الأربعاء، 12 أغسطس 2009

المنسي قنديل : واقع المصريين لايقبله بشر!

*هذا الحوار نشر قبل أسبوع تقريبا في جريدتي التي أعمل بها "الكرامة" مع بعض الاختصارات لضيق المساحة وهأنذا أحاول نشره كاملا لعموم الإفادة للراغبين في الإطلاع ..ولاأنسي بطبيعة الحال توجيه كل الشكر للأديب الكبير الذي رحّب بإجراء الحوار..
"نص الحوار"
محمد المنسي قنديل قاص وروائي مصري من مواليد مدينة المحلة الكبرى بغرب الدلتا في مصر، في 1949 وهي مدينة تميزت بصناعة الغزل والنسيج وخرج منها عدد كبير من الكتاب والقصاصين والشعراء، وقد كان من زملائه في هذه المدينة الأفليمية الدكتور جابر عصفور الذي أصبح واحدا من أكبر النقاد العرب والدكتور نصر أبو زيد المفكر الأسلامي المجدد والقصاص المعروف سعيد الكفراوي وجار النبي الحلو والشاعرين محمد فريد أبو سعدة ومحمد صالح وغيرهم
تخرج من كلية طب المنصورة عام 1975 وعمل في ريف محافظة المنيا لمدة عام ونصف العام ثم أنتقل إلى التأمين الصحي في القاهرة قبل أن يعتزل الطب ويتفرغ للكتابة. فاز وهو مازال طالبا في عام 1970 بالجائزة الأولى في نادي القصة عن قصة "أغنية المشرحة الخالية " التي جسدت مشاعر طالب طب فقير، وقد نشرت هذه القصة في العديد من الدوريات قبل أن يضمها في كتابه "من قتل مريم الصافي" الذي بجائزة الدولة التشجيعية في عام 1988. كما فاز وهو طالب أيضا بجائزة الثقافة الجماهيرية عن قصة "سعفان مات" التي تحكي مأساة عمال التراحيل .بعد تخرجه من كلية طب المنصورة عمل كطبيب في الريف المصري، ومن هذه المرحلة استقى معظم خبراته عن القرية المصرية، وإنشغل في هذه الفترة بإعادة كتابة التراث وكان دافعه إلى ذلك هو الهزيمة المريرة التي تلاقاها العرب في علم 67 والتي لم تغادر ذاكرته الروائية حتى الآن، لقد عكف على البحث في جذور الشخصية العربية ، وهل هي شخصية قابلة للتقدم والنماء أم انها محكومة بمصير الهزيمة، وقد اثمرت رحلته في التراث عن ثلاث كتب متنوعة هي شخصيات حية من الاغاني ووقائع عربية وتفاصيل الشجن في وقائع الزمن، بعد ذلك كتب روايته الطويلة الأولى " إنكسار الروح" وهي قصيدة حب طويلة وشجية عن الجيل الذي عاش مع ثورة يوليو محملا بالانتصارات عاشقا للحب والحياة، وإنتهي به الأمر منكسر الروح وضائعا بعد هزيمة يوليو، كتب بعد ذلك عدة مجموعات قصصية ، وغشتغل بمجلة العربي التي هيأت له الرحيل حول العالم، وكانت ثمرة ذلك روايتين، نشر أحدهما وهي "قمر على سمرقند" والأخرى ضاعت منه وهي مخطوطة، ولا زال يحاول استرجاعها في ذاكرته ، فازت رواية قمر على سمرقند بجائزة نجيب ساويرس للاعمال الادبية ، وقامت الجامعة الأمريكية بترجمتها إلى الأنجليزية ونشرها، انتهى من كتابة رواية جديدة بعنوان "يوم غائم في البر الغربي" سوف تصدر قريبا عن دار الشروق بالقاهرة.

التقيته علي هامش توقيعه لكتابه الجديد "وقائع عربيه" في مكتبة حنين وكان هذا الحوار..
* انشغلت خلال مشوارك الإبداعي بالبحث عن ماهية الشخصية العربية ..فكيف وجدتها في النهاية ؟

- الشخصية العربية والمصرية علي الأخص "طيّعة " أكثر مما ينبغي ،وواجب المثقفين والمبدعين مواجهة هذه السمة السلبية جدا بكتابة مايسمي بأدب الحرية ،وهذا اللون من الأدب واجبه إرشاد الناس إلي الظلم الواقع عليهم ،لأن المصريين من الممكن أن يتحمّلوا أنواع كثيرة جدا من المظالم دون إدراك ودون معرفة لحجم هذه المظالم وأسبابها فلابد من تنبيههم لظالميهم وتنبيههم أكثر لكيفية التخلص من هذا الظلم وهذا واجب المثقف والمبدع المصري .
-
* وماذا لو تخلي المبدع عن هذا الدور ؟
- لو تخلي المبدع عن هذا الدور فهو بذلك يترك الشعب فريسة لنوع من المظالم غير المرئية الواقعة عليه ولقد كتبت ذات مرة في إحدي مقالاتي بالصفحة الأخيرة بمجلة "العربي" عن العدو الملتبس فأيام الاحتلال والاستعمار كان العدو واضح وصريح وهو العدو الذي يحتل البلد لكن بعد الاستقلال وظهور العديد من الأنظمة الوطنية أصبح العدو ملتبسا وهو العدو الحقيقي الآن ،فكثير من الأنظمة الحاكمة أصبحت عدوة لشعوبها وهي تتدثر بدثار الوطنية وتتحلي به لكنها ترتكب تحت ظل هذه الوطنية أبشع الانتهاكات في حقوق مواطنيها .
-
* إذن فإلي أي مدي تري البيئة الثقافية المصرية تدعم هذا اللون من الأدب ؟
- لدي أمل في الأجيال الجديدة أنها تتبني هذا النوع من الأدب وأنها تساهم في تخليص شعبها من الاستبداد الذي يحاربهم لأن الأمور لم تعد تحتمل فعلينا جميعا أن نصرخ حتي يسمع الآخرين صوتنا ، يجب أن نقول للاستبداد أن يكف ،وعلي الأديب أن يساهم في ذلك .
-
* برأيك مالذي يمكن أن يضيفه مقعد اليونسكو الذي يسعي إليه فاروق حسني لمصر ؟
- لن يضيف مقعد اليونسكو لمصر أي شئ علي الإطلاق وأنا أري أن سعي الوزير فاروق حسني لليونسكو سعي " مخجل" لأننا بذلك نحاول فرض شخصية جدلية مثل هذا الشخص علي الواقع الدولي ، فتوليه لوزارة القافة في مصر أثار جدلا لم ينتهي فما بالك وهم يحاولون فرضه علي العالم ..وأود القول أيضا أن ترشيح فاروق حسني لهذا المنصب ليست رغبة شخصية فهذا عمل سياسي من القيادة العليا وهذه فئة مغلقة علي نفسها لاتخصنا ولاتمثل إرادة الشعب المصري ولاعلاقة لنا بها .
-
* وماهو تقييمك لفاروق حسني وزيرا للثقافة ؟
- هو استمر فترة طويلة جدا لدرجة أننا لم نعد قادرين علي التفرقة بين الثقاافة الحقيقية والثقافة الاحتفالية ..فاروق حسني وزير جسّد الثقافة الاحتفالية .
-
*بمعني؟
- بمعني أنه حول كل شئ إلي مظهر زائف لاجوهر له ولولا أنه هناك بعض البؤر المضيئة في وزراة الثقافة مثل المشروع القومي للترجمة الذي يقوده الدكتور جابر عصفور وكذلك أشياء صغيرة يقوم بها المعنيين بالآثار كان من الممكن جدا أن تري الواقع الثقافي المصري مظلم تماما .
- * وماهو موقفك من ترجمة كتابات عبرية كما أثير مؤخرا؟
- ليست لدي أدني مشكلة في الترجمة من العبرية فهذا مطلوب لـ "تعرف عدوك " ..المشكلة هو أن كل شيء أصبح مرتبطا بمشروع وصول فاروق حسني لليونسكو وكأن النظام السياسي كله بكامل إمكانباته ومؤسساته سخر نفسه لهذا الهدف دون سبب مقنع ،فلا أعرف ماهي العبقرية العظيمة لفاروق حسني التي جعلتهم يسخرون له كل هذه القدرات فهو شخص يفتقد أي ميزة ولن يضيف لنا أي شئ وأري أن كثيرين جدا غيره يستحقون هذا المنصب أكثر ثقافة وأكثر دراية وحكمة منه .
-
*حضرتك قلت في حفل توقيع كتابك " وقائع عربية " ..أنك فعلت خلال مشوارك الأدبي مالم تكن مقتنعا به فيما يخص الجمع بين أكثر من لون أدبي من قص ورواية وسيناري وأدب أطفال..أريد توضيح أكثر؟
- ليس بالضبط ..إنما كان شعوري أنني مهيأ لأقوم بدور أكبر مماقمت به حتي الآن ولكن عجلة الحياة في دورانها تكاثرت أمامها أشياء كثيرة جدا لم تجعلني أحقق كل ماأريد .
-
* ماذا عن روايتك القادمة "يوم غائم في البر الغربي" ؟
- هذه الرواية أعود فيها مائة عام للوراء حينما كنا نحن كمصريين نحاول تلمس ذواتنا وحدودنا بعد أن كنا مجرد أعداد حيث تقرأ في كتب التاريخ أن عشرات الآلاف من المصريين قتلوا في معركة كذا أو مثلهم راحوا في السخرة وغيرهم كثيرين جدا ..كنا أعدادا لاقيمة لها ولااعتبار وفي هذه الفترة القصير التي تدور فيها الرواية حاول المصريون أن يعبروا عن أنفسهم وللأسف كانت فترة قصيرة ..الآن نحن مجرد أعداد ألف ماتوا في العبارة وكذا مصري قتل أحرق في القطار وكذا غيرهم دفنوا أحياء تحت صخرة الدويقة ..شيء مؤسف ..فقدنا هويتنا وذاتنا وأسماءنا والمصائر ..ربما تحاول الأجيال الجديدة جعلنا من جديد ناس وأنفاس وهي تركة ثقيلة يحملونها .
-
* وماالسبيل إلي الخروج من هذه الحالة العدمية التي عبرت عنها ؟
- أدب الحرية هو الحل والمخرج وتوعية المواطنين بكم الظلم الهائل الواقع عليهم ..لقد اكتشفت في زيارتي الأخيرة لمصر فقرا لم أكن أتصوره وجوعا لم يكن يخطر لي علي بال ..واقع المصريين لايحتمل .
-
* وماذا لو تخلي المثقف عن مهمته المنوطة بها إزاء هكذا واقع كما ذكرت؟
- لايصبح مثقفا ولايصح إطلاق عليه هذا اللقب لأن المثقف يستمد حياته ومشروعه من هذه الإلبية التي يدافع عنها ويعمل لأجلها ..هو بذلك ينزع نفسه من المادة التي يعمل عليها لأنه صعب جدا فهؤلاء سبيلك للتقدم والارتباط بهم هو خطوة للأمام ..أما الساعين إلي الوصول للهرم من أعلي فهؤلاء لايمثلون المثقف الحقيقي لأنه لايستطيع نزع نفسه من الأغلبية .
-
* هل لديك تعريف محدد للثقف أم أن التعريف ذاته نسبي ؟
- طبعا المثقف نسبي فليس هناك مقف عام وكل ٌ مثفف في مجاله ،نحن نطلق" مثقف " علي المشتغلين بالأدب والفن والإعلام وهذا ليس صحيحا .
- * وماهو مشروعك حال استقرارك في مصر ؟
- عندي مشروع كتابة ؛مشروع في ذهني أود إنجازه في مصر أو في أي مكان في العالم وفعلا شرعت في كتابة رواية جديدة لي ، وكتبت فيها عدة فصول طويلة وتصدر قريبا إن شاء الله .
-
* هل اعتمدت فيها علي "المادة الخام " لأسفارك المتعددة لأكثر من بلد ؟
- لا ..موضوع الرحلات موضوع آخر أنجزه في حينه أن شاء الله .
-
هل كنت لتنتمي لأحد من الأحزاب في مصر لو أنك تقيم بها ؟
- أعتقد أن حزب التجمع هو الأقرب إلي ّ.
-
وماموقفك من الجدل المثار حول توريث الحكم لجمال مبارك ؟
- توريث الحكم لجمال مبارك "مسخرة " نحن شعب أكبر من ذلك ..نحن فعليا يتم توريثنا منذ الأزل منذ أيام أسرة محمد علي ..لكن كان يتوارثنا الجيش وكل مرة قائد يصعد ويتوارث ممن سبقه ..المهزلة أنهم استمرأوا التوريث ووجدونا صالحين لهذه المهزلة فلم يجدوا مانعا من توريثنا من الآباء إلي الأبناء !
-
* ومن يتحمل مسئولية هذه المهزلة ..الحاكم أم المحكوم ؟
- الاثنين معا فالسلطة تتجبر وتبطش وتقمع ..والشعب يتخاذل ويرضي بأشياء كثيرة جدا لايمكن أن يرضي عنها أحد.
-
*وهل للمثقفين دور في ذلك؟
- المثقف الحقيقي لايكف عن العمل ضد الاستبداد ومصر مليئة بالصراخات في الصحف وفعاليات كثيرة جدا تقام لكن للأسف أجهزة القمع أكبر من مجهودات المثقف.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق