السبت، 31 أكتوبر 2009

ظننا أن ماء الغيب ملح ..بقلم ماجدة أباظة

مازلنا في رحلة كليم الله الباطنية مع الخضر. فحينما انطلقا، فلقيا غلاماً، فقتله. وهنا لنا وقفة. هل قتله الخضر جسدا وروحا، أم قتل النفس الأمارة بالسوء التي خشي علي أبويه المؤمنين أن يرهقهما طغيانه وكفره؟ فأراد أن يبدلهما ربهما خيراً منه زكاة في نفس ليست أمارة بالسوء. وهنا توقف سيدنا موسي وقال له «أقتلت نفساً زكية بغير نفس لقد جئت شيئاً نكرا». لقد رأي سيدنا موسي هذا الغلام نفساً زكية، كناحية ظاهرية ولم ينظر إليه كظاهرة باطنية كما نظر سيدنا الخضر إليه. فقال له الخضر «ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا». فرد سيدنا موسي وأخذ علي نفسه عهدا، فقال «إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا». وهنا شرط علي نفسه كليم الله، ألا يعترض بعد ذلك.
«فانطلقا حتي إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما. فوجدا فيها جدارًا يريد أن ينقض، فأقامه، قال لو شئت لاتخذت عليه أجرا». وهنا توقف سيدنا الخضر بناء علي العهد الذي قطعه سيدنا موسي علي نفسه. فـ«قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تسطع عليه صبرا». فلن نقول كيف أقام الجدار ومن أين أتي بالعدة التي أقام بها الجدار. ولكن نرجع إلي عين بصيرة سيدنا الخضر وعلمه اللادني الذي هو بين الكاف والنون. فبه يستطيع أن يري كل الأشياء، كما رأي الملك الظالم وكما رأي النفس الأمارة بالسوء للغلام وكما رأي الكنز الذي تحت الجدار. من أجل أبوهما الصالح، «فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك» وهنا لنا وقفة، هل الأب ينفع أولاده ؟ نقول بنص القرآن نعم. وهل الأم الصالحة تنفع أبناءها؟! نقول نعم بنص حديث المصطفي صلي الله عليه وسلم حينما قال «للمرأة التي قالت له عندي ثلاث فتيات، قال لها: إذا أحسنتي تربيتهن دخلتي الجنة بشفاعتهن» وهنا الحلقة المفقودة لمن أراد البحث. كما تدين تدان. ما فعلته بأبنائك سيفعلونه بأبنائهم فإذا طغا عليك أبواك وحرماك فلا تحرم أبناءك، فيمكنك وقف النزيف وبيدك تغيير المسار. ونكمل الأربعة التي لا خامس لهما، فهي الزبور والتوراة والإنجيل والقرآن. فللكون أيضاً أربعة اتجاهات شمال وجنوب وشرق وغرب. وحينما خلق آدم،خلق من أربعة عناصر، تراب ومياه وهواء ونار. وحينما ننظر إلي الملائكة المقربين نجدهم جبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل. وحينما ننظر إلي الخلفاء نجدهم أربعة وحينما ننظر إلي أئمة التشريع نجدهم أربعة. فحينما خلق الجسد من أربعة، تغذي علي نفس الأربعة ولا شيء خرج منها. فعمر الإنسان أربعة، طفولة وصبا وشباب وكهولة. فصول السنة أربعة. فعالم الأربعة عالم كبير ولكن علي رأسهم حروف اسم الله وحروف اسم سيد ولد آدم.
أما الخمسة التي لا سادس لها، فهي أركان الإسلام وأقوي شيء في الأركان أوله وهي الشهادة «أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله» وهنا التوحيد، فلابد من تكملة الشهادة.وتأتي بعدها إقامة الصلاة، والصلاة هنا تعني الصلة بين العبد وربه بصدق وتركيز وخشوع. وليست باعتبارها واجباً. ثم يأتي الركن الأضعف وهو إيتاء الزكاة، فالزكاة تعمم علي الفقراء والأغنياء بنسبة من أموالهم. فإذا قالوا نسبة الزكاة وحددوها فلينفق كل من سعته. ونأتي إلي الركن الأضعف وهو صوم رمضان، وفيه رخص كثيرة ،ثم نأتي إلي الأضعف وهو حج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً. وهنا نعلم أن شهادة «أن لا إله إلا الله وأن سيدنا محمداً رسول الله» هي نقطة الارتكاز.
و الستة التي لا سابع لها هي خلق السماوات والأرض وليس الأراضين كما يشاع فهي الأرض التي نحن عليها فقط. مصداقاً لقوله «ولقد خلقنا السماوات والأرض في ستة أيام وما مسنا من لغوب» وهنا اعترض اليهود كعادتهم بقولهم : ان الله تعب في اليوم السابع فاستراح. فرد عليهم «وما مسنا من لغوب» أي من تعب.
أما السبعة التي لا ثامن لها فهي السبع سموات بقوله تعالي«وجعلنا فوقكم سبعاً طباقا فارجع البصر هل تري من فطور ثم ارجع البصر كرتين ينقلب اليك البصر خاسئا وهو حسير». وسوف يكون لنا وقفة في المقالة القادمة عند السبعة لأن الإنسان له سبع من الأنفس علي رأسها الأمارة بالسوء.
ظننا أن ماء الغيب ملح وجدنا الغيب طيب الطيبات.. سلاما يا أبا الزهراء أمانا طرقنا باب خير الشافعات.

في كل حين لنا في المصطفي أمل ..بقلم ماجدة أباظة

بصعوبة شديدة جدًا استطعت الحصول علي لقاء مع الشيخ الجليل، فسألته أن يحدثني عن المصطفي - صلي الله عليه وسلم - عن أشياء لا نعرفها كثيرًا عنه. فقال لي: إننا نسمع ولكن لا نعي ما نسمع. لأننا بعيدون كل البعد عن السيرة العطرة. فحينما سُئل المصطفي - صلي الله عليه وسلم - من أنت؟ قال:أنا سيد ولد آدم ولا فخر. فمن هو ولد آدم؟ هل هم الأنبياء الذين ذكروا في القرآن؟ والذين لم يذكروا برسالاتهم وبمن كفر بهم وبمن آمن بهم إلي يوم القيامة؟ نعم. فهذا شرف لهم أن يكون المصطفي - صلي الله عليه وسلم - سيدهم. فلولاه لما كنا. ولولانا لما كان. ولولانا ولولاه لما كان الذي كان. المصطفي المعصوم من؟! هو قدوة للاقتداء. فهو معلم البشرية الأول، فحينما ذهب سيدنا موسي إلي سيدنا الخضر، ذهب ليتعلم. وحينما ذهب أبو اليزيد البسطامي إلي البطريرك ذهب لكي نتعلم ونتعرف علي إمامنا المصطفي - صلي الله عليه وسلم-. فحينما رأي أبو اليزيد المصطفي - صلي الله عليه وسلم - في منامه قال له: اذهب إلي البطريرك وأنت تري من آيات ربك عجبًا. فلما ذهب وجلس بين الشعب، فتوقف البطريرك وقال بينكم محمدي، فقالوا: كيف عرفت؟ فقال: إن أصحاب محمد سيماهم علي وجوههم من أثر السجود. وهنا أريد التوضيح، سيماهم ليست العلامة التي علي جباه بعض الناس ولكن سيماهم بمعني نور الله علي وجوههم وبهائه. فأشار البطريرك إلي أبي اليزيد ليخرج من وسط الجموع. فقال: والله لأخرج حتي يحكم الله بيننا.
فقال البطريرك: إني سائلك أسئلة، إذا أجبت عنها، جلست بيننا وإن لم تجب فعليك الخروج. فقال أبو اليزيد: قال عز وجل «اتقوا الله ويعلمكم الله» وهنا لي وقفة، ففي بعض التفاسير يتحدثون عن النبي، أن الذي علمه هو جبريل، وأنا اختلف معهم اختلافًا كليًا وجزئيًا، لأنه قال: علمه شديد القوة وهنا شديد القوة رب العزة وليس جبريل. نحن حينما نتقي الله، يعلمنا الله. فهل نحن نساوي شيئًا أمام سيد الخلق ومدينة العلم. فالذي علمه هو الذي أدبه كما قال «أدبني ربي فأحسن تأديبي. ونرجع إلي أبي اليزيد حين طرح عليه البطريرك الأسئلة. فقال له: قل لي، من الواحد الذي لا ثاني له؟ ومن الاثنين اللذين لا ثالث لهما؟ ومن الثلاثة الذين لا رابع لهم؟ ومن الأربعة الذين لا خامس لهم؟ ومن الخمسة الذين لا سادس لهم؟ ومن الستة الذين لا سابع لهم؟ ومن السبعة الذين لا ثامن لهم؟ ومن الثمانية الذين لا تاسع لهم؟ ومن التسعة الذين لا عاشر لهم؟ وما العشرة القابلة للزيادة؟ ومن الأحد عشر؟ وما المعجزة المكونة من اثني عشر شيئًا؟ ومن الثلاثة عشر؟. وما الشيء الذي تنفس ولا روح فيه؟ وما القبر الذي سار بصاحبه؟ وما الشيء الذي خلقه الله وأنكره؟ وما الأرض التي طلعت عليها الشمس مرة واحدة؟ وما الشجرة المكونة من اثني عشر فرعًا، في كل فرع ثلاثون ورقة في كل ورقة خمس ثمرات، ثلاث منها في الظل واثنتان في الشمس؟ وهنا نعلم أن السائل يعرف الإجابة، ويعلم ما قدرة المجيب الذي سيجيبه. فإذا نظرنا إلي هذه الأسئلة لوجدنا إجاباتها في جميع الكتب السماوية. فحينما نجيب عن هذه الأسئلة سوف نري أن لهذا الكون إله عظيم علَّم نبيه ماذا صنعت الأنبياء التي أرسلت من قبله لكي يبلغوا رسالة الخالق العظيم رب السماوات والأرض وما بينهم. وفي المقالة القادمة سيتم الرد علي هذه الأسئلة.
في كل حين لنا في المصطفي أمل، حتي إذا حان الإسراء يسرينا، وكفه من عطاء الله يمنحنا، ومن تدانيه يطعمنا ويسقينا. لما دنا العرش والكرسي جيء به في أول الليل وازدانت مراقينا. حلت علي أهل هذا الحي فرحته، كل تخلي فلا معنا ولا فينا. لكنه من ندي الكف ألبسنا ثوبًا صفيًا شهدناه بدا فينا.

هذا عطاء الله من عليائه ..بقلم ماجدة أباظة

لأول مرة أكون مشغولة عن تساؤلاتي مع الشيخ الجليل لأنني بصدد التحضير لزواج ابنتي الجميلة «عاليا». إلا أنه هذه المرة هو الذي يواكبني في مشغولياتي؛ لكي نكمل مسيرة سيدي أبي اليزيد البسطامي.
وقفنا في المقالة السابقة عند عبر سيدنا يوسف. كان الدرس المستفاد منها، أنه لابد للحق أن ينتصر كما قال المصطفي صلي الله عليه وسلم «اتقوا دعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله حجاب».
أما المعجزة المكونة من اثني عشر شيئًا «وإذ استسقي موسي لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا». في المعرفة هناك دوما علوم ظاهرية وعلوم باطنية. فإذا نظرنا إلي «الحين» الذي يشار إليه في كتاب الله عن النخلة أنها تؤتي أكلها كل حين، أي تؤتي ثمارها كل حين، والحين هنا أي سنة، اثنا عشر شهرا. في الاثنا عشر شهرا يتم تكوين أُكُل النخل والاثنتا عشرة عينا يتم سقاية الناس الذين علموا مشربهم، الظاهرية والباطنية في العلوم اللدنية.
اما الثلاثة عشر هم، أخوة سيدنا يوسف وأبوه وأمه. حينما قال: «إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين». فالأخوة هم الأحد عشر، أما الشمس فهي الأب وأما القمر فهو الأم. الأم التي تظلل علي أبنائها والأب الذي ينير طريقهم إلي سبيل الهداية. فاذا نظرنا إلي هذا الجيل، نجد أنه جيل مظلوم لأنه يفتقد الرعاية. فالأب مشغول والأم مشغولة بالتضييق والتقتير الذي يقع فوق رؤوسهم من معاناة تعليم أبنائهم. فكل يوم نجد أفكارا جديدة تُطَبَّق علي أبنائنا لكي يزداد انحدارهم. فأصبحوا دون قدوة. وأصبحوا في غد مظلم. فأخوة سيدنا يوسف كانوا يكيدون له، لأن الشيطان للإنسان عدو مبين. أما الآن، فمن يكيد لأبنائنا.. الشياطين أم معاونوهم من البشر؟! فالظلم الذي يقع فوق رؤوس أبنائنا من أطعمة سيئة، الفاسدة منها والمضرة بالصحة كالأكلات السريعة. والخطر الأعظم الذي لا ينظر إليه أحد وهو الأماكن العامة التي تطلق العنان للدخان القاتل، فالأمراض التي لا تأتي من الدخان، تأتي من الخضراوات. كما قال المصطفي صلي الله عليه وسلم «من لا يَرْحَم لا يُرْحَم».
فكان السؤال الذي جاء بعد ذلك ما الشيء الذي تنفس ولا روح فيه؟.. قال رب العزة «والصبح إذا تنفس» فكل الأشياء حينما تتنفس فإنها تنبض بالروح إلا الصبح. فإنه يخرج من رحم الليل المظلم. فهو عكس كل المخلوقات، فحينما تنفس النور من الظلمانية، كان روحه المصطفي صلي الله عليه وسلم، فقد جاء من عنده، هو والكتاب المنير، مصداقا لقوله تعالي «لقد جاءكم من الله نور وكتاب مبين».
وحينما أشرقت الأرض بنور ربها، كانت الروح، روح المصطفي صلي الله عليه وسلم التي عمت الأرض بالرحمة لكي يرحم العالمين. والعالمين هنا ليسوا البشر وحدهم ولكن كل من بهم أرواح فوق ظهر هذه الأرض وفوق السماوات، بعث إليهم رحمة لهم.
لو أبصر الشيطان طلعة نوره
في وجه آدم كان أول من سجد
أو لو رأي النمرود نور جماله
عبدالجليل مع الخليل وما عند
لكن جمال الله جل فلا يري «بضم الياء»إلا بتخصيص من الله الصمد.
أما القبر الذي سار بصاحبه فهو حوت سيدنا يونس «فالتقمه الحوت وهو مليم فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلي يوم يبعثون» وهنا لنا وقفة. إن التسبيح يرفع القدر، فإذا كنا في ضيق وسبحنا الله واستغفرناه، فرج ضيقنا.
فلابد لنا من محاسبة أنفسنا قبل أن نُحَاسَب. كما قال سيدنا عمر بن الخطاب «حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا» ولكن بالصدق. فالصدق منجاة، وصدق التوجه لله أعظم باب أنت داخله. فنحن جميعا بتكرار الأيام والساعات والسنين تعودنا أن نتعامل مع الكرب والهم والغم حينما يقع فوق رؤوسنا، فنجلس ونستغفر ونصلي، فلا نعرف الصدق إلا في الشدائد. ولكن جميعنا يدعي أنه صادق. وكل شخص فينا يعرف نفسه. فلنرجع إلي أنفسنا ونحاسبها. فهنا نري أن الحوت قبر والتسبيح نجاة. فالقبر يحدث في ثانية في بيت يهدم علي من فيه، فيصبح قبرًا جماعيًا، في سيارة مسرعة فتصبح قبرا لصاحبها. في طائرة فتكون قبرا جماعيا لمن فيها. و نسمع ونري حينما هدم الجبل فوق رؤوس فقراء هذا البلد فكان قبرا لهم. من منا يدري أين قبره وهل حان وقته. فلم لا نستعد ونحاسب أنفسنا قبل أن يأتينا قبرنا؟. فكلنا حينما نسمع كلمة قبر نتشاءم ونرتعد ونرتجف ولكنها هي الحقيقة الوحيدة.
فالحياة هكذا، تمتزج فيها الأفراح بالأحزان، وعلينا دوما أن نجد الميزان بينهما.
ومازال أمامنا ثلاثة أسئلة لسيدي أبي اليزيد البسطامي.
جزيل عطائكم وسخي وبلوغ الكمال فيك محال
وجميع الكرام منك نجوم.. وهم بالتجلي عليك ظلال.

علي الله الكريم يكون قصدي ..بقلم ماجدة أباظة

مازلنا في الحديث عن الرزق. فإذا أردنا الرزق فعلينا أن نسعي علي السبل التي رسمها لنا سيد الخلق صلي الله عليه و سلم. فغالبية عظمي من هذا الشعب البسيط الفطري نراها تتجه اتجاهات أخري إلي أرباب الدجل والشعوذة. فيذهبون إليهم ويدخلون عندهم ويرون بأعينهم ما مدي القحط الذين هم فيه ولا يفكرون لحظة أنهم لا يستطيعون أن يفعلوا لهم شيئًا. ولو استطاعوا لفعلوه لأنفسهم. ولكنهم يذهبون من أجل أحجبة كتب بداخلها أشياء لا يستطيع المرء أن يقرأها، لأن الذي كتبها لا يعرف كتابة اسمه. فهي نغبشة. وحتي الدجالون المتعلمون لا يكتبون أشياء مفهومة و لكنها كلها نغبشة لأنهم يضحكون علي من يذهب إليهم لكي يطلب منهم العون في الرزق بحجاب أو تعويذة يصنعها لهم دجال يقولون عنه إنه شيخ.
ولكنهم منساقون وراء القشة التي يتعلقون بها ونسوا ما قاله سيد الخلق صلي الله عليه و سلم: «أنه من ذهب إلي عراف فقد كفر بما أنزل علي محمد» . إنهم يعترضون علي أرزاقهم فيذهبون طالبين العون. و نسوا أنه «لا حيلة في الرزق و لا شفاعة في الموت»، لكننا جميعا نريد التحايل بالحيل الكثيرة التي توضع أمامنا من قبل دجال و مشعوذ. وحينما تفشل حيلته نبحث عن غيره. ومن عجب العجاب أننا نسمع في كل يوم أحاديث كثيرة وآيات عظيمة تدلنا علي أبواب الرزق. لكننا لا نتبع سبيلها فقد قال عز و جل:«ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب». ولكننا لا نريد بذل قليل من المجهود في أن نتقي الله. وهنا استوقفت الشيخ و قلت له حدثني أكثر عن الرزق. فقال لي الزواج رزق و أصبحت الغالبية العظمي من فتياتنا تبحث عن هذا الرزق و تذهب أيضا إلي المشعوذين لكي يعجلوا لها بزواجها. هنا تحدث الكارثة، فنسبة تعادل الـ 99 وتسعة من عشرة من المشعوذين يذهبون ببناتنا إلي الهاوية بأشياء ما أنزل الله بها من سلطان في أي كتاب من الكتب السماوية. لا أدري من أين أتوا بهذه الاختراعات. فهناك تفاصيل مخلة و تطاولات مخجلة كثيرة يقوم بها الدجال. وهنا نحن نعي ما نقول. فكل فتاة قسم لها زوجها ومن قسم له بعدم الزواج فهذا كله في لوح محفوظ. وحين نسأل أي رجل أو امرأة أو شاب أو فتاة، هل جربتم الاقتراب من الله شبرا كما قال المصطفي عن لسان رب العزة: «من تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا» فلماذا لا نتقرب إليه؟، ونستغفره ونحاسب أنفسنا وننظر إلي ما صنعنا من تجاوزات و نتوب. فالآن حينما نخرج إلي الطرقات الكل يختبئ وراء الزي الديني. السؤال الذي يجب أن يطرح نفسه، ما العفة؟ فالعفة والاحترام أشكال وألوان تتعدي مجرد زي. فنحن نري سيدات و فتيات محترمات محجبات كما نري أيضا محترمات غير محجبات. و العكس صحيح. فكما روي المصطفي «تنكح المرأة لأربع لمالها وجمالها وحسبها ونسبها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك». فالأصل البحث عن ذات الدين بالمفهوم العميق للدين و ليس قشوره. فكل فتاة لها رزقها من الزواج. والشيء بالشيء يذكر، هنا نروي قصة سيدنا موسي حينما كان ينظر إلي غزالة تقف وسط خضرة كثيرة وتبكي وبعد فترة من الزمن وجد هذه الغزالة في الصحراء تضحك فاقترب منها و قال لها أتبكين وأنت في الخَضَار وتضحكين وأنت في الصحراء؟. فقالت: وأنا في الخضار علمت أن الرزق من حولي كثير فكيف إذا منع عني وهنا بكيت. وحينما منعت الرزق تذكرت وأنا في الصحراء فضحكت، وكما قال المصطفي صلي الله عليه و سلم: «اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا و اعمل لآخرتك كأنك تموت غدا». فالرزق كما قال رب العزة: «ورزقكم في السماء وما توعدون»، فكل شيء قدر له رزقه. «فمن كان رزقه علي الله فلا يحزن» . أما من كان رزقه بين يدي دجال مشعوذ فلابد له أن يحزن وأن يراجع نفسه ويتبع السبل كما قال المصطفي صلي الله عليه وسلم: «من كان يريد الرزق فعليه بالاستغفار ومن كان يريد سداد ديونه فعليه بالاستغفار، ومن كانت تريد الزوج الصالح فعليها بالاستغفار من كانت تريد صلاح معيشتها فعليها بالاستغفار، ومن كان يريد البركة في رزقه ومعيشته وصلاح أبنائه فعليه بالاستغفار، فإذا جلس وقال: «استغفر الله العظيم هو التواب الرحيم مائة مرة كل يوم إلا زيل عنه الهم والغم والكرب» فلما سألت السيدة عائشة المصطفي لما تستغفر ربك وقد غفر لك من ذنبك ما تقدم منه و ما تأخر، فقال المصطفي: أفلا أكون عبدا شكورا. المصطفي يستغفر ربه في اليوم مائة مرة فكيف لا نستغفر نحن. و قبل أن نستغفر لابد لنا أن نصلي. فقد قال رب العزة: «ويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون». فالرزق يأتي حينما نصلح بيننا وبين الرزاق.علي الله الكريم يكون قصدي رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا هو السند الذي صرنا إليه هو النور المعظم يحتوينا

السبت، 10 أكتوبر 2009

عفوا ياصحافة آخر الزمان..!

بداية أحذر القارئ العزيز ،إن وجد ، أن هذه السطور القادمة قد تحمل ما يعتبره غير لائق وإن كنت أطمئنه بأنني سأحاول قدر استطاعتي أن أحافظ علي اللياقة لفظا ومضمونا ..
واقع مقرف ووسط ملئ بالمتناقضات والزيف والكذب ..أما الواقع المقرف المعفن (مادمت تفهم المعني فلاتجادلني كثيرا في المبني ) فهو الواقع السياسي والثقافي المحيط ..خريطة سياسية وثقافية عبارة عن جزر متباعدة مايجمعها المصالح ومايفرقها أيضاا المصالح!!أما الوسط المنافق فهو الوسط الصحفي ومن نجا فيه من هذه السمة العامة فهو الاستثناء الذي يؤكد القاعدة ..نفاق وشللية ومحسوبية من أقصي اليمين إلي أقصي اليسار مرورا بمن يدعون الاستقلالية والمهنية والحيادية !!
بصراحة مللت من الصراخ في وجه بجاحة الأدعياء وراكبي الموجات مختلفة التردد السياسي والثقافي ..مشهد فظيع وإدراك تفصيلاته تصيب أي إنسان سوي بالغثيان ..وفاصل ونواصل..

الأربعاء، 7 أكتوبر 2009

قصيدة "خطئ أنا " لـ "روضة الحاج "..

خطئي أنا..
أني نسيت معالم الطرق التي لا أنتهي فيها إليك !
خطئي أنا..أني لك استنفرت ما في القلب ما في الروح منذ طفولتي..وجعلتها وقفا عليك..
خطئي أنا..أني على لا شئ قد وقعت لك..
فكتبت..أنت طفولتي .. ومعارفي .. وقصائدي وجميع أيامي لديك !!
(( روضة الحاج))
· هذه الكلمات من روائع ما قرأت ..مع تحياتي لكل قارئ للشعر يبحث عن الجيد والرائع .
إسماعيل الأشول

السبت، 3 أكتوبر 2009

كشـك‏..‏شـيخ الغــلابة ...بقلم‏:‏ ســنـاء البيـــسي

لو كان الشيخ كشك بيننا في رمضان الماضي لأعلن من فوق المنبر أن فوازير نيللي ــ بالمقارنة بما أصبح عليه حالنا المرئي ــ لم تكن سوي رحمة ونور علي الصائمين‏,‏ حيث لم يكن عرضها يستغرق سوي دقائق معدودات تتبدد سريعا أثناء تناولنا طعام الإفطار‏,‏ ومن هنا فهي لم تلهنا في زمانها عن القيام بالعبادات الواجبة وما يتطلبه الشهر الكريم من التراويح والتهجد في أيام صيام وقيام ونصر وفتح وقدر وبر وقرآن‏,‏ وما نيللي وفوازيرها ــ التي انصب عليها سؤال المحقق للشيخ كشك إثر اعتقاله مرتين لماذا تهاجم فوازير نيللي؟‏!‏ ــ بالمقارنة إلي ساقية رمضان الأخير التي استغرق دوراننا فيها ثلاثين يوما قضيناها لهاثا وسلاحنا فيها الريموت كنترول بين متاهة أربعين مسلسلا‏,‏ وخمسمائة برنامج بضيوفها المكررين وتليفوناتها المفتعلة ومذيعيها تحت التمرين‏,‏ ومائة مليون طبق رمضاني بأطقم طباخيها ومرماطوناتها‏,‏ وخمسة آلاف مشهد غالبيتها تؤديها دراميا راقصات المعاش بالسن الذهبية والشعر الأصفر والكردان البندقي والأرواب الساتان والصدور الديكولتيه وأساور شخللة التشويح وتهادي رجرجة الثنايا وتفاح خدود البوتكس وشعلقة حواجب الشد والجذب وطرقعة اللبان الدكر‏..‏لو كان الشيخ كشك بيننا لبشر بالجنة كل ذي بأس وشكيمة انتزع نفسه غلابا من مصيدة لا تتذكر فيها عملا لا علي سبيل المثال ولا الحصر للتوجه لصلاة التراويح‏,‏ ولو كان بيننا لما ظلم يوما فوازيرها‏..‏الشيخ عبدالحميد عبدالعزيز كشك ــ شيخ الغلابة ــ إمام جامع عين الحياة بحدائق القبة علي مدي عشرين عاما‏,‏ من لايزال من بعد وفاته في‏6‏ من ديسمبر‏1996‏ حتي الآن نجما في سماء الكاسيت الديني ليصفه البعض بأنه عدوية الدعوة الإسلامية مشيرا إلي أنه مجرد ظاهرة صوتية‏,‏ فيما يعترض البعض الآخر مؤكدا أنه عالم له أكثر من‏115‏ كتابا أهمها تفسير القرآن الذي أودعه الشيخ خلاصة فكره ودعمه بالأبحاث في كل المجالات التي لها صلة بمعاني الآيات‏,‏ وإن كانت معظم كتبه الأخري هتافات وشعارات لكونها مجرد تفريغ لشرائط الخطب التي كان يلقيها الشيخ بين هتافات المستمعين ــ بلغ عدد الشرائط‏250‏ شريطا وقيل أكثر من‏2000‏ حتي أطلق عليه الكاتب الكبير أنيس منصور لقب كشكفون إلا أن الشيخ كشك قام في‏5‏ أغسطس‏1993‏ بالتحذير من أن هناك شرائط مزيفة تحمل اسمه بصوت مقلد له مؤكدا أن هناك شخصا حاول تقليد صوته وطبع العديد من الشرائط باسمه مستغلا تشابه الأصوات وفي تلك الشرائط المزورة الكثير من الأخطاء العقائدية والفقهية والنحوية مع العلم بأنه لم يلق خطبا منبرية منذ اعتقاله عام‏1981,‏
وجاء في تحذيره بضرورة توقيع العقوبة علي الفاعل حتي لا تحدث فتنة بين الناس في دينهم ــ وما بين هؤلاء وهؤلاء تبرز ظاهرة الشيخ كشك بما تنوء من نقد لاذع محبط‏,‏ وقفشات ساخرة‏,‏ وضحك كأنه البكاء‏,‏ ورصد للأحداث من وجهة نظر من فقد نعمة البصر‏..‏ القائل‏:‏رأيت العمر أجرا وزخرا وعصمةوإني إلي تلك الثلاث فقيريعــيرني الأعــداء والعيــب فيهموليس بعيب أن يقال ضريرإذا أبصـر المرء المــروءة والوفــافــإن عـمي العــينين ليــس يضيرو‏..‏ لم يسأل أحد لماذا سار الناس وراء الشيخ كشك وأعرضوا عن الكثيرين‏,‏ والشيخ كشك لم يكن مجرد واعظ مصري يجيد السيطرة علي مشاعر مستمعيه وإنما كان قد بات شخصية لها مكانتها في العالم العربي والإسلامي حتي إن تسجيلاته انتهت من داكار وطهران وبنجلاديش واستنابول إلي بيروت والمغرب ودول الخليج في حين أفرغت لتغدو كتبا معروضة في لندن وباريس‏,‏ ودخل كشك بأشرطته المبرمجة والمفرغة قائمة ملوك الواجهة في عروض مهرجانات الكتب جنبا إلي جنب مع أيام طه حسين‏,‏ وعبقريات العقاد‏,‏ وأهل الكهف لتوفيق الحكيم‏,‏ وثلاثية نجيب محفوظ‏,‏ وحول العالم في‏200‏ يوم لأنيس منصور‏,‏ والحسين شهيدا للشرقاوي ومن هنا نبدأ لخالد محمد خالد وأرخص ليالي ليوسف إدريس‏.‏كشك الظاهرة التي تستحق الدراسة والمناقشة‏..‏ كشك نموذج الإعجاز في بلاغة التعبير وقوة الحجة وخفة الظل واتساع العلم‏..‏ كشك نجم ثقافة الأشرطة التي خلقت أفقا جديدا أوصل المحتوي لمن لم يكن له سبيل للمحتوي سواء من لا يحب القراءة أو من لا يعرف القراءة‏,‏ فما قاله كشك سمعه الأسطي سيد المكوجي وهو يضغط ساق بنطلون سعادة البيه بالمكواة الساخنة‏,‏ وأنصت إليه راكب المرسيدس من خلف عجلة القيادة‏,‏ ورفع من صوت كشك صاحب كشك الكاكولا علي الناصية ليلقي كلام الشيخ عنده آذانا صاغية متجاوبة تدعو معه علي الظالم وتقول آمين‏..‏ إن المقابلة بين الشيخ كشك وغيره من أئمة الوزارة الرسميين تعبير عن المقابلة بين ما يمكن أن يسمي تجاوزا بإسلام الشارع والإسلام الرسمي‏,‏ أو فيما بين إسلام الجماهير وإسلام الحكومة‏,‏ والموقف في مجموعه إعلان لا تنقصه الصراحة عن فشل محاولة تحويل المنابر الإسلامية إلي إدارات ومؤسسات وتسكين شاغليها علي وظائف ودرجات‏..‏إن الشيخ كشك هو اختيار الجماهير‏,‏ حيث دفع حريته ثمنا لما أداه من دور لم يقلل من قيمته ليظل الأكثر رواجا‏,‏ ولايزال ــ كما كان ــ واحدا من زعماء الشارع الإسلامي‏..‏ وربما يجوز القول في فن خطابة كشك بأنها الخطابة المصورة‏,‏ فعلي سبيل المثال عندما تسمع تسجيلا لإحدي خطبه عن فريضة الحج فإنه يصعد بك الطائرة من مطار القاهرة الدولي وينتقل بك خطوة خطوة مع مناسك الحج وشعائره‏,‏ ويطوف بك عبر الأماكن المقدسة وكأنك تعيش الفريضة وتؤديها واقعا حيا وتشهدها شهود العيان ــ ما فعله من بعده الداعية عمرو خالد بالصوت والصورة علي أرض الطبيعة ــ وتسمع تسجيلا لإحدي خطب الشيخ كشك عن نهاية طاغية يأخذك فيه علي جناح السرعة إلي مستشفي المعادي لتشهد اللحظات الأخيرة في حياة شاه إيران وكيف ــ علي حد قوله ــ سقط الطاغوت‏,‏ وكيف كان عرش الطاووس وكيف هوي متسائلا‏:‏ هل استطاعت قوات الأمن المركزيوالمخابرات العامة والمباحث الجنائية المحيطة بمبني المستشفي منع ملك الموت من اختراق كل هذه الحواجز الهشة وقبض روح الطاغية في الساعة المقدرة له؟‏!!‏كشك‏..‏ المتهم باستغلال المنابر في التعريض بالناس وتجريح الفنانين الذي كان يري أن الناس نيام وفي حاجة لمن يوقظهم وينبههم إلي دين الله‏,‏ وهو في ذلك يتخذ في خطابته أسلوبا ومنهاجا يقول عنه‏:‏ من عادتي في الخطابة أن أقدم بمقدمة تشد السامع شدا قويا مؤثرا حتي أوقظ الوسنان وأنبه الغافل‏,‏ والقاعدة التي أنطلق منها في أحاديثي أن يكون بيني وبين المستمع لغة فريدة هي لغة لاسلكي القلوب‏..‏ كان يري أن النهي عن المنكر ليس تجريحا وإنما هو للفنانين علي سبيل المثال توجيه وإرشاد لأنهم يمثلون أعلي الأصوات في البلاد‏:‏ وذلك أسلوب اخترته لنفسي في الدعوة إلي الله‏,‏ وليس اعتراضي هنا علي الكلمة المغناه وحدها وإنما هو الاعتراض علي الغناء من حيث المبدأ‏,‏ فإذا ما أضيف إلي هذا خلاعة الكلمة أيضا كان الأمر شرا وبالا‏,‏فعلي سبيل المثال فإن عبدالحليم حافظ قد ظهرت له معجزتان الأولي أنه يمسك الهواء بيديه والثانية أنه يتنفس من تحت الماء‏,‏ وهذه معان قبيحة علي أصل مرفوض من الأساس فهو ليس سمكة‏,‏ ولم يكن غطاسا أو معه جهاز أكسجين يعينه علي التنفس من تحت الماء‏,‏ ثم إنها ليست أخيلة شعرية أو مجازا‏,‏ فلا يتم اللجوء من الحقيقة إلي المجاز إلا إذا قامت قرينة تمنع من إرادة المعني الأصلي‏,‏ وعبدالحليم عندما يقول ذلك إنما هو فيه كاذب لا صادق مثله مثل الذي يقول‏:‏ جئت لا أعلم من أين؟‏,‏ فهذا رجل كاذب لأن عنده أولادا ويعلم كيف جاء بهم‏,‏ وبالتالي فإنه مثلهم جاء من نفس الطريق‏,‏ وهل من الإسلام أن يتساءل عبدالوهاب مندهشا أو معترضا‏:‏ جايين الدنيا ما نعرف ليه‏!!!‏ ألا يعلم الجميع لماذا جئنا إلي الدنيا وأننا إلي الله ذاهبون‏.....‏وكان الشيخ كشك هو الوحيد الذي اعترض علي سيدة الغناء أم كلثوم في حلمها بأن يأخذها الحبيب في حنانه خدني في حنانك خدني عن الوجود وابعدني‏..‏ اعترض بقوله‏:‏ امرأة في الثمانين من عمرها تقول‏:‏ خدني‏..‏ يا شيخة ربنا‏......‏ وقد عاب الشيخ كشك علي شادية معاتبا تأخرها مع ابن عمها خارج بيت الأسرة إلي وقت متأخر ليلا غاب فيه القمر ليترك الساحة كاحلة سوداء‏:‏ وإيه اللي خلاك يا مضروبة تتأخري معه لهذا الوقت بعيدا عن أعين الرقباء؟‏!..‏ ونموذج من تفكه كشك علي نفسه في إطار أن الكرة في رأيه قد تحولت إلي رياضة مذمومة وضررها أصبح كالخمر والميسر يوقع بالعداوة والبغضاء بين الناس‏,‏ قال إنه استيقظ من النوم مفزوعا علي هدير جماهير غفيرة يعلو هتافها فسأل‏:‏ هل تحررت فلسطين والحمد لله؟‏!..‏فقالوا له‏:‏ لا ده حسام حسن جاب جون في مرمي الزمالك والأهلي أخذ الدوري‏..‏ ويروي عن الشيخ قوله في صلاة إحدي الجمع‏:‏ اللهم صلي علي الصف الثاني والثالث والرابع‏..‏ فسألوه‏:‏ والصف الأول يا مولاي؟‏!‏ فأجاب‏:‏ ده كله مباحث يا إخوانا‏..‏ وعند ازدحام المسجد هتف‏:‏ إخوانا المباحث في الصف الأول يتأدموا ــ يتقدموا ــ علشان إخوانهم المصلين في الخارج‏,‏ واستووا واعتدلوا وياريت المباحث يوسعوا لإخواننا طلبة العلم شوية‏..‏ ومن فكاهاته اللاذعة قوله‏:‏ الظلم تسعة أعشاره عندنا في السجن‏,‏ وعشر يجوب العالم كله‏,‏ فإذا أتي الليل بات عندنا‏!..‏ ويسأله ضابط جديد يحقق معه لأول مرة‏:‏ ما اسمك؟‏!..‏ قال‏:‏ عبدالحميد كشك‏..‏ فعاد يسأله‏:‏ ما عملك؟‏!..‏ فأتي رد الشيخ‏:‏ مساعد طيار ومعلوم أن الشيخ كان ضريرا‏!!‏ومن طرائف الشيخ حاضر البديهة سريع النكتة قوله‏:‏ في السجن جابوا لنا سوس مفول أي أن السوس كان أكثر من الفول‏...‏ وقال عن الدكتور مصطفي محمود بعد صدور كتابه القرآن محاولة لفهم عصري‏:‏ لا تسمعوا لكلام مصطفي محمود واسمعوا لكلام المصطفي المحمود‏...‏ وعن بابا الأقباط قوله‏:‏ آه يانا ياللي مالناش بابا‏..‏ وفي أحوال الدنيا‏:‏ الدنيا إذا ما حلت أوحلت‏,‏ وإذا ما كست أوكست‏,‏ وإذا ما أينعت نعت‏..‏ وظل قوله الذي لا يغيب عن لسانه هو‏:‏ ابحثوا وراء كل فاشل تجدوا امرأة‏..‏ولد الشيخ عبدالحميد عبدالعزيز محمد كشك في قرية شبراخيت بمحافظة البحيرة لأبوين فقيرين‏,‏ وكان واحدا من ستة إخوة ترتيبه الثالث‏..‏ ولم يولد عبدالحميد كفيفا وإنما ظل مبصرا حتي السادسة من عمره إلا أنه أصيب برمد صديدي‏,‏ وبسبب جهل حلاق الصحة فقد عينه اليسري‏,‏ فوجهه والده لحفظ القرآن ليتم حفظه له وهو في العاشرة‏,‏ والتحق بمعهد الإسكندرية وكان ترتيبه الأول دائما‏,‏ وفي الثالثة عشرة يرحل والده ومن بعده فقد بصره تماما‏,‏ وكانت الأسرة لا تجد من يعينها علي ثمن دواء الأب ولا التزامات الحياة من بعده‏,‏ وكما يقول الشيخ كشك في سيرة حياته‏:‏ فلم نجد القلوب التي تحمل مثقال ذرة من رحمة وإنما وجدنا قلوبا كالحجارة أو أشد قسوة ونفوسا لها أنياب ومخالب‏..‏ومع اليتم والفقر والعاهة يواصل الضرير الطريق متخطيا العقبات ليحقق انتصارا كبيرا بنجاحه في الثانوية الأزهرية بمجموع‏100%‏ وبعدها يحصل علي الشهادة العالمية التي تعادل الليسانس بمجموع‏90%‏ لسوء خط من يكتب له‏..‏ ويكرمه الرئيس عبدالناصر في عيد العلم في ديسمبر‏1961‏ لتفوقه ونبوغه‏,‏ لكنه يعود ليصدر أمرا باعتقاله عام‏1966‏ بسبب انتقاداته اللاذعة لنظام الحكم وقتها في خطبه‏,‏ ثم يفرج عنه عام‏1968,‏ ويروي الشيخ قصة دخوله السجن أيام عبدالناصر فيقول‏:‏ في أحد أيام شهر مارس‏1966‏ كنت في ندوة بجامعة عين شمس وكان الحضور كثيفا‏,‏ وبعد أن ألقيت كلمتي بدأ الحاضرون توجيه الأسئلة التي فيها‏:‏ هل الاشتراكية من الإسلام؟وكان السؤال شركا حقيقيا‏,‏ فالحاكم كان يتخذ الاشتراكية دينا ومبدأ‏,‏ واحترت ماذا أفعل فإما أن أقول الحق فأدخل السجن أو أنافق فأدخل النار‏,‏ ولم يكن هناك بد من قول الحق فأجبت علي السائل‏:‏ الإسلام نظام إلهي متكامل نزل به الروح الأمين علي صاحب الرسالة‏,‏ أما الاشتراكية فهي مذهب وضعي‏..‏وحدث ما كنت أتوقعه‏!!‏ ففي يوم‏14‏ أبريل اقتحم بعض الرجال منزلي وفتشوه ثم اصطحبوني لمبني وزارة الداخلية وبعد انتهاء التحقيق أمر بوضعي في زنزانة انفرادية‏,‏ وأعيد التحقيق والتعذيب مرات ومرات وانتقلت من سجن إلي سجن حتي تم الإفراج عني بعد عامين‏..‏ ويعود كشك للخطابة وتنتشر شرائطه وخطبه انتشارا واسعا‏,‏ ولم يكن الشيخ يتقاضي مليما عن هذه الشرائط‏,‏ ثم صدر أمر السادات باعتقاله في سبتمبر‏1981..‏ وتمر بنا الأيام ثقيلة متباطئة كأنها سلسلة من الجبال تمشي الهوينا فالعيش نكد في السجون‏,‏ والناس قد ذبلوا وصاروا أشباحا خاصة كبار السن الذين أصيبوا بأمراض مزمنة‏,‏ وأصبح الطعام لا يلائم حالتهم الصحية‏,‏فمريض الضغط لا يجد إلا جبنا قد قطع من جبال الملح‏,‏ ومريض السكر لا يجد إلا عسلا أسودا حامضا تزكم رائحته الأنوف‏,‏ وأما الفجل فإنه خشب مبلول ورؤوسه تصلح أن تكون أرجلا للطبالي‏,‏ وأما الفول فإنه يصلح لفض المظاهرات السلمية‏,‏ والبصارة طعام الأثيم تغلي في البطون كغلي الحميم‏..‏ولولا أن تداركنا الحق بلطف بره لكنا تحت الثري أجساما هامدة‏..‏ ويمضي الشيخ كشك في وصف سجن طرة الذي اعتقل فيه في ليلة واحدة‏1536‏ معتقلا من أنماط لا يجمع بينها قاسم مشترك عدد اختلفت مذاهبهم ومشاربهم وتناقضت أفكارهم‏..‏ ويعلنون أن التحقيقات قد بدأت وكان موعد كشك مع التحقيق يوم الخميس‏24‏ سبتمبر‏..‏ ودخلت علي المحقق ووجه أسئلته‏,‏ وكان أكثرها يدور حول الخطب‏,‏ ومن الأسئلة التي مازلت أذكرها السؤال الخالد الموجه لي‏:‏ لماذا تهاجم نيللي؟‏!..‏ ويفرج عن الشيخ كشك بعد اغتيال السادات بقرار من الرئيس مبارك في‏27‏ يناير‏1982‏ مع كل من تم القبض عليهم في‏5‏ سبتمبر‏1981..‏خرج الشيخ من السجن إلي البيت‏..‏ وإذا لم يصعد الشيخ كشك بعد ذلك التاريخ فوق المنابر التي ادعوا أنها مفتوحة أمامه‏,‏ بينما حقيقة الأمر أنها لم تكن بهذا الانفتاح‏,‏ فإنه لم يفقد أبدا منبره فقد ظلت الأسئلة تطارد الفقيه وتلاحقه وتنتظر إجاباته في شقته المتواضعة في كوبري القبة التي يستقبل فيها زواره بين ثمانية أولاد آخر عنقودهم عبدالرحمن وهم خمسة من الذكور وثلاث من الإناث أكبرهم عبدالسلام وأصغرهم عبدالرحمن ويتوسطهما عبدالمنعم ومحمد وأسماء وخديجة ومصطفي وفاطمة الزهراء‏..‏في صالون الكنبة الاسطنبولي الوحدانية وسط الأرض البلاط البراح إلا من كليم شعبي يتواري في الركن البعيد يلقي الفقير الزاهد ضيوفه بعد رفضه العروض السخية وآخرها قبل رحيله بعام فقط مما كان سيغير معه مجري حياته ويفتح أمامه الأبواب للعودة إلي المنابر لكنه قال بيقين ثابت‏:‏ أخشي أن تفتح علي الدنيا أبوابها فأجامل أحدا علي حساب ديني ومبدئي‏..‏واكتفي كشك بعيش الكفاف والاستعانة ببعض العوائد المادية الزهيدة من بيع بعض كتبه‏...‏ اكتفي بالاسطنبولي والكليم وراحة البال والقول الضليع في شتي المواضيع‏:‏ ليس في الإسلام شيء يسمي رجال الدين‏,‏ وإنما رجال الدين هم علماء الإسلام كأي خبراء في التكنولوجيا أو العلوم الحديثة‏,‏ فالإسلام فيه علماء يسمون علماء الدين‏,‏ أما لفظ رجال الدين فإنه لفظ كهنوتي لا يمت إلي الإسلام بصلة‏..‏ لسنا مأمورين بأن نفتش علي قلوب الناس وعقولهم‏,‏ ومن قال لا إله إلا الله ولم يصدر منه ما يناقضها فقد عصم ماله ودمه‏...‏أتحدي من يقول إنني أعمل علي إثارة الفتنة الطائفية من خلال خطبي‏,‏ فقد خطبت وسجلت دروسا تزيد علي المئات أتحدي أن يأتي أحد بشريط واحد فيه تفرقة طائفية‏,‏ بل العكس لقد كان القسس يأتون ليستمعوا للخطبة خارج المسجد‏,‏ وكنت أعلم ذلك‏,‏ وظللنا في دير الملاك من سنة‏1950‏ حتي الآن وهي تعتبر محفلا لأهل الكتاب وما شكا واحد مني‏,‏ بل إن البيت الذي أسكنه في دير الملاك نصفه من النصاري الذين يعرضون علي مشاكلهم‏,‏ والله يعلم أن هذه فرية ما فيها حق وما أكثر المظلومين‏...‏الفتوي في الإسلام مسئولية كبري لأن المفتي إنما يوقع عن الله تبارك وتعالي‏,‏ وهو في فتواه يجب أن يكون صريحا في الحق قويا لا يخشي في الله لومة لائم‏,‏ كما يجب أن يصدر عن علم ودراية بالكتاب والسنة‏,‏ وعن علي رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم قال‏:‏ من أفتي بغير علم لعنته ملائكة السماوات والأرض‏,‏ ولقد وقف الأئمة من الفتوي موقف الأمانة والحذر واسمعوا لما قاله الإمام الشافعي رضي الله عنه‏:‏ لا يحل لأحد أن يفتي في دين الله إلا رجل عارف بكتاب الله تعالي بصير بحديث رسول الله صلي الله عليه وسلم ضليع في اللغة الفصحي والشعر الجيد وما يحتاج إليه منهما في فهم القرآن والسنة‏,‏ ويكون مع هذا مشرفا علي اختلاف علماء الأمصار وتكون له قريحة وقادة‏,‏ فإذا بلغ هذه الدرجة فله أن يفتي في دين الله تعالي ويبين الحلال والحرام‏,‏ وإذا لم يكن هكذا فليس له أن يفتي‏....‏أنا مؤمن كل الإيمان أن الحوار لابد له من حوار‏,‏ ولا أؤمن بأن تعامل القضايا الفكرية بالعنف‏,‏ وقد علمنا المولي كيف نرد علي القضايا الفكرية بقوله‏:‏ ادع إلي سبيل ربك بماذا؟‏!‏ بالحكمة أولا‏,‏ وثانيا بالموعظة الحسنة‏,‏ والجدال بالتي هي أحسن ثالثا‏,‏ ومخطئ من قال إن الإسلام رفع السيف في القضايا الفكرية‏,‏ فالإسلام انتشر بسيف العقل لا بحد السيف‏,‏ والسيف قد يفتح البلاد لكنه لا يفتح القلوب‏,‏ والعنف ليس من طبيعتي‏,‏ كما أن التحريش ليس شأني‏,‏ لأنني ذقت الأمرين بهذه التهم عندما دخلت السجن ولم أسأل إلا عن اسمي‏:‏ ما اسمك؟ وخرجت من السجن لم أسأل إلا عن اسمي‏,‏حتي سألت لماذا دخلت وبأي ذنب اعتقلت لم أجد سؤالا أو جوابا علي هذا‏,‏ فأنا من الذين قد عانوا كثيرا من التهم ومن الرمي بالتهم‏,‏ ولذلك لا ولم أحل سفك الدماء لأن أخطر القضايا هي قضايا الدماء‏,‏ ألم تسمعوا قول رسول الله صلي الله عليه وسلم‏:‏ الآدمي بنيان الرب ملعون من هدمه وقوله من أعان علي قتل مسلم ولو بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوبا بين عينيه آيس من رحمة الله‏...‏وهل انتكبت الأمة الإسلامية إلا لما قتل عمر؟‏!‏ وهل انتكبت إلا لما قتل عثمان ذو النورين؟‏!,‏ وهل انتكبت الأمة إلا لما قتل علي كرم الله وجهه؟‏!‏ وهل انتكبت أكثر إلا يوم مأساة الحسين رضي الله عنه؟‏!‏ إن الدماء تؤدي إلي الدماء وهذا علي حساب قوة الأمة‏...‏ فكرة توحيد خطبة الجمعة غير واقعية فما يصلح لمكان لا يصلح لآخر‏,‏ فهل خطبة المدينة تصلح لأن تلقي علي أهل النجوع والقري؟ فلابد أن تكون ملائمة لمجتمع المسجد‏,‏ وهي نظرية سيكولوجية في الدعوة فمثلا أن ينهار الاتحاد السوفيتي ولا يعلق عليه الخطيب ويجعل موضوع خطبته هو كيف نغسل الميت فهذا هو الهروب من الواقع والاستخفاف بعقلية السامع‏,‏ والدعوة لها قواعدها ولها أصولها‏,‏ والدعوة في حاجة لمن يؤدونها علي أنها رسالة لا وظيفة‏,‏ وقد سئل أحد الدعاة لماذا يلتف الناس من حولك ويحرصون علي الصلاة معك قال في عبارة بليغة موجزة‏:‏ لأنني أحترم عقلية المستمع‏....‏رأيي في أسباب ارتفاع سن الزواج عند الشباب لأننا جعلنا الأمر معقدا‏,‏ فما الداعي لإهدار الأموال في الفنادق والأندية‏,‏ ولماذا لا يكون الزواج في المساجد؟ وما الداعي للموائد الفخمة؟‏!‏ وما الداعي لغرف الصالون والنجف والأثاث الباهظ؟ إن أساس الزواج يعتمد فقط علي غرفة النوم‏,‏ ولنبدأ صغارا ثم نكبر‏..‏لقد عاش الشيخ كشك ببصيرته واقع الحياة يوما بيوم وساعة بساعة‏,‏ وكان مع الأحداث مواكبا وناقدا وموضحا وكاشفا‏,‏ فلا تكاد تمر حادثة يعني بها الإنسان إلا وكان معلقا وموضحا باسم الإسلام ومقارنا بين ما كان وما يجب أن يكون‏,‏ وكاشفا عورات فساد أريد لها أن تستمر‏,‏ وفاضحا للمزيفين خلف الاقنعة فأحبه الناس ينصتون إليه ويصلون من خلفه‏,‏ وفي يوم الجمعة‏25‏ رجب عام‏1417‏ هـ سجد الشيخ في بيته المتواضع وطال سجوده وعندما شعر أهله بآذان الجمعة ولم يزل ساجدا نادوا عليه فلم يرد‏,‏ فقد فاضت روحه المجاهدة إلي بارئها‏..‏ مات شيخ الغلابة في شهر رجب في يوم جمعة في ساعة مباركة في لحظة آذان الظهر وفي نفحات ذكري الإسراء والمعراج‏,‏ وعاش عمر النبوة وهو الثالث بعد الستين‏,‏ وجاهد جهاد العلماء العاملين ومات موتة الصالحين ليظل صوته يغزو القلوب حتي في أدغال أفريقيا‏,‏ ليحق فيه قوله‏:‏ لقد أنعم الله علي بنعمة فقد البصر‏!‏
‏selbssi@ahram.org.eg