السبت، 15 أغسطس 2009

يا صبر طيب..بقلم‏:‏ ســنـاء البيـــسي

نقلاً عن جريدة "الأهرام"

"نص المقال"


هتفت تحت وطأة القيظ أف الدنيا حر موت وعرقي مرقي وبوابة الريح موصدة ضبة ومفتاح والمنافذ سد وورق الشجر كأنه مرسوم عالحيط‏,‏ والنفس طالع من الرئات كما حشرجة احتضار وداخل لها بالمستحيل‏,‏ والهواء واقف مطرحه محلك سر نسي النسيم وفقد ذاكرة الطراوة وسهي عن التجوال فوق الجبهة الندية يجفف دموع العرق ويلعب في ثنية الذيل يكشف عن السمانة الطلية‏,‏ والرؤية في ضوء الشمس الموقدة سيخ محمي يقور الحدقة ويكحل بالالتهاب الجفون‏,‏ والتراب ذرات معلقة يقف عليها الذباب يبدل من وضع ساقيه بكسل بلا أية نزعة للطيران‏,‏ والسخونة لها رائحة خليط كوكتيل ما بين أنفاس فرن وعشة فراخ واسطبل خيل وجبنة مش ووش برميل طرشي ونفتالين‏,‏ والرطوبة شبورة تحد الرؤية وتهد الحيل والحركة‏,‏ ودرجة حرارة الأرصاد خمسة وثلاثين في حين حقيقتها فوق طاسة النافوخ أم أربعة وأربعين‏,‏ ولو كانت جلودنا من وقع اختيارنا لخلعناها هي الأخري مع الهدوم‏..‏ و‏..‏ خلاص بقينا توءما لأجواء السعودية والخليج في كل حاجة حتي في مسألة الطقس وخرم الأوزون‏,‏ وقد يتغير عندهم نظام الكفيل لكننا استوردناه من بدري مع هبوب اللفح الصحراوي الذي سلمنا لمغالاته مقاديرنا للحصول علي صكوك الغفران لتكفل لنا جنة الآخرة وتحمينا من عذاب النار‏..‏ وربما لأن مخي خلاص ساح من الحر أسائل النفس كثيرا هذه الأيام ولا أجد لسؤالي إجابة شافية عن مدي صحة إسلام وإيمان الأهل‏,‏ الأم والأب والخال والعم‏,‏ الذين رحمهم الله من بدري قبل اجتياح رياح الثقافة المغايرة‏,‏ والذين صاموا وصلوا وزكوا وحجوا وعملوا الصالحات لكنهم سمحوا لنا ولأنفسهم بحريات ومعاملات وتصرفات واجتماعيات واختلاطات وفسحات وضحكات ولقاءات وصالونات وبلاجات وكوافيرات وسلامات باليد وجونلات للركب وديكولتيهات للصدر وشعر مطروح علي الظهر و‏..‏تماثيل في الأركان وللترابيزات‏..‏ مظاهر وظواهر كانت في أيامهم راسخة وطبيعية لكنها تعد في أيامنا الخليجية هذه من قبيل المروق والعصيان والعياذ بالله؟‏!!!‏
وأهتف أف الدنيا حر موت فيميل علي رجل الطقس المحنك ليقول بالمختصر المفيد‏:‏ يا مدام الصيف ده أيوب‏..‏ وإذ أتي صاحبنا علي ذكر أيوب ذهبت أبحث في أضابير الخطوب أنكش بمنكاش عن جدنا نبي الصبر المبتلي لأعقد المقارنة بين أيوبيتنا وأيوبيته فوجدته قد مسه الضر‏..‏ و‏..‏ نحن مسنا الضر والعينة بينة في أبسط حاجة كماء الشرب‏..‏ وباعت امرأة أيوب ضفيرة شعرها لتأتيه بلقيمات يقمن أوده‏..‏ ونحن إذا لم نكن قد بعنا شعورنا فذاك لأنها سقطت وحدها بفعل الأنيميا والتيفويد والإسقربوط‏..‏ وإذا ما كانت زوجة أيوب الوفية عندما أدار لها الزمان ظهر المجن قد قامت بخدمة اللي يسوي واللي مايسواش‏,‏ وهي من كانت ست ستهم وتاج راسهم‏,‏ فنحن مثلها قد أمال الزمان بختنا فذهبنا نطلب الود ممن كانت بلدنا مقصد علمهم ودرة عقدهم ومنارة فكرهم وأزهر دينهم‏,‏ يتمسحون في أعتابها ويطلبون حمايتها وينتظرون كسوتها ويلوذون بعزها وحسبها ونسبها وأوليائها وسمائها وبحرها ونهرها وفنها وحدائق جناتها‏..‏ نذهب من بعد ما هان حالنا نلبي دعوة مؤتمرهم فتغدو ضيافتنا علي حسابنا‏,‏ وتأشيرة البيات لليلة واحدة تمنح في آخر لحظة بفاكس شارد علي مكاتب المطار‏,‏ وممنوع الترنك‏,‏ وممنوع المكواة‏,‏ وممنوع فتح الميني بار‏,‏ وممنوع الزوار‏,‏ وممنوع المطعم الاختياري‏,‏ وممنوع الناحية دي وممنوع الناحية الثانية‏,‏ وممنوع عربات التحرك لغير أعضاء الوفود الأخر‏,‏ وممنوع الجلوس في الصف الأول بجلسات المؤتمر‏,‏ وتستشعر ضمنيا بأنه في حكم الممنوع لدي المنصة الالتفات إلي يدك المرفوعة تطالب بالمشاركة في المناقشة بالقول الفصل‏..‏ وقل ولا تقل بإفاضة في أمر معاملتك المستهجنة علي أرض مطاراتهم التي لا تتكلم عربي‏,‏ وذلك بمجرد الاطلاع علي بزابورك الذي يشكلك كفصيلة تنأي جانبا لحين الانتهاء من تدليل وتمرير جميع أوراق ورغبات الطوابير السامية اللبنانية والمغربية والتونسية والسورية والفلسطينية والزمبابوية والكنفشارية‏..‏ وبعدها يأتي النظر في أمر قدومك غير المحتفي به علي أرض مغادرة في ستين سلامة وابقي قابلني تاني وإيش أسوي لك‏,‏ ووالله ما بيصير‏.!‏والصبر امتحان ذاق أيوب علقمه‏,‏ والله سبحانه لم يبتل أيوب ليهلكه وإنما ابتلاه ليمتحن صبره ليقول عنه‏:‏ إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب والأوبة هي العودة إلي الله‏,‏ وكان أيوب دائم العودة بالذكر والشكر والصبر الذي كان سبب نجاته وسر ثناء الله عليه إنما يوفي الصابرون أجرهم بغير حساب‏..‏ أيوب بن موحي بن رعويل بن العيص بن إسحاق بن إبراهيم وأمه بنت لوط عليه السلام‏...‏ أيوب أحد أنبياء الله الذين أوحي إليهم ضمن من أوحي إليهم من أنبيائه إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلي نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلي إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسي وأيوب ويونس وهارون وسليمان‏..‏ أنبياء الله الذين جاهد كل منهم في طريق‏..‏ طريق قال عنه الإمام ابن القيم‏:‏ طريق تعب فيه آدم‏,‏ وناح لأجله نوح‏,‏ ورمي في النار الخليل‏,‏ واضجع للذبح إسماعيل‏,‏ وبيع يوسف بثمن بخس ولبث في السجن بضع سنين‏,‏ ونشر بالمنشار زكريا‏,‏ وذبح السيد الحصور يحيي‏,‏ وقاسي الضر أيوب‏,‏ وزاد علي المقدار بكاء داود‏,‏ وسار مع الوحش عيسي‏,‏ وعالج الفقر وأنواع الأذي محمد صلي الله عليه وسلم‏..‏في بلاد الشام في دمشق وما حولها‏,‏ حيث أرسله الله إلي أمة الروم كان أيوب عليه السلام أغني أغنياء الأنبياء يعيش مع امرأته رحمةبنت أمراثيم في نعيم وجنات وعيون‏,‏ أتاه الله ثروة طائلة في مقدمتها الأراضي الخصبة في منطقة البثينة من أرض حوران بسهلها وزرعها وجبلها وخيلها إلي جانب أعداد وفيرة من الإبل والأبقار وسائر الماشية حتي قيل إنه كان لأيوب ألف شاة برعاتها إلي جانب العبيد القائمين علي الأرض والحيوان‏..‏ ويبتلي النبي الكريم في المال والعيال ويصاب بالمرض العضال وينحدر من قمة الثراء إلي حضيض الفقر فجأة فيقول صابرا‏:‏ وديعة كانت عندنا استردها الله‏,‏ نعمنا بها دهرا فالحمد لله علي ما أنعم‏,‏ وسلبنا إياها فله الحمد معطيا وسالبا‏,‏ راضيا وساخطا‏,‏ نافعا وضارا‏,‏ وهو مالك الملك يؤتي الملك من يشاء‏,‏ وينزع الملك ممن يشاء‏,‏ ويعز من يشاء ويذل من يشاء‏..‏ وتطول محنة أيوب ثماني عشرة سنة وتنسج حوله الأساطير وتتعدد الحكايات‏,‏ وجاء في سفر أيوب في التوراة‏:‏ فخرج الشيطان من حضرة الرب وضرب أيوب بقرح رديء من باطن قدمه إلي هامته فأخذ لنفسه شقفة ليحتك بها وهو جالس في الرماد‏..‏وقيل إن ملكا من ملوك بني إسرائيل كان ظالما للناس فنهاه جمع من الأنبياء عن الظلم وسكت عنه أيوب ولم ينهه من أجل خيل كانت في مملكته فأوحي الله إلي أيوب‏:‏ تركت نهي الظالم عن الظلم لأجل خيلك لأطيلن بلاءك‏..‏ فقال إبليس‏:‏ يارب سلطني علي أولاده وماله‏,‏ فسلطه‏,‏ فبعث إبليس بمردته إلي دواب أيوب ورعاتها وقذفوهم في البحر‏,‏ وإلي زرعه وجناته فأحرقوها‏,‏ وإلي منازله وفيها أولاده الستة وعشرون وخدمه وأهله فزلزلوها فهلكوا‏,‏ وجاء إبليس إلي أيوب وهو يصلي يسأله بدهشة‏:‏ تصلي والريح العظيم قذفت أملاكك في البر والبحر والنار أحرقت زرعك وهدمت منازلك علي أولادك وأهلك‏..‏ فرد أيوب عليه‏:‏ الحمد لله الذي أعطاني ذلك كله ثم قبله مني‏..‏ وقام لصلاته‏..‏ فتسلط إبليس علي جسده ليمرض فصبر محتسبا مفوضا أمره إلي الله‏.‏ابتلي أيوب ولكن بلاءه لم يصل إلي حد إصابته بالجذام أو أنه قد ألقي علي قمامة بني إسرائيل ليرعي في جسده الدود وتعبث به الدواب فهو أكرم علي الله من أن يلقي هذا المصير وأن يصاب بمرض ينفر ويقزز الناس منه‏,‏ وأية فائدة من رسالة نبي وهو علي تلك الحالة المزرية التي لا يرضاها الله لأنبيائه ورسله‏,‏ ويرجح المؤرخون أن ما أصيب به كان من أمراض المفاصل والعظام‏,‏ وقد ذهب الكاتب اليوناني كزانزاكس صاحب رواية زوربا يبحث في تاريخ الأمراض التي تتسبب في إعاقة المريض مثلما حدث معه إلي حد جلوسه علي مقعد متحرك يجره طبيبه فوجد أنه قد أصيب بنفس مرض النبي أيوب المزمن وأشار بذلك في مذكراته‏.‏ويسأل أيوب عن صبره في نكبته فقال‏:‏ عولت في صبري علي أربعة أشياء‏:‏ أولها‏:‏ أني قلت القضاء والقدر لابد من جريانهما‏,‏ والثاني‏:‏ أني قلت إن لم أصبر‏,‏ فماذا أصنع؟‏,‏ والثالث‏:‏ أني قلت‏:‏ قد كان يجوز أن يكون الكرب أعظم من هذا‏.‏ والرابع‏:‏ أني قلت‏:‏ لعل الفرج قريب‏.‏ وكم من عليل قد تخطاه الردي فنجا‏,‏ ومات طبيبه والزائر‏,‏ فصبرا‏..‏ فإن الصبر تعقبه راحة ولعلها أن تنجلي‏..‏ ولعلها‏..‏ ولعلها‏..‏نبي الصبر ضاع ماله فصبر‏,‏ وفقد أهله فصبر‏,‏ ومرض جسمه فصبر‏,‏ وطال مرضه ولم ينس صبره‏..‏ ينادي ربه وأيوب إذ نادي ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين‏..‏ لا يطلب شيئا بصيغة الطلب الصريحة وإنما يتجه إلي الله معلنا حالته ذاكرا أنه قد مسه الضر‏,‏ وهو في دعائه لا يزيد علي وصف حاله‏,‏ ولا يقترح شيئا علي ربه تأدبا معه وتوقيرا‏,‏ فهو نموذج للعبد الصابر لا يضيق صدره بالبلاء ولا يتملل من الضر الذي تضرب به الأمثال علي مر العصور صبر أيوب‏,‏ بل يتحرج أن يطلب إلي ربه رفع البلاء عنه‏,‏ فيدع الأمر كله إليه اطمئنانا إلي علمه بالحال‏..‏ يخاطب الله سبحانه مضطرا بصفة من صفاته أرحم الراحمين‏..‏ لقد بلغ به الاضطرار إلي أقصي حد ليقول سبحانه أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ومن أجل التجائه واضطراره يقول تعالي فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وأتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكري للصابرين‏.‏وتختلف آراء الأئمة حول أسباب قول إمام الصابرين مسني الضر‏..‏ متي قالها وكيف ولماذا؟‏!!..‏ قيل قالها مسني الضر عندما لم يقدر علي النهوض ليصلي وهو إقرار بالعجز ليس منافيا للصبر‏,‏ واعتراف من الإنسان بضعفه عن تحمل البلاء‏..‏ وقيل قالها‏:‏ مسني الضر لأن الوحي انقطع عنه أربعين يوما فخاف هجران ربه‏..‏ وقيل قالها مسني الضر لأن تلامذته الذين كانوا يكتبون عنه لما بلغت حالته الدرجة القصوي المتردية محوا ما كتبوا عنه قائلين‏:‏ ما لهذا عند الله قدر‏,‏ فاشتكي أيوب الضر في ذهاب الدين من بين الناس‏..‏ وقيل قالها مسني الضر لأنه كان له أخوان قدما لزيارته فلم يستطيعا الاقتراب منه لهول مرضه فقال أحدهما‏:‏ لو كان في أيوب خير ما ابتلاه الله هذا البلاء وسمعهما أيوب‏..‏ وقيل قالها مسني الضر لأن امرأته الوفية الصابرة كان لها ضفيرة تستعين بها في سحبه وتتردد علي البيوت لخدمة أصحابها لقاء ما يقيم أودهما هي وزوجها العليل‏,‏ وعندما ترددت الإشاعة أن من يستخدم امرأة أيوب ناله من بلائه بعدوي المرض أوصدت الأبواب في وجهها ونضبت منافذ العمل‏,‏ وباتت مع زوجها علي الطوي بجوار قصور النعيم التي كانت ملكهما يوما‏,‏فلما ضاق بها الحال باعت ضفيرتها لتشتري القوت وعندما كشفت خمارها ورأي رأسها المحلوق هتف مقسما أن يجلدها مائة جلدة إذا ما عافاه الله‏..‏ وقيل قالها مسني الضر عندما أشفقت زوجته عليه من طول البلاء وسألته أن يدع الله أن يشفيه‏..‏ ويستجيب الله ويكشف البلاء‏,‏ وتأتي الوصفة الطبية الربانية لأيوب في قوله عز وجل‏:‏ اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب‏..‏ كان الدواء سهلا هينا‏..‏ أمر الله أيوب أن يضرب برجله العليلة الأرض فامتثل إلي أمر ربه ومس الأرض بقدمه فانفجر منها نبع الماء العذب مثلما انفجر زمزم تحت قدم إسماعيل طفلا تركته أمه هاجر تبحث له في الصحراء عن نبع لماء‏..‏ انحني أيوب يشرب من الماء المتفجر فبرئ داخله‏,‏ واغتسل به فبرئ ظاهره‏,‏ وما كان يرسل الماء علي عضو إلا ويعود في الحال أفضل مما قبل ليشعر معتل الزمان بدبيب الصحة يتمشي في أواصره يطرد الأسقام‏,‏ولم يعد هناك ألم ظاهر ولا باطن فقام صحيحا ليجلس علي صخرة قريبة‏,‏ وكانت زوجته قد تركته لقضاء حاجته فلما أبطأ في ندائه عليها للعودة به إلي مرقده أسرعت واجفة راجفة للاطمئنان عليه فلم تجد في المكان سوي شاا نضر فيه ملامح من زوجها فسألته عن زوجها المبتلي‏,‏ وكم كان فرحها عظيما لاكتشافها أنه أيوب بعد أن ألبسهالله حلة من الجنة‏..‏ وعز علي أيوب أن ينفذ نذره وأن يكون جزاء زوجته الصبور ورعايتها له أن يضربها مائة جلدة كما نذر للرحمن إن شفاه الله‏,‏ فجعل الله له مخرجا وفرجا إذ أمره أن يأخذ بعثكال من نخل فيه مائة شمروخ ليضربها به ضربة واحدة برقة وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث‏..‏ و‏..‏ يهب الله أيوب أضعاف ثروته كرما من عنده‏,‏ وعادت الحياة باسمة فيها الثراء وفيها النعمة وفيها ذكريات للوفاء والصبر وشعور غامر برضوان من الله ومحبة منه سبحانه‏..‏ ويعيش أيوب حتي يبلغ الثالثة والتسعين ليوصي بمكانته إلي ولده حومل الذي يزعم الكثيرون أنه ذا الكفل والذي جاء ذكره في سورة الأنبياء في قوله تعالي‏:‏ وإسماعيل وإدريس وذا الكفل كل من الصابرين وأدخلناهم في رحمتنا إنهم من الصالحين وقال ابن كثير إن ذا الكفل جاء اسمه من أنه تكفل لبني قومه أن يكفيهم أمرهم ويقضي بينهم بالعدل ففعل فسمي ذا الكفل‏..‏الصبر‏..‏ الذي ذكر أكثر من تسعين مرة وفي مواطن مختلفة في القرآن الكريم‏..‏ أنواع‏..‏ صبر علي طاعة الله وهو أفضلها‏,‏ وصبر عن معصية الله ويلي الأول في الفضل‏,‏ وصبر علي امتحان الله‏..‏ ويضرب ابن تيمية بأبلغ مثال عن الصبر بصبر يوسف‏:‏ كان صبر يوسف عن مطاوعة امرأة العزيز أكمل من صبره إلي إلقاء إخوته له في الجب وبيعه وتفريقهم بينه وبين أبيه فمثل تلك الأمور جرت عليه دون اختياره‏,‏ وليس للعبد فيها غير حتمية الصبر‏..‏ أما صبره عن المعصية فصبر اختيار ورضا ومحاربة للنفس وهو الشاب الأعزب الغريب الذي لا يلام في غربته فلا يستحي مما يستحي منه بين أصحابه ومعارفه وأهله‏..‏ وكان مملوكا والمملوك أيضا ليس له وازع كوازع الحر‏..‏ وكانت امرأة العزيز أنثي جميلة وحاكمة وسيدة له‏,‏ وقد غاب الرقيب‏,‏ بل كانت الداعية المراودة المهددة الواعدة الملوحة بالانتقام المبررة لعواطفها الجياشة بعرض بهائه علي صديقاتها فقطعن أيديهن من خلاف‏..‏ ورغم تلك الدواعي مجتمعة لاقتراف المعصية صبر يوسف اختيارا وإيثارا لما عند الله‏,‏ وأين هذا من صبره في الجب علي أذي لم يكن له يد فيه؟‏!..‏الصبر‏..‏ الذي قال عنه المولي تعالي إنما يوفي الصابرون أجرهم بغير حساب‏..‏ الصبر الذي يقرنه الله مع الإيمان والعمل في قوله في سورة العصر‏:‏ والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر السورة التي قال عنها الإمام الشافعي‏:‏ لو لم ينزل من القرآن إلا هذه السورة لكانت كافية وحجة علي الأمة وقيل فيها أيضا إن في القرآن سورة لو فقهها المسلمون لوسعتهم‏,‏ ويقرن الله الصبر بالعبادات‏,‏ حيث قرنه بالصلاة في سورة البقرة‏:‏ واستعينوا بالصبر والصلاة وقال سبحانه إن الصابرين في معيته واصبروا إن الله مع الصابرين‏,‏ وقوله‏:‏ يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون‏,‏ وقوله عن الجنة‏:‏ أولئك يجزون الغرفة بما صبروا‏.‏وقد أمر الله نبيه بالصبر في عشرين موضعا في العهد المكي لأنها فترة البلاء والفتنة والضعف وتسلط الكفار‏:‏ فاصبر إن العاقبة للمتقين‏,‏ واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون‏,‏ فاصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا وسبح بحمد ربك حين تقوم‏,‏ فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت‏,‏ فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل‏..‏ ويقول تعالي‏:‏ وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا‏,‏ اصبروا وصابروا والملائكة تسلم في الجنة علي المؤمنين بصبرهم‏:‏ والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبي الدار‏,‏ إنما يوفي الصابرون أجرهم بغير حساب‏..‏الصبر‏..‏ الذي قال عنه نبي المرسلين‏:‏ ثلاث من رزقهن فقد رزق خيري الدنيا والآخرة‏:‏ الرضا بالقضاء‏,‏ والصبر علي البلاء‏,‏ والدعاء في الرخاء‏,‏ ما أعطي خيرا أوسع من الصبر‏,‏ من يرد الله به خيرا يصب منه‏,‏ إن أعظم الجزاء مع عظم البلاء وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط‏,‏ ينال الرجل علي حسب قوة دينه فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه‏..‏ وما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذي ولا غم حتي الشوكة يشاكها إلا حط الله بها من خطاياه‏,‏ إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا‏,‏ وإذا أراد بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتي يوافي به يوم القيامة‏..‏ والنصر في الصبر‏.‏ وروي أبوعتبة عن النبي صلي الله عليه وسلم قوله‏:‏ إذا أحب الله عبدا ابتلاه‏,‏ وإذا أحبه الحب البالغ اقتناه‏,‏ قالوا‏:‏ وما اقتناه؟ قال‏:‏ لا يترك له مالا ولا ولدا‏.‏الصبر‏..‏ الذي قال عنه الفاروق عمر بن الخطاب‏:‏ وجدنا خير عيشنا الصبر‏,‏ وقال علي بن أبي طالب‏:‏ إنه لا إيمان لمن لا صبر له‏,‏ وقال عمر بن عبدالعزيز‏:‏ ما أنعم الله علي عبد نعمة فانتزعها منه فعاضه مكانها الصبر إلا كان ما عوضه خيرا مما انتزعه‏..‏والصبر أحسن دواء للنفس والجسم حتي قال عنه ابن القيم‏:‏ الصبر نبات ينقي الفضول الصفراوية التي في الدماغ وأعصاب البصر وإذا مزج علي الجبهة بدهن الورد يشفي من الصداع‏,‏ ويصف ابن سينا فوائد الصبر بقوله إنه ينفع في قرح العين وجربها وأوجاعها‏,‏ ومن حكة المآق‏..‏ ويخفف رطوبتها‏,‏ وجاء في تذكرة داود‏:‏ إن الصبر من الأدوية الشافية ولما جلبه الإسكندر من اليمن أقام علي شجرته حارسا لأن الناس لا يدرون قدرها‏,‏ وقال داود الأنطاكي والاكتحال بالصبر يحد البصر ويذهب الجرب والحرقة وغلظ الأجفان والتهاب العظام‏,‏ وروت أم سلمة رضي الله عنها‏:‏ دخل علي رسول الله صلي الله عليه وسلم حين توفي أبوسلمة‏,‏ وقد جعلت علي صبرا فقال‏:‏ ماذا يا أم سلمة؟ فقلت‏:‏ إنما هو صبر يا رسول الله ليس فيه طيب فقال عليه السلام إنه يشب الوجه فلا تجعليه إلا ليلا وقد أثبت العلماء أن الصبر يحافظ علي نضارة الوجه‏..‏وأحدث ما وصلت إليه نجاحات الصبر ما جاء علي الموقع الألماني‏http://www.green24/pd.1076318075htm‏ من أنه قد أجريت تجارب كثيرة لتأثير الصبر علي السرطان‏,‏ حيث وجد الباحثون أن له تأثيرا كبيرا في تقوية جهاز مناعة الجسم وإنتاج الخلايا المضادة للمرض‏,‏ كما تم استخدامه كعلاج لحالات تضخم الغدد الليمفاوية‏..‏ والصبر نبات عشبي معمر يتحمل العطش وتصل أنواعه إلي أكثر من ثلثمائة نوع‏,‏ وكان بؤرة الاهتمام لدي شيخ أطباء الأمراض الجلدية في مصر محمد الظواهري الذي أثبتت تجاربه الناجحة علي هلام الصبر‏Aloevera‏ أنه عقار فعال ليست له آثار جانبية لعلاج الثعلبة والحمرة وسقوط الشعر وحب الشباب والإكزيما والتقرحات الجلدية‏..‏ وذكرت كتب الطب الشعبي أن الصبر مقو جنسيا ويقي من السموم وطارد للديدان ويفيد في النزلات الشعبية وانحباس البول والزائدة الدودية والبواسير إذا ما طبخ بماء الكراث‏,‏ وأمراض العين والتهاب الشبكية والجفون والملتحمة والقرنية‏..‏الصبر الذي عرف النبي فوائده لينصح رجلا اشتكي عينيه بقوله‏:‏ ضمدها بالصبر وقال‏:‏ الشفاء في الصبر‏..‏ نبي الله الذي قال عنه تعالي‏:‏ وما ينطق عن الهوي إن هو إلا وحي يوحي‏,‏ وإذا ما كانت مادة الصبر قد دخلت الموسوعة الأمريكية الطبية عام‏1820‏ فقد نصح الرسول صلي الله عليه وسلم باتخاذه علاجا شافيا قبل ذلك بألف وثلثمائة عام‏..‏وقالوا الصبر بحوره بعيدة بعيدة‏..‏ وأنا‏..‏ ما أقدرشي أصبر يوم علي بعده ده الصبر عايز صبر لوحده‏..‏ وأنا‏..‏ أراك عصي الدمع شيمتك الصبر أما للهوي نهي عليك ولا أمر‏..‏ وأنا‏..‏ لو كنت أخذت علي بعادك كنت أقدر أصبر وأستني‏..‏ وأنا‏..‏ وصفولي الصبر لقيته خيال وكلام في الحب يادوب يتقال‏..‏ وأنا‏..‏ أنا صابر ع المقسوم يمكن يرجع لي في يوم‏..‏ وأنا‏..‏ لقيتني وأنا بهواك خلصت الصبر معاك‏..‏ وأنا‏..‏ ياما صبرت زمان علي نار وعذاب وهوان‏..‏ وأنا‏..‏ مش حتعود ولو إن الشوق موجود وحنيني إليك موجود إنما للصبر حدود‏..‏ وأنا‏..‏ ما تصبرنيش ما خلاص أنا فاض بي ومليت‏..‏ الملل الذي يختم به صلاح جاهين رباعياته بذكر الصبر‏:‏ الصبر طيب وصبر أيوب شفاه‏..‏ بس الأكادة مات بفعل الملل‏(‏ عجبي‏)..‏ الملل الذي دعا الرسول صلي الله عليه وسلم للبعد عنه بقوله‏:‏ أجموا نفوسكم ساعة بعد ساعة فإن القلوب إذا ملت عمت‏..‏ و‏..‏ أيها الشاكي وما بك داء كن جميلا تري الوجود جميلا‏,‏ ودع المقادير تجري في أعنتها واصبر فليس لها صبر علي حال‏..‏ طيب‏..‏ يا صبر طيب‏..!‏
selbssi@ahram.org.eg

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق