباب ليتعرض لا محالة لمطاردة البواب‏,‏ ووقتها كانت محطات الإذاعات الأهلية تملأ القاهرة مثل محطة إلياس شقال فغني أغنياته الأولي في مقابل جنيه مصري واحد وهي الأغنيات التي جلبت له الشهرة فيما بعد‏..‏ وبدأ الفتي العربي القادم من جبل الدروز أولي خطوات طريق المجد‏,‏ عندما غني في مساء الأربعاء من إذاعة القاهرة أغنيته الخالدة ياريتني طير لأطير حواليك التي نظمها ولحنها الفنان الفلسطيني يحيي اللبابيدي‏.‏ وفي عام‏1940‏ كان أول فيلم سينمائي لفريد وأسمهان هو فيلم انتصار الشباب بعدها أصبح عدد أفلامه‏31‏ فيلما آخرها فيلم نغم في حياتي مع ميرفت أمين عام‏1973..‏
وإذا ما أدخلنا الفنان صاحب الأحلام والهيام والانسجام في قالب الأرقام سنجد فريد قد قدم‏480‏ أغنية وأوبريت ودويتو وقصيدة وأنشودة‏,‏ ولحن لشقيقته أسمهان‏20‏ لحنا أولها ياللي هواك شاغل بالي وآخرها الشمس غابت وأن‏25‏ مطربا ومطربة
غنوا من ألحانه علي رأسهم صباح وشادية وطروب وأسمهان ونورالهدي ونازك وفايزة أحمد يا حلاوتك يا جمالك وشهرزاد‏,‏ ومها صبري‏,‏ وليلي مراد‏,‏ وشريفة فاضل‏,‏ وفدوي عبيد‏,‏ ونجاة علي‏,‏ وفتحية أحمد‏,‏ ووردة‏,‏ والفنانين فهد بلان الذي غني له من شعر صلاح جاهين ماقدرشي علي كده ومقام السيدة يا بنات بلدي يا نوارة يا كايدين العدا‏,‏ ولمحرم فؤاد عدة أغان منها يا واحشني رد علي‏,‏ ولعادل مأمون انت واحشني‏,‏ ومحمد رشدي عشرية‏,‏ ولإسماعيل ياسين مونولوج الكذب‏,‏ ولحسن فايق إحنا التلامذة وجلا جلا ولعبداللطيف التلباني وكمال حسني ووديع الصافي وعصام رجي أغنيته التي شهرته هزي يا نواعم‏,‏ وكانت هناك ست قصائد غناها فريد بالفصحي‏:‏ لست وحدك‏,‏ وأضنيتني بالهجر وعش أنت ووردة من دمنا ولا وعينيك وعدت يا يوم مولدي هذا إلي جانب ثمان أوبريتات أشهرها الربيع‏,‏ وبساط الريح‏,‏ ويا عم يا سهار وسندريللا والملاح‏..‏ وقد حدث يوما اللقاء المستحيل علي أرض مدينة برن بألمانيا وذلك في عام‏1988‏ في حفل أقيم بشقة أنيقة في ضاحية هادئة صاحبها الدبلوماسي وفاء حجازي الذي كان وقتها قنصل مصر في برن ليصل بعدها لمنصب مساعد وزير الخارجية‏..‏ جلس محمد عبدالوهاب يغني
أغنية فريد الذائعة الصيت حكاية غرامي فرد فريد الأطرش التحية بأحسن منها عندما أمسك العود وراحت أنامله الذهبية تجري علي الأوتار بمقدمة لحن عبدالوهاب لينطلق صوته‏:‏ قالولي هان الود عليه‏.‏
ثلاثة علي قمة الطرب قام فريدنا بتلحين أغنية لكل منهم لكن ثلاثتها لم تخرج إلي النور لتغدو من روائع الفن الخالد‏..‏ أولها كان للمطربة نجاة قيثارة الغناء من كلمات مرسي جميل عزيز ويقول فيها‏:‏ تعالي قبل ما يخلص نور الشمعة تعالي قبل الحب ما يصبح دمعة‏,‏ وثانيها لعبدالحليم حافظ من كلمات محمد حمزة تقول‏:‏ مفيش في عمري زمان من قبلك انت‏..‏ ومافيش في قلبي مكان لغيرك انت يا هدية الزمان والعمر انت‏..‏ وكان السبب في عدم اكتمال الخلق الفني رغم قيام فريد بتلحين الكلمات تدخل أولاد الحلال أو أولاد‏….‏
الذين لم يكن يسعدهم مثل هذا اللقاء الفذ‏,‏ وكانوا قد تدخلوا من قبل بين فريد وحليم ليعتذر عبدالحليم عن أداء أغنية أنا هنا وقلبي هناك من ألحان الأطرش بحجة أنها تصلح لمطربة وليس لمطرب‏,‏ وتم فض الاشتباك بين المطربين الكبيرين في حفل الربيع عام‏1970‏ الذي كان مقصورا علي فريد فزاحمه فيه عبدالحليم‏..‏ تم احتواء الأزمة بإذاعة حفل فريد الأطرش تليفزيونيا علي الهواء بينما حفل عبدالحليم علي الهواء إذاعيا بشرط تسجيله لإذاعته في اليوم التالي تليفزيونيا‏..‏
وظهر الاثنان في لقاء علي الهواء ليباغت حليم فريد بقوله‏:‏ معقول ازعلك يا فيري وانت ق د والدي‏..‏ فأجابه فريد‏:‏ وهو أنا لو عندي ابن زي حليم مش كنت علمته إزاي يحترم والده‏..‏ ويأتي الإحباط الفني الثالث عندما لا يكتب للحن الخلود المثالي ألا يولد بينما كان خلوده في عقد قران موسيقي فريد بحنجرة أم كلثوم‏,‏ حيث ظل التلاقي أمنية حياته حتي النهاية لتقديره البالغ لها هو وشقيقته أسمهان الشغوفة العاشقة لصوتها والتي ما كان يجمعها بها مكان إلا وتختار أسمهان الجلوس عند قدميها كي ينساب صوت الست أول ما ينساب إلي أذنيها‏..‏
ويروي فريد بنفسه‏:‏ ذهبت بخطاب شقيقتي أسمهان التي كانت قد مكثت إلي جوار زوجها الأمير حسين الأطرش ثلاثة أعوام وأرسلت تقول لي إنها تريد زيارة القاهرة بشرط أن تري أم كلثوم‏..‏ وجاءت الشقيقة وأمضينا معا أم كلثوم وأسمهان وزوجها وأنا والقصبجي والدكتور عمر شوقي وعبده صالح سهرتنا وغنت أم كلثوم‏(‏ سلوا كؤوس الطلا هل لامست فاها‏)‏ فزحفت أسمهان إلي موضعها عند قدميها تردد آهات الإعجاب وتقول معها كأنها الكورس‏,‏ فما أن وصلت إلي البيت الذي تغني فيه الست‏(‏ حمامة الأيك من بالشجو طارحها ومن وراء الدجي بالشوق ناداها‏)‏ حتي استبد بها وبنا الطرب فاستعدناها حوالي خمسين مرة حتي صاح القصبجي حرام عليك يا ست الكل
انت ذبحت تحت قدميك كل الحمام في الحجرة‏..‏ وكان يقصد شقيقتي أسمهان لأنها استسلمت للبكاء من فرط التأثر‏..‏ ويروي الشاعر أحمد شفيق كامل الذي نظم أول أغنية قدمتها ثومة من ألحان عبدالوهاب أنه كان قد التقي بها في السعودية وهما يؤديان معا فريضة العمرة‏,‏ وفي إحدي المناسبات بعدها راحت تستمع لبعض من نظمه فاختارت أغنية بعنوان كلمة عتاب وسألته عن الفنان الذي يرتأيه لتلحينها فتم الاتفاق بينهما علي أنه فريد‏,‏ وعندما عادا للقاهرة اتصل شفيق بفريد وأبلغه الخبر وسلمه كلمات الأغنية فانكب علي تلحينها‏,‏ وبعد فترة اجتمع بأم كلثوم ليسمعها اللحن فأعجبت به للغاية وقالت له علي بركة الله‏..‏ لكنها في اليوم التالي اتصلت بفريد لتقول‏:‏ في الحقيقة لحنك رائع لكن إيه رأيك لو غيرته من مقام النهاوند لمقام الراست علشان أتسلطن فيه أكثر وأكثر‏..‏ وهنا شعر فريد ببوادر الانسحاب بدبلوماسية كما شعر بأن أولاد الـ‏….‏ قد دخلوا علي الخط بينه وبينها مما جعلها تعتذر عن لحن أعجبت به‏,‏ ومن يومها أدرك فريد أنه لا ارتباط بينه وبين سيدة الغناء‏.‏ فريد رئيس جمعية المؤلفين والملحنين من‏1962‏ إلي‏1974‏ الذي رحل دون الحصول علي التقديرية المصرية رغم ترشيح ا
للجنة الموسيقية العليا المصرية له نال وسام الخلود من فرنسا في مطلع‏1976‏ باعتباره موسيقيا عبقريا ليغدو بالوسام في مصاف بيتهوفن‏..‏ واختار له الموسيقار العالمي فرانك بورسيل مقطوعات زمردة وحبيب العمر ونجوم الليل وليلي ليعيد توزيعها وتسجيلها علي أسطوانات‏,‏ لتقوم بعزفها أشهر الأوركسترات العالمية ووضع اسمه في سجل الفنانين الخالدين في الموسوعة الفرنسية‏,‏ وطبعت له في الاتحاد السوفيتي أغنية يا زهرة في خيالي لتباع منها اسطوانات بمئات الألوف‏,‏ وفي تركيا فاز بلقب أحسن عازف عالمي علي الآلات الشرقية في عام‏1962,‏ وترجمت غالبية أغنيات فريد لتغني باللغات السبع الحية‏,‏ وفازت أغنية نورا نورا اسمك علي رسمك صورة يا قمراية يا أمورة بالجائزة الأولي في مهرجان القدس الغنائي‏,‏ وغني كبار المطربين العالميين أمثال أنريكو مافياس وداليدا وماي كازبينكا مقاطع من العديد من أغانيه المعروفة مثل وياك ومش كفاية ليجملوا بها غناءهم بعبق الشرق وسحره‏..‏
ويحق لفريد الأطرش أن يحمل لقب مطرب العروبة فهو الذي يحمل الجنسية السورية بحكم ميلاده بقرية القرية في جبل العرب بسوريا‏,‏ واللبنانية بمواطنة والدته‏,‏ والمصرية التي منحت له وكان دائم القول لحم كتافي من مصر‏,‏ بالإضافة إلي الجنسية السودانية التي منحها له الرئيس جعفر النميري عام‏74,‏ وظلت الوحدة العربية عقيدته وأمنيته أطلقها غناء في أوبريت غناء العرب ثم في بساط الريح عندما حلق به عبر أجواء العالم العربي من مشرقه إلي مغربه وتنقل بالنغم والإيقاع وكلمات بيرم التونسي ليغني لتونس غزلانك البيضاء‏,‏ وفي المرسي وحلق الواد وهي أماكن تونسية لا يعرفها إلا التونسيون‏,‏ ومن سوريا ولبنان بألحانهما الشعبية الشجية إلي بغداد حيث الموال يا دجلة أنا عطشان ومن بغداد لمراكش بلاد الحور والغلة والزيتون إلي تونس الخضراء ليؤدي لهجتهما الغنائيتين‏,‏ ومن قبل ومن بعد مصر‏,‏ حيث يعاوده الحنين إلي وادي النيل‏.‏
ويزورني وأزوره‏..‏ فيصل فؤاد الأطرش من فوجئت به حريصا متواريا يسكن فيللا نائية بضاحية المعادي يرفع أسوارها كالمتاريس ويعلق سيوف الدروز المرصعة علي حوائطه ويجلس إلي بيانو عمه فريد الأطرش فكأنك عشت من جديد مع الصوت والصورة والنغم‏..‏ مع فريد‏..‏ تنصت للحن الخلود وتستعيد وتقول لفيصل الله يا فريد‏..‏ حارس الكنز الذي يخاف عليه من الضياع فيخفيه دهرا لحين التوقيت المثالي للكشف عنه‏,‏ وفي ظني بعد اطلاعي علي خبيئته أن طول انتظار فيصل قد أضاع الكثير من التوقيت والمثالية‏..‏ عشرات‏..‏ مئات‏..‏ آلاف الصور من قلب تاريخ لبنان وفلسطين وجبل الدروز والاستعمار الفرنسي وجد فريد وأبو فريد وأم فريد وأسمهان الأميرة آمال لقطات لها بالذات تملأ حقائب مترعة للسفر تشاهد لقطات منها لتري أسمهان أخري غير التي نعرفها توزع صينية القهوة في غرام وانتقام ويكتب عنها التابعي مذكراته في آخر ساعة‏,‏ ويلحن لها شقيقها فريد أنا اللي أستاهل كل اللي يجري لي‏..‏ أسمهان بين قادة ورتب عسكرية عالية المنزلة‏..‏ أسمهان مع ديجول في لقاءات حميمة‏..‏ ديجول ينحني ليقبل يد هيفاء ليالي الأنس‏..‏ و‏..‏ أحاول عبثا مع فيصل كتابة تاريخ جديد نستخدم فيه الوثائق النادرة
واللقطات الفريدة فيدخلني في متاهات وبطولات جبل الدروز تشفق علي فيها زوجته جميلة الجميلات سليلة سلاطين الأتراك‏..‏ من تجيد صنع قالب الكيك في بلاط الأمير‏.‏
ويزور الكاتب الصحفي سامي كمال الدين مقبرة فريد الأطرش في البساتين ليلتقي بأم حسين حارسة القبر الذي ناله الحريق المريب‏..‏ سألها عن زوار المكان الموحش فقالت إن شقيقه فؤاد لم يأت منذ وفاة فريد إلا مرة واحدة وكانت قبل وفاته هو بستة أشهر‏..‏ أما من تزوره علي فترات متقاربة فهي سلوي القدسي السيدة الحسناء التي خطبها فريد ولم يمهله القدر لاتمام الزواج منها وكان وجهها آخر وجه رآه قبل وفاته‏.‏
فــريد
عودك المشتاق لعبقرية لمساتك ينادي عليك‏:‏
لاكتب عاوراق الشجر‏..‏ أضنيتني بالهجر‏..‏ وغدا يومي بلا غد‏.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق