الثلاثاء، 29 ديسمبر 2009

ألف مبروك ..( المقال الأسبوعي )

برغم كل مايحيط بنا من قبح وانحطاط تاريخيين في بلادنا إلا أن واقع الحال يؤكد للجميع أنه لايزال لدينا مايثير بداخلنا الفرح ..البسمة ..الضحك..الحب ..التفاؤل والسرور والبشر ..بل إن شدة الأزمة ذاتها أجدها من مثيرات الأمل بداخلي بحسب ماذكره أديب صومالي في مقولة له مفادها أنه مادمنا قد وصلنا إلي القاع فليس أمامنا سوي الأمل في معاودة الصعودة مرة أخري لأعلي ! مقدمة ربما طالت قليلا قبل أن أكتب لزملائي وزميلاتي الأعزاء والعزيزات جدا " ألف مبروك " بمناسبة قيد أكثر من عشرة منهم في جدول نقابة الصحفيين تحت التمرين قبل أيام قليلة ، ومع طموحي المشروع في نيل حقي في مثل هذا القيد أجدني مغمورا بشعور جارف من السعادة يسيطر علي منذ حضوري حفلة صغيرة أقامها الزملاء والزميلات بصالة تحرير جريدتنا الغراء " الـــكـــرامـــة " وتناولي بطبيعة الحال لعدة قطع من الحلوي والشوكولاه التي أحبها كثيرا ، ومع تأكيدي علي أن مبعث سعادتي لم يكن تناولي للحلوي والشوكولاه بقدر ماكان مالمحته من ألفة وطيب صحبة وصدق مودة في أغلب من اقتربت منهم من الزملاء والزميلات ..مجموعة من الشباب والفتيات في مقتبل حياتهم ، لم يتجاوزوا عقدهم الثاني من أعمارهم بكثير ، كما أن أحلامهم تقليدية جدا كغالب أبناء جيلهم فلو فتشت في أدمغتهم وقلوبهم جميعا لما وجدت أكثر من مرتب معقول وزيجة موفقة في مسكن به قدر مقبول من ضرورات الحياة..حقا كم أنتم رائعون أيها الزملاء ..فخور أنا جدا بسعادتي لنجاح زملائي ..؛ كما يطيب لي أن أهنئ في ختام هذه الأسطر المتواضعة الزملاء محمد سليمان وعماد فواز وفايزة هنداوي ومحمد الحنفي وخالد الشامي وشيماء وآمنة وياسمين وعلياء وعلا وخالد سيد أحمد وأخي محمد رضا بالطبع وغيرهم ممن لم يحضرني ذكرهم ..ألف ألف مبروك ..من كل قلبي ..مبروك ..وفي النهاية اسمحوا لي أن أذكركم جميعا بما قرأته من قبل لأحد الشعراء مخاطبا كل أرباب القلم بالقول : فلا تكتب بكفك غير شئ ٍ ..يسرك في القيامة أن تراه..واصلوا التصويب نحو مرمي الحياة ..واصلوا السير بل والجري نحو الأهداف ..لاتعبأوا بالعوائق اهزأوا بها لتفاهتها وسخفها ..كما لاتنسوا أن مفتاح النجاح الدائم في الدنيا والآخرة هو طاعة الله وبر الوالدين .

الأحد، 20 ديسمبر 2009

المقال الأسبوعي ..(1)

بعد فترة أحسبها طالت من عدم ممارسة الكتابة تعبيرا عن رأيي ورؤيتي بعيدا عن تقارير صحفية
أو تليفزيونية أقوم بكتابتها امتثالا لواقع مهنتي الصحفية ، قررت اليوم العودة لما كنت عليه أيام الجامعة من كتابة دورية لمقال أعبر فيه عن ذاتي وأنقل خلاله رؤيتي لواقع أحياه أؤثر فيه وأتأثر به ، وإن كان لدي قاريئ شك في تأثيري فيه فليوفر علي نفسه عناء مواصلة هذه الكلمات !


ليس تدللا مني علي القاريء أن أكتب بهذه الطريقة ، كما أنه ليس صلفا أو غرورا أو نرجسية يظنها البعض مستحقة لأرباب القلم أدباء كانوا أو كتابا أو مرتزقة يكتبون بالأمر المباشر حينا وبغير المباشر أحيانا .

قراري بهذه العودة هو قرار لإعادة التأكيد علي وجودي ..علي آدميتي ..علي إنسانيتي ..علي وطنيتي ..وعلي كينونة يقلل بعض أصفار القوم منها وهم الذين بلغوا من العمر أرذله وهم يفتشون عن كينونتهم فلايجدونها إلا عابسة ضجرة كارهة للحياة والبهجة ولكل براعم الزهر الطامح لشغل مكانه المقدر له في هذه الحياة .

سم ماتقرأه الآن ماشئت ..من حقك أن تعتبره هراءا شرط أن تحتفظ لي بحق كتابته ..ولك أن تراه كلاما فارغا شرط أن تحاول كتابة ماتراه أفضل منه ؛ أما أن تحتفظ لنفسك فقط برفاهية الحكم دون عناء العمل ..وبصلاحيات القاضي دون عناء التقصي ..فأنت أحد اثنين ؛ إما جاهل لايدري أنه جاهل ، وإما عاجز يسوؤه أن يعمل الناس كما يسره أن يجد قائمة العاجزين تطول!

سعادتي الآن لاحدود لها بعد كتابة هذه الكلمات ..تلك هي غايتي مما كتبت ..أن أكون سعيدا ..أن أستمتع ..أن أثبت لنفسي قدرتي علي التعبير عنها وقتما أرادت بوضوح شمس استوائية ..ليس مهما أن يتفق معك أحد فيما تكتب ..المهم أن تكون متسقا مع ذاتك ..محتفظا لنفسك بحقها في الوجود ..محترما حق غيرك في الاختلاف معك شرط ألا يتحول هذا الاختلاف إلي كيد رخيص تخسر به نفسك ولاتجد لقامتك وجودا في مرآة الرجال !

الجمعة، 18 ديسمبر 2009

وتلك الأمثال ..بقلم سناء البيسي ..نقلا عن الاهرام



عندما تأنس لي حفيدتي في ساعة صفا‏,‏ وتطلعني علي أسرارها‏,‏ تأتيني بدفاترها الوردية اللامعة لأجد فيها غريمتي وقد تفردت بلقطاتها المرحة علي جميع الصفحات‏,‏ والتي منها باقة من الطوابع الخاصة ما أن ينزع عنها غلافها الخلفي إلا وتغدو صالحة للصقها أيضا علي واجهة الحقيبة المدرسية‏,‏ ومقلمة الألوان‏,‏ ومرآة دولاب الفساتين‏..‏ مايلي سيرس أو هانا مونتانا بطلة حلقات وأفلام وسيديهات والت ديزني التي تغني فيها وترقص وتعزف الجيتار منذ أن كانت في الثانية والآن قد بلغت السادسة عشرة‏..‏ مايلي محل نظر واهتمام وانشغال واقتناء حفيدتي التي يدفعني غيظي من مايليها للبحث عن وسيلة للحد من طغيانها لكن قلبي لا يطاوعني علي بتر تيار محبة حبيبتي لأي مخلوق يسعدها التواصل معه‏,‏ وأطمئن النفس بأن حفيدتي حتما راجعة لحظيرتي ــ حيوانية للغاية تلك اللفظة ــ وأن مايلي ليست سوي تقليعة مراهقة إلي زوال مثلما كانت الأوتوجرافات الملونة شغلنا الشاغل في تلك السن‏,‏ نتباري علي صفحاتها في جمع الكلمات والتوقيعات‏,‏ ويبقي نهارنا فل لو وافقت المس بتاعة الفرنساوي بالذات علي أن تكتب لنا فيها كلمة بالفرنساوي‏,‏ويبقي نلنا المني وحاجة ماحصلتشي لو تفضلت صاحبة السمو حضرة الناظرة ووقعت في الأوتوجراف باسمها المبجل‏..‏ ومثلما تزن الموبايلات الآن برسائلها وأدعيتها السماوية في الأعياد والمناسبات الموزعة بكل محتواها علي أجهزة الجميع بحكم التكنولوجيا لنقوم بتخزين بعضها لطرافته أو لإعادة تصديره باسمنا‏,‏ فقد كنا علي أيامها نحتفظ بالأوتوجراف بعبله بلا فرصة للمسح‏,‏ ولم تزل في الأدراج كلمات مراهقاتنا المأثورة‏:‏ أتمني لك عريس ابن حلال وعربية باكار وفيللا بدون إيجار‏,‏ وإذا جلست وقت المغيب وتذكرت البعيد والقريب أرجو أن يكون لي من الذكري نصيب‏,‏
واللي يكتب لك قبل مني كان يحبك أكثر مني‏,‏ وأكتب لك علي الورقة البمبية يا ذات العيون العسلية‏,‏ وبيني وبينك بحر طويل خايفة أعدي لحسن أميل‏..‏ الخ‏..‏ وكانت الوالدة رحمها الله ما أن تلحظ بزوغ أوتوجراف العام الجديد إلا وتحتل لنا واجهته بحكمتها المعهودة محاولة بها زرع مقوماتها الأخلاقية في أنفسنا نحن بناتها الثلاث اللاتي لم يحظ رحمها لهن بالشقيق الذكر ليذود عن عرينهن ويراقب حركاتهن ويكبح جماحهن ويطبق علي أنفاسهن ويسخف نجومهن ويطفش معجبيهن ويحجم طموحهن ويسور طريقهن ويوصلهن معتدل مارش لبيت العدل بمشية العسكري علي الصراط المستقيم‏..‏ حكمتها تكتبها وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا التي استقتها من قراءتها لرواية الفضيلة لأديبها المفضل المنفلوطي والتي ترجمها عن رواية بول وفرجيني‏,‏ وفيها فضلت البطلة ــ البلهاء ــ فرجيني الموت غرقا وسط خضم الأمواج علي أن يحتضنها بول ليخرجها من الغويط‏,‏ فالاحتضان في حد ذاته إثم بغيض حتي ولو سلمت نية الجدع ولم يشبها شائبة زوغان عين‏,‏ فالموقف غير مناسب والمبتغي البرئ النقي الطاهر هو إنقاذ البنية من هول المصير‏..‏أمي رحمها الله كانت تخط حكمتها وبعدها تغلق قلمهاوعينيها وتنام وفي بطنها بطيخة صيفي مرتاحة الضمير‏,‏ فقد أدت بأدائها ما عليها من التبصير والتحذير والتنوير‏,‏ بينما أظل أنا صاحية لا أستسيغ ذلك المد المشوه في لفظة هموا ــ التي أشعر بأن الوالدة تعنينا بها ــ ولا ذلك الفراغ السرمدي الذي ذهبت إليه تلك الهموا‏,‏ وما دخل الأخلاق هنا بالأمم المتحدة أو بعصبة الأمم وقتها‏.‏و‏..‏ بالأمس كنت سهرانة أمام الشاشة في آخر محطات الريموت بعيدا عن دوائر الاستنفار وعدم إمكان النوم علي طول محطات القلق والنكد والهم والغم والإحباط واليأس والحائط السد والسحابة السوداء والموت الزؤام والتكفير والهجرة ونقص المناعة ونقص الدواء ونقص الخبرات ونقص الأدب‏,‏ وحوارات صراخ تجريم الفساد والتعليم والخنازير والمواصلات والجزائر والبرادعي والسلب والنهب وسائقي القطارات ورعونة المعديات ولجنة السياسات وضريبة العقارات وقانون الطوارئ ورجال الأعمال ومجلسي الشعب والشوري‏..‏ الخ‏..‏ محطة نائية أدخل فيها برأسي لأنسي عيشتي وأتوحد مع ناس عايشين طبعهم هادئ وكلامهم بشويش‏,‏ الواحد منهم يتكلم يسمع له التاني‏,‏ والتاني يعلق يسمع له الأولاني بحكم أدب الإنصات‏..‏ ناس ذوق ذوق ذوق‏..‏ ألتقي معهم بحوار له معني‏,‏ وضحك له مغزي‏,‏ وفكر له دلالاته‏,‏ وفلسفة بدون سفسطة‏,‏ وسياسة بسياسة‏,‏ وجدية بدون تهريج‏,‏ وحرية بدون ترهيب‏,‏ وفن علي مستوي لا يعتبرنا ــ لا مؤاخذة ــ حائطا يقضي فوقه حاجته‏..‏ بطل الفيلم يلعب دور رئيس سابق للولايات المتحدة‏,‏ والبطلة متدربة جامعية سوداء لها مقدرة الحديث مع الحيوانات‏,‏ تم استدعاؤها في مهمة تهذيب وتدريب أخلاق كلبة الرئيس المدللة‏,‏ وعندما تفشل جميع مجهوداتها مع الكلبة تجمع ــ دامعة ــ حقيبتها للمغادرة كاسفة البال‏,‏ فيطرق الرئيس بابها ليعيد علي مسامعها نصيحة مدربه الرياضي في لعبة الهوكي التي اتخذها شعارا لمسيرته مما أوصله باعتناقها للمقعد الرئاسي‏,‏ والنصيحة كانت تابع التسديد بمعني عدم اليأس‏,‏ وأن الفشل جزء حتي في حياة الناجحين‏,‏ وأن أينشتاين رسب في امتحان الالتحاق بالجامعة‏,‏ وبيكاسو ظل مرفوضا حتي بلغ مرحلة التكعيب‏..‏ وتمثلت بالمثل عندنا تابع التسديد فوجدت عبدالحليم قد رموه بالطماطم عندما غني لأول مرة‏,‏ والريحاني حبسوه طويلا في أدوار الدراما‏,‏ ومحفوظ من قبل نوبل كان موظف حكومة وكتب عشرات الحوارات والسيناريوهات‏,‏ والحكيم صال وجال وكيل نيابة في الأرياف‏,‏ وأم كلثوم مقرئة بالعقال في الكفور والنجوع‏,‏ وعبدالفتاح القصري مدرس فرنساوي‏,‏ وعبدالعزيز محمود بمبوطي من بورسعيد‏,‏ والعقاد عمل مدرسا و‏..‏فضل شعبان عبدالرحيم مكوجي لغاية ما قال إيـيـيـيـيـيـــه‏!!‏وبحكم تربيتي في مهب الأمثال الراجحة والشارحة والجارحة والقارحة‏,‏ وكل كلمة بمثل‏,‏ وكل من له مثل يرد عليه بالمثل‏..‏ بحكم غرامي بالأمثال أنهل ولا أرتوي من رحيق أمثال العرب بالذات‏:‏ إن في البيان لسحرا‏..‏ إن لم يكن وفاق ففراق‏..‏ إذا أتاك أحد الخصمين وقد فقئت عينه فلا تقضي له حتي يأتيك خصمه فلعله فقئت عيناه‏..‏ أجع كلبك يتبعك‏..‏ الخيل اعرف بفرسانها‏..‏ استراح من لا عقل له‏..‏ رب أخ لك لم تلده أمك‏..‏ ربما كان السكوت جوابا‏..‏ ركوب الخنافس ولا المشي علي الطنافس‏..‏ سحابة صيف عما قليل تقشع‏..‏ ظاهر العتاب خير من باطن الحقد‏..‏ العتاب قبل العقاب‏..‏ أقلل طعامك يحمد منامك‏..‏ كل فتاة بأبيها معجبة‏..‏ كل امرئ في بيته صبي‏..‏ لكل قادم دهشة‏..‏ لا يضر السحاب نباح الكلاب‏..‏ مقتل الرجل بين فكيه‏..‏ الناس أتباع من غلب‏..‏ تجارة الأحمق علي أهل بيته‏..‏ تبات نار تصبح رماد‏..‏ رأسين في عمامة ما يكون‏..‏ زوج القصيرة يحسبها صغيرة‏..‏ صبري علي الحبيب ولا فقده‏..‏ غابت السباع ولعبت الضباع‏..‏ كل من عودته بأكلك كلما نظرك جاع‏..‏ كل كرها واشرب كرها ولا تعاشر كرها‏..‏ نيتك مطيتك‏..‏ لا عاش العار ولا بني له دار‏..‏كل ألف مصة ماييجو بغصة‏..‏ يا ليتنا انكسرنا ولا بك انتصرنا‏..‏ من سكت عن جاهل فقد أوسعه جوابا‏,‏ وأوجعه عتابا‏..‏ من أسرع في الجواب أخطأ في الصواب‏..‏ من قصر عن السياسة صغر عن الرياسة‏..‏ من أعظم الذنوب تحسين العيوب‏..‏ من ضاق خلقه مله أهله‏..‏ النظر في العواقب نجاة‏..‏ إذا جهلت فاسأل‏..‏ من نام عن عدوه أيقظته المكائد‏..‏ فليقل خيرا أو ليصمت‏..‏ لكل داء دواء يستطب به‏,‏ إلا الحماقة أعيت من يداويها‏..‏ لا يصح إلا الصحيح‏..‏ لو تفتح عمل الشيطان‏..‏ إن كنت تدري فتلك مصيبة‏,‏ وإن كنت لا تدري فالمصيبة أعظم‏..‏ لا حس ولا خبر‏..‏ الحساب يجمع‏..‏ هيهات تضرب في حديد بارد‏..‏ الزائد أخو الناقص‏..‏ بصلة المحب خروف‏..‏ يتمنعن وهن الراغبات‏..‏ الأذن تعشق قبل العين أحيانا‏..‏ إن هذا الشبل من ذاك الأسد‏..‏ من شابه أباه فما ظلم‏..‏ هن رحمة لنا‏..‏ من قال لا أعرف فقد أفتي‏..‏ علي وعلي أعدائي‏..‏ أنا ومن بعدي الطوفان‏..‏ يمهل ولا يهمل‏..‏ الطمع يقل ما جمع‏..‏ الناس موتي‏,‏ وأهل العلم أحياء‏,‏ سهري لتنقيح العلوم‏,‏ ألذ لي من وصل غانية‏,‏ وطيب عناق‏..‏ تراه ما جئته متهللا كأنك تعطيه الذي أنت سائله‏..‏جديد ثوبك لا يضرك بعد أن خشي الإله‏,‏ وتتقي ما يحرم‏.‏ راحت رجال الهيبة وبقيت رجال الخيبة‏.‏ومن التوراة‏:‏ من قنع شبع‏,‏ ومن الإنجيل‏:‏ من اعتزل نجا‏,‏ ومن الزبور‏:‏ من سكت سلم‏,‏ ومن القرآن‏:‏ ومن يعتصم بالله فقد هدي إلي صراط مستقيم‏..‏ لا تقتل حية وتترك ذيلها‏..‏ المصائب لا تأتي فرادي‏..‏ ما أشبه الليلة بالبارحة‏..‏ الغضب ريح تهب تطفئ سراج العقل‏..‏ حسبك من الشر سماعه‏..‏ تري الفتيان كالنخل‏,‏ وما يدريك ما الدخل‏..‏ فلا تمنحن الرأي من ليس أهله‏,‏ فلا أنت محمود ولا الرأي نافعه‏..‏ حاجة لا تهمك أوصي عليها زوج أمك‏..‏ ذكروا المدن فجاءت القري تحجل‏..‏ ثقيل واسمه صخر بن جبل‏..‏ اقعد يا حمار حتي ينبت لك البرسيم‏..‏ لو أن خفة عقله في رجله سبق الغزال ولم يفته الأرنب‏..‏ رب ملوم لا ذنب له‏..‏ كنت سندان فصرت مطرقة‏..‏ الحر حر ولو مسه الضر‏..‏ تزاوروا ولا تجاوروا‏..‏ زكاة البدن العلل‏..‏ سواء قوله وبوله‏..‏ شهر ليس لك فيه رزق لا تعد أيامه‏..‏ غني المرء في الغربة وطن‏..‏ فم يسبح وقلب يذبح‏..‏ كل قليلا تعش كثيرا‏..‏ كلامه ريح في قفص‏..‏ لكل جديد لذة‏..‏ إذا جاء موسي وألقي العصا فقد بطل السحر والساحر‏..‏ الخير لا يأتيك متصلا‏,‏ والشر يسبق سيله مطره‏..‏ إذاما أتيت الأمر من غير بابه ضللت‏,‏ وإن تقصد إلي الباب تهتد‏..‏ رب يوم بكيت منه فلما صرت في غيره بكيت عليه‏..‏ سوء حظي أنالني منك هجرا‏,‏ فعلي الحظ لاعليك العتاب‏..‏ فما أكثر الأصحاب حين تعدهم‏,‏ ولكنهم في النائبات قليل‏..‏ قد يجمع المال غير آكله‏,‏ ويأكل المال غير من جمعه‏..‏ لعمري ما ضاقت بلاد بأهلها‏,‏ ولكن أخلاق الرجال تضيق‏..‏ من كان فوق محل الشمس رتبته‏,‏ فليس يرفعه شيء ولا يضع‏..‏ هب الدنيا تقاد إليك عفوا‏,‏ أليس مصير ذاك إلي زوال‏..‏ ومن عاش في الدنيا فلابد أن يري من العيش ما يصفو وما يتكدر‏..‏ وإذا أتتك مذمتي من ناقص‏,‏ فهي الشهادة لي بأني كامل‏..‏ لا تنهي عن خلق وتأتي مثله‏,‏ عار عليك إذا فعلت عظيم‏..‏ لا يسكن المرء في أرض يهان بها‏,‏ إلا من العجز ومن قلة الحيل‏..‏ يريك الرضا والغل حشو جفونه‏,‏ وقد تنطق العينان والفم ساكت‏..‏ يفارقني من لا أطيق فراقه‏,‏ ويصحبني في الناس من لا أريده‏..‏ يريك البشاشة عند اللقاء‏,‏ ويبريك في السر بري القلم‏..‏ والشاة المذبوحة لا يؤلمها السلخ‏..‏ الناس أعداء ما جهلوا‏..‏ من لم ينجه الصبر‏,‏ أهلكه الجزع‏..‏ ما اختلفت دعوتان إلا كانت إحداهما ضلالة‏..‏هلك امرؤ لم يعرفقدره‏..‏ إذا كنت في إدبار والموت في إقبال‏,‏ فما أسرع الملتقي‏ ..‏ أفضل الزهد إخفاء الزهد‏..‏ وإذا لم تكن لي والزمان شرم برم‏,‏ فلا خير فيك والزمان ترللي‏.‏وتتسع دوائر الأمثال لتستوعب ببلاغتها وفصاحتها كل ما يجري فينا وعلينا‏,‏ وقد جاء في كتاب الله الكثير منها‏,‏ ولم يخل منها كلام رسول الله صلي الله عليه وسلم وهو أفصح العرب جميعا‏,‏ ولأن سمة المصري العميقة هي التدين فالقرآن والسنة قد تغلغلا في وجدانه لينطق لسانه بأمثال تبدو من شدة ذيوعها وكأنها حديث العامة بالعامية إلا أن منطوقها آيات قرآنية وأحاديث نبوية متداولة لا يخلو الكلام منها كمداخل للإقناع ملخصة الحكمة كلها في عبارة قرآنية صارت مثلا من كثرة التداول‏,‏ أو سنة نبوية لخصها الحديث الشريف في عبارة موجزة أقرب إلي الحكمة المصفاة‏..‏ وقد أكد القرآن الكريم علي أهمية الأمثال كترشيد للسلوك الإنساني‏,‏ وبراهين وأدلة بما يقنع العقل وذلك في قوله تعالي في سورة الحشر‏:‏ وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون‏..‏ وقوله تعالي في سورة يس‏:‏ وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم‏..‏ وفي سورة العنكبوت‏:‏ وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون‏,‏ وفي سورة الحج‏:‏ يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطا لب والمطلوب‏,‏ ومن سورة الرعد‏:‏ فأما الزبد فيذهب جفاء‏,‏ وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال‏,‏ وفي سورة إبراهيم‏:‏ ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء‏..‏ وفي سورة إبراهيم أيضا قال‏:‏ ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون وضربنا لكم الأمثال‏.‏وفي سورة النحل‏:‏ فلا تضربوا لله الأمثال إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون‏,‏ وضرب الله مثلا عبدا مملوكا‏,‏ ووضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا‏..‏ وفي سورة الإسراء‏:‏ انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا‏.‏ومن الأمثال في كتاب الله تعالي‏:‏ لن تنالوا البر حتي تنفقوا مماتحبون‏,‏ وكل نفس بما كسبت رهينة‏,‏ وما علي الرسول إلا البلاغ‏,‏ وكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله‏,‏ وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان ولا يستوي الخبيث والطيب‏,‏ ويا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم‏,‏ فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر‏,‏ فبئس القرين‏,‏ كل يوم هو في شأن‏,‏ ووما ربك بغافل عما تعملون‏,‏ واهجرهم هجرا جميلا‏,‏ من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها‏,‏ إنه لقسم لو تعلمون عظيم‏,‏ كل من عليها فان‏,‏ كل نفس ذائقة الموت‏,‏ لا تزر وزارة وزر أخري‏,‏ لكم دينكم ولي دين‏,‏ وإنما يتذكر أولوا الألباب‏,‏ لا إكراه في الدين‏,‏ وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها‏,‏ كل يعمل علي شاكلته‏,‏ ظهر الفساد في البر والبحر‏.....‏ ومن الأمثال المتداولة بين الناس المأخوذة عن القرآن والتي أعادت العامة المؤمنة الذكية تلخيصها واختيار خلاصتها محتفظة بالمنطوق القرآني وبنفس صياغته‏,‏أو مقتبسة معناه فقط فيقال الله أعلم عوضا عن النص‏:‏ وهو بكل خلق عليم‏,‏ وتقول أنت تريد وأنا أريد والله يفعل ما يريد عوضا عن النص في سورة البقرة ولكن الله يفعل ما يريد‏,‏ وعوضا عن قول قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذي جاءت العامة بقولها‏:‏ الله الغني‏,‏ وعوضا عن النص الكامل فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير تكتفي العامة بالجزء الأخير الصلح خير‏,‏ وتكتفي بالقول العين بالعين والسن بالسن بدلا من‏..‏ أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن من سورة المائدة‏,‏ وفي النص لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي تكتفي العامة بالجزء الأول لا إكراه في الدين‏,‏ وبدلا من ليس علي الضعفاء ولا علي المريض ولا علي الذين لا يجدون ما ينفقون حرج من سورة التوبة‏,‏ فالمتداول ليس علي المريض حرج‏,‏ وبدلا من فأولئك كان سعيهم مشكورا من سورة الإسراء يقال في مناسبات العزاء سعيكم مشكور‏..‏ وتحتفظ العامة بآيات التسامح والصبر كما هي لتردد عفا الله عما سلف‏,‏ وإن جنحوا للسلم فاجنح لها‏,‏ إن الله مع الصابرين‏,‏ إن الله معنا‏,‏ قل لنا يصيبنا إلا ما كتب الله لنا‏,‏ وقوله تعالي‏:‏ إن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو‏,‏ وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب‏,‏ ولكن الله سلم‏,‏ والله مع الصابرين‏,‏ووعد الله حق‏,‏ وإن الله لا يخلف الميعاد واذكروني اذكركم‏,‏ ولا تخلو سطور كاتب من عبارة قرآنية تداخلت مع أجروميته بوعي أو بلا قصد منه مثل أدلي بدلوه‏,‏ أو حاشا لله أو زهق الباطل أو أضغاث أحلام‏..‏ الخ‏..‏ وحتي كلماتنا الدارجة إذا ما أرجعناها لأصولها لوجدنا إيش دراك من وما يدريك‏,‏ رحلة الشتاء والصيف التي نختصرها بلا عمد لنقول صيف شتا‏,‏ وأنت في أعيننا إلي في عنيا‏,‏ ولفظة يدوبك من وما كادوا يفعلون‏..‏ الخ‏,‏ وإذا ما كان الرسول صلي الله عليه وسلم‏,‏ كما قالت عنه السيدة عائشة رضي الله عنها كان قرآنا يمشي علي الأرض‏,‏ فإننا علي هديه نقول عندما نقتنع برأي صالح لصاحبه منزلة كبيرة كلامه قرآن‏.‏ومن أمثال الحديث النبوي‏:‏ من غشنا فليس منا‏..‏ الوحدة خير من جليس السوء‏..‏ استعينوا علي قضاء حوائجكم بالكتمان‏..‏ مثل البيت الذي يذكر الله فيه‏,‏ والبيت الذي لا يذكر الله فيه مثل الحي والميت‏..‏ وارحموا ترحموا‏..‏ إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوي‏..‏ آفة العلم النسيان‏..‏ من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه‏..‏ أنزلوا الناس منازلهم‏..‏ إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه‏..‏ اليد العليا خير من اليد السفلي‏..‏ من مات غريبا مات شهيدا‏..‏ الجار قبل الدار والرفيق قبل الطريق‏..‏ تخيروا لنطفكم‏..‏ الندم توبة‏..‏ لا يكون المؤمن طعانا ولا لعانا‏..‏ دع ما يريبك إلي ما لا يريبك‏..‏ انصر أخاك ظالما أو مظلوما‏..‏ كاد الفقر أن يكون كفرا‏..‏ الأعمال بخواتيمها‏..‏ استفت قلبك‏..‏ ولله في خلقه شئون‏..‏ من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت‏..‏ لا ضرر ولا ضرار‏..‏ البينة علي المدعي واليمين علي من أنكر‏..‏ اللهم اجعله خير‏..‏ الحرب خدعة‏..‏ ألا هل بلغت‏,‏اللهم فاشهد‏..‏ كلكم لآدم وآدم من تراب‏..‏ اعط الأجير أجره قبل أن يجف عرقه‏..‏ من عرف لغة قوم آمن شرهم‏..‏ الكمال لله وحده‏..‏ اعقلها وتوكل‏..‏ الدين المعاملة‏ ..‏ الدين النصيحة‏..‏ الكلمة الطيبة صدقة‏..‏ يسروا ولا تعسروا‏..‏ أفلح إن صدق‏..‏ لا تغضب‏..‏ نهيت وأمتي عن التكلف‏..‏ تصافحوا يذهب الغل‏..‏ ما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا‏..‏ أفشوا السلام‏..‏ يتوب الله علي من تاب‏..‏ حصنوا أموالكم بالزكاة‏..‏ لا يبع أحدكم علي بيع أخيه‏..‏ رحم الله رجلا سمحا إذا باع وإذا اشتري وإذا اقتضي‏..‏ ويل للتاجر من بلي والله ولا والله‏..‏ ويل للصانع من غد وبعد غد‏..‏ إن الله يسأل عن صحبة ساعة‏..‏ ابدأ بنفسك‏..‏ إنما العلم بالتعلم وإنما الفقه بالتفقه‏..‏ لا تبلغوني عن أصحابي شيئا فإني أحب أن أخرج إليكم منشرح الصدر‏..‏ إماطة الأذي عن الطريق صدقة‏..‏ سيد القوم خادمهم‏..‏ ولله في خلقه شئون‏..‏ آفة العلم النسيان‏..‏ الله جميل يحب الجمال‏..‏ الكمال لله وحده‏..‏ تهادوا تحابوا‏..‏ إن لم تستح فاصنع ما شئت‏.‏وهكذا كان القرآن والسنة فيضا لا ينضب للأمثال التي تهدينا سواء السبيل‏..‏ وهكذا كانت هناك مصفاة تقدم خلاصة المعارف من القول المأثور والحكم والأمثال‏,‏ وكان الأهل بمثابة حفظة التراث الناقلين للأبناء من جواهره ما خف وزنه وغلا ثمنه‏,‏ وكانت رموز المعارف علي مستوي طه والعقاد وأحمد أمين وشلتوت‏,‏ وكان الباحث يعكف سنين علي المصادر والمراجع ليأتي بجديد‏..‏ الآن في نزهة ثوان للفأر‏Mouse‏ فوق الشاشة تنسكب المعلومات أنهارا بحسناتها وسيئاتها وأخلاقياتها وإباحياتها‏,‏ بلا مصفاة ولا ضابط‏..‏ الآن لم يعد يربي عيالنا سوي التليفزيون بإبهاره وألوانه وأبطال خياله‏,‏ بعدما انشغلت الأم في عملها والمدارس بأرتال عيالها‏,‏ وتفرق المثل الأعلي بين قبائل البرامج ليغدو قادة الفكر والثقافة والعلوم الذين يشكلون العقل المصري ووجدانه هم السادة الأفاضل المذيعون ومقدمو برامج التهييج والإثارة من ازدادوا عدة وعددا ــ قناة لكل مواطن ــ وصلفا وتأثيرا وبأسا ولغوا وعتوا‏,‏ولم تعد الحكمة مصفاة وإنما هلفطة تكون رأيا عاما قد يحمل في طياته جهلا عاما يشوه الوعي العام‏,‏ وأصبح من هؤلاء قوم يديرون الأزمات عن جهالة أو نكاية ليخرجونا منها وقد تأزم موقفنا ا لدبلوماسي والسياسي‏,‏ وحتي المثقفون القلة قد انساقوا لمثل هؤلاء إزاء التكالب علي ثقافاتهم ــ المتسربة ــ وفقههم ــ المطوع ــ بالصوت والضوء والشهرة والمعلوم‏,‏ وبعدما كان القول المأثور‏:‏ قف للمعلم وفه التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولا‏..‏ قام تلاميذ مدرسة ثانوية تجارة أبوتشت في قنا هذا الأسبوع علي حيلهم ليس احتراما وتبجيلا لمعلمهم‏,‏ وإنما قاموا ليضربوه ويكسروا له مناخيره لأنه منعهم من استخدام الموبايل في الفصل أثناء الحصة‏..‏ و‏..‏ إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا‏..‏ ولم يعد هناك سوي أمثال‏:‏ خليك‏On‏ وماتبقاش‏Off‏ وصباح الخير بالليل‏..‏ و‏..‏ إيه النظام؟‏!!‏

السبت، 21 نوفمبر 2009

مبدأ ترومان ...د.أحمد المنزلاوي

تولي عصمت إينونو رئاسة الجمهورية التركية بعد وفاة مصطفي كمال "أتاتورك" سنة 1938. وفي العام التالي نشبت الحرب العالمية الثانية "39 - 1945". ولم تشارك تركيا فيها. وفي نفس العام انضمت إلي الأمم المتحدة. وهي المنظمة الدولية التي قامت في أعقاب الحرب كبديل لعصبة الأمم التي نشأت بعد الحرب العالمية الأولي. حاول الاتحاد السوفيتي مد سيطرته إلي منطقة المضايق التي تربط البحرين الأسود والمتوسط فاستعانت تركيا بالغرب لمواجهة الضغوط السوفيتية. في سنة 1945 أعلن الرئيس الأمريكي الاسبق هاري ترومان "مبدأ تورمان" الذي يقضي بمساعدة الدول المهددة من الخطر الشيوعي. وبمقتضاه قدمت الولايات المتحدة إلي تركيا مساعدات عسكرية واقتصادية وسياسية. تقدم النفوذ الغربي في تركيا. وظهرت قواعد أمريكية علي أراضيها. فاز الحزب الديمقراطي في الانتخابات التشريعية سنة 1950 علي حزب الشعب الجمهوري "حزب أتاتورك". وتولي جلال بايار رئاسة الدولة. وعدنان مندوريس رئاسة الحكومة. وفي عهدهما تم تشجيع الاستثمارات الأجنبية وتخفيف سيطرة الدولة علي الشأن الاقتصادي. تراجعت شعبية الديمقراطيين نهاية الخمسينيات من القرن العشرين بسبب غياب الحريات. في سنة 1960 استولي الجيش برئاسة اللواء جمال كورسل علي الحكم. وتم تشكيل حكومة مؤقتة. ومحاكمة القيادات السابقة بتهمة مخالفة التعاليم الأتاتوركية. وعلي متدريس بالاعدام شنقا. وبايار بالسجن مدي الحياة. وان أطلق سراحه فيما بعد. في سنة 1961 جري العمل بدستور جديد. وجرت الانتخابات النيابية ولم يحصل أي من الأحزاب علي الأغلبية المطلوبة لتشكيل الحكومة وتولي كورسل الرئاسة وعصمت اينونو رئاسة الحكومة. في سنة 1965 أحرز حزب العدالة أغلبية في الانتخابات. وأصبح سليمان ديميريل رئيسا للحكومة. واحتفظ كورسل بالرئاسة في سنة .1966 عانت تركيا في هذه الفترة من عدم الاستقرار وازدادت حدتها خلال السبعينيات بسبب الصراع بين القوي العلمانية والدينية. في سنة 1971 استقال ديميريل تحت ضغط المؤسسة العسكرية. لكنه عاد رئيسا للحكومة سنة .1975 وفي السنوات التالية تبادل عصمت اينونو وبولند أجاويد رئاسة الحكومة. في سنة 1982 جري العمل بدستور جديد. وتولي الجنرال كنعان ايفرين رئاسة الجمهورية. وفي سنة 1983 عاد الحكم المدني بعد انتخابات برلمانية. وأصبح تورجوت أوزال رئيسا للبلاد "يمين الوسط". في سنة 1987 فاز حزب أوزال في الانتخابات للمرة الثانية. وفي سنة 1989 عاد تورجوت رئيسا للجمهورية وتولي بالدرميم اقبطوط رئاسة الجمهورية

السبت، 31 أكتوبر 2009

ظننا أن ماء الغيب ملح ..بقلم ماجدة أباظة

مازلنا في رحلة كليم الله الباطنية مع الخضر. فحينما انطلقا، فلقيا غلاماً، فقتله. وهنا لنا وقفة. هل قتله الخضر جسدا وروحا، أم قتل النفس الأمارة بالسوء التي خشي علي أبويه المؤمنين أن يرهقهما طغيانه وكفره؟ فأراد أن يبدلهما ربهما خيراً منه زكاة في نفس ليست أمارة بالسوء. وهنا توقف سيدنا موسي وقال له «أقتلت نفساً زكية بغير نفس لقد جئت شيئاً نكرا». لقد رأي سيدنا موسي هذا الغلام نفساً زكية، كناحية ظاهرية ولم ينظر إليه كظاهرة باطنية كما نظر سيدنا الخضر إليه. فقال له الخضر «ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا». فرد سيدنا موسي وأخذ علي نفسه عهدا، فقال «إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا». وهنا شرط علي نفسه كليم الله، ألا يعترض بعد ذلك.
«فانطلقا حتي إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما. فوجدا فيها جدارًا يريد أن ينقض، فأقامه، قال لو شئت لاتخذت عليه أجرا». وهنا توقف سيدنا الخضر بناء علي العهد الذي قطعه سيدنا موسي علي نفسه. فـ«قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تسطع عليه صبرا». فلن نقول كيف أقام الجدار ومن أين أتي بالعدة التي أقام بها الجدار. ولكن نرجع إلي عين بصيرة سيدنا الخضر وعلمه اللادني الذي هو بين الكاف والنون. فبه يستطيع أن يري كل الأشياء، كما رأي الملك الظالم وكما رأي النفس الأمارة بالسوء للغلام وكما رأي الكنز الذي تحت الجدار. من أجل أبوهما الصالح، «فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك» وهنا لنا وقفة، هل الأب ينفع أولاده ؟ نقول بنص القرآن نعم. وهل الأم الصالحة تنفع أبناءها؟! نقول نعم بنص حديث المصطفي صلي الله عليه وسلم حينما قال «للمرأة التي قالت له عندي ثلاث فتيات، قال لها: إذا أحسنتي تربيتهن دخلتي الجنة بشفاعتهن» وهنا الحلقة المفقودة لمن أراد البحث. كما تدين تدان. ما فعلته بأبنائك سيفعلونه بأبنائهم فإذا طغا عليك أبواك وحرماك فلا تحرم أبناءك، فيمكنك وقف النزيف وبيدك تغيير المسار. ونكمل الأربعة التي لا خامس لهما، فهي الزبور والتوراة والإنجيل والقرآن. فللكون أيضاً أربعة اتجاهات شمال وجنوب وشرق وغرب. وحينما خلق آدم،خلق من أربعة عناصر، تراب ومياه وهواء ونار. وحينما ننظر إلي الملائكة المقربين نجدهم جبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل. وحينما ننظر إلي الخلفاء نجدهم أربعة وحينما ننظر إلي أئمة التشريع نجدهم أربعة. فحينما خلق الجسد من أربعة، تغذي علي نفس الأربعة ولا شيء خرج منها. فعمر الإنسان أربعة، طفولة وصبا وشباب وكهولة. فصول السنة أربعة. فعالم الأربعة عالم كبير ولكن علي رأسهم حروف اسم الله وحروف اسم سيد ولد آدم.
أما الخمسة التي لا سادس لها، فهي أركان الإسلام وأقوي شيء في الأركان أوله وهي الشهادة «أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله» وهنا التوحيد، فلابد من تكملة الشهادة.وتأتي بعدها إقامة الصلاة، والصلاة هنا تعني الصلة بين العبد وربه بصدق وتركيز وخشوع. وليست باعتبارها واجباً. ثم يأتي الركن الأضعف وهو إيتاء الزكاة، فالزكاة تعمم علي الفقراء والأغنياء بنسبة من أموالهم. فإذا قالوا نسبة الزكاة وحددوها فلينفق كل من سعته. ونأتي إلي الركن الأضعف وهو صوم رمضان، وفيه رخص كثيرة ،ثم نأتي إلي الأضعف وهو حج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً. وهنا نعلم أن شهادة «أن لا إله إلا الله وأن سيدنا محمداً رسول الله» هي نقطة الارتكاز.
و الستة التي لا سابع لها هي خلق السماوات والأرض وليس الأراضين كما يشاع فهي الأرض التي نحن عليها فقط. مصداقاً لقوله «ولقد خلقنا السماوات والأرض في ستة أيام وما مسنا من لغوب» وهنا اعترض اليهود كعادتهم بقولهم : ان الله تعب في اليوم السابع فاستراح. فرد عليهم «وما مسنا من لغوب» أي من تعب.
أما السبعة التي لا ثامن لها فهي السبع سموات بقوله تعالي«وجعلنا فوقكم سبعاً طباقا فارجع البصر هل تري من فطور ثم ارجع البصر كرتين ينقلب اليك البصر خاسئا وهو حسير». وسوف يكون لنا وقفة في المقالة القادمة عند السبعة لأن الإنسان له سبع من الأنفس علي رأسها الأمارة بالسوء.
ظننا أن ماء الغيب ملح وجدنا الغيب طيب الطيبات.. سلاما يا أبا الزهراء أمانا طرقنا باب خير الشافعات.

في كل حين لنا في المصطفي أمل ..بقلم ماجدة أباظة

بصعوبة شديدة جدًا استطعت الحصول علي لقاء مع الشيخ الجليل، فسألته أن يحدثني عن المصطفي - صلي الله عليه وسلم - عن أشياء لا نعرفها كثيرًا عنه. فقال لي: إننا نسمع ولكن لا نعي ما نسمع. لأننا بعيدون كل البعد عن السيرة العطرة. فحينما سُئل المصطفي - صلي الله عليه وسلم - من أنت؟ قال:أنا سيد ولد آدم ولا فخر. فمن هو ولد آدم؟ هل هم الأنبياء الذين ذكروا في القرآن؟ والذين لم يذكروا برسالاتهم وبمن كفر بهم وبمن آمن بهم إلي يوم القيامة؟ نعم. فهذا شرف لهم أن يكون المصطفي - صلي الله عليه وسلم - سيدهم. فلولاه لما كنا. ولولانا لما كان. ولولانا ولولاه لما كان الذي كان. المصطفي المعصوم من؟! هو قدوة للاقتداء. فهو معلم البشرية الأول، فحينما ذهب سيدنا موسي إلي سيدنا الخضر، ذهب ليتعلم. وحينما ذهب أبو اليزيد البسطامي إلي البطريرك ذهب لكي نتعلم ونتعرف علي إمامنا المصطفي - صلي الله عليه وسلم-. فحينما رأي أبو اليزيد المصطفي - صلي الله عليه وسلم - في منامه قال له: اذهب إلي البطريرك وأنت تري من آيات ربك عجبًا. فلما ذهب وجلس بين الشعب، فتوقف البطريرك وقال بينكم محمدي، فقالوا: كيف عرفت؟ فقال: إن أصحاب محمد سيماهم علي وجوههم من أثر السجود. وهنا أريد التوضيح، سيماهم ليست العلامة التي علي جباه بعض الناس ولكن سيماهم بمعني نور الله علي وجوههم وبهائه. فأشار البطريرك إلي أبي اليزيد ليخرج من وسط الجموع. فقال: والله لأخرج حتي يحكم الله بيننا.
فقال البطريرك: إني سائلك أسئلة، إذا أجبت عنها، جلست بيننا وإن لم تجب فعليك الخروج. فقال أبو اليزيد: قال عز وجل «اتقوا الله ويعلمكم الله» وهنا لي وقفة، ففي بعض التفاسير يتحدثون عن النبي، أن الذي علمه هو جبريل، وأنا اختلف معهم اختلافًا كليًا وجزئيًا، لأنه قال: علمه شديد القوة وهنا شديد القوة رب العزة وليس جبريل. نحن حينما نتقي الله، يعلمنا الله. فهل نحن نساوي شيئًا أمام سيد الخلق ومدينة العلم. فالذي علمه هو الذي أدبه كما قال «أدبني ربي فأحسن تأديبي. ونرجع إلي أبي اليزيد حين طرح عليه البطريرك الأسئلة. فقال له: قل لي، من الواحد الذي لا ثاني له؟ ومن الاثنين اللذين لا ثالث لهما؟ ومن الثلاثة الذين لا رابع لهم؟ ومن الأربعة الذين لا خامس لهم؟ ومن الخمسة الذين لا سادس لهم؟ ومن الستة الذين لا سابع لهم؟ ومن السبعة الذين لا ثامن لهم؟ ومن الثمانية الذين لا تاسع لهم؟ ومن التسعة الذين لا عاشر لهم؟ وما العشرة القابلة للزيادة؟ ومن الأحد عشر؟ وما المعجزة المكونة من اثني عشر شيئًا؟ ومن الثلاثة عشر؟. وما الشيء الذي تنفس ولا روح فيه؟ وما القبر الذي سار بصاحبه؟ وما الشيء الذي خلقه الله وأنكره؟ وما الأرض التي طلعت عليها الشمس مرة واحدة؟ وما الشجرة المكونة من اثني عشر فرعًا، في كل فرع ثلاثون ورقة في كل ورقة خمس ثمرات، ثلاث منها في الظل واثنتان في الشمس؟ وهنا نعلم أن السائل يعرف الإجابة، ويعلم ما قدرة المجيب الذي سيجيبه. فإذا نظرنا إلي هذه الأسئلة لوجدنا إجاباتها في جميع الكتب السماوية. فحينما نجيب عن هذه الأسئلة سوف نري أن لهذا الكون إله عظيم علَّم نبيه ماذا صنعت الأنبياء التي أرسلت من قبله لكي يبلغوا رسالة الخالق العظيم رب السماوات والأرض وما بينهم. وفي المقالة القادمة سيتم الرد علي هذه الأسئلة.
في كل حين لنا في المصطفي أمل، حتي إذا حان الإسراء يسرينا، وكفه من عطاء الله يمنحنا، ومن تدانيه يطعمنا ويسقينا. لما دنا العرش والكرسي جيء به في أول الليل وازدانت مراقينا. حلت علي أهل هذا الحي فرحته، كل تخلي فلا معنا ولا فينا. لكنه من ندي الكف ألبسنا ثوبًا صفيًا شهدناه بدا فينا.

هذا عطاء الله من عليائه ..بقلم ماجدة أباظة

لأول مرة أكون مشغولة عن تساؤلاتي مع الشيخ الجليل لأنني بصدد التحضير لزواج ابنتي الجميلة «عاليا». إلا أنه هذه المرة هو الذي يواكبني في مشغولياتي؛ لكي نكمل مسيرة سيدي أبي اليزيد البسطامي.
وقفنا في المقالة السابقة عند عبر سيدنا يوسف. كان الدرس المستفاد منها، أنه لابد للحق أن ينتصر كما قال المصطفي صلي الله عليه وسلم «اتقوا دعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله حجاب».
أما المعجزة المكونة من اثني عشر شيئًا «وإذ استسقي موسي لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا». في المعرفة هناك دوما علوم ظاهرية وعلوم باطنية. فإذا نظرنا إلي «الحين» الذي يشار إليه في كتاب الله عن النخلة أنها تؤتي أكلها كل حين، أي تؤتي ثمارها كل حين، والحين هنا أي سنة، اثنا عشر شهرا. في الاثنا عشر شهرا يتم تكوين أُكُل النخل والاثنتا عشرة عينا يتم سقاية الناس الذين علموا مشربهم، الظاهرية والباطنية في العلوم اللدنية.
اما الثلاثة عشر هم، أخوة سيدنا يوسف وأبوه وأمه. حينما قال: «إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين». فالأخوة هم الأحد عشر، أما الشمس فهي الأب وأما القمر فهو الأم. الأم التي تظلل علي أبنائها والأب الذي ينير طريقهم إلي سبيل الهداية. فاذا نظرنا إلي هذا الجيل، نجد أنه جيل مظلوم لأنه يفتقد الرعاية. فالأب مشغول والأم مشغولة بالتضييق والتقتير الذي يقع فوق رؤوسهم من معاناة تعليم أبنائهم. فكل يوم نجد أفكارا جديدة تُطَبَّق علي أبنائنا لكي يزداد انحدارهم. فأصبحوا دون قدوة. وأصبحوا في غد مظلم. فأخوة سيدنا يوسف كانوا يكيدون له، لأن الشيطان للإنسان عدو مبين. أما الآن، فمن يكيد لأبنائنا.. الشياطين أم معاونوهم من البشر؟! فالظلم الذي يقع فوق رؤوس أبنائنا من أطعمة سيئة، الفاسدة منها والمضرة بالصحة كالأكلات السريعة. والخطر الأعظم الذي لا ينظر إليه أحد وهو الأماكن العامة التي تطلق العنان للدخان القاتل، فالأمراض التي لا تأتي من الدخان، تأتي من الخضراوات. كما قال المصطفي صلي الله عليه وسلم «من لا يَرْحَم لا يُرْحَم».
فكان السؤال الذي جاء بعد ذلك ما الشيء الذي تنفس ولا روح فيه؟.. قال رب العزة «والصبح إذا تنفس» فكل الأشياء حينما تتنفس فإنها تنبض بالروح إلا الصبح. فإنه يخرج من رحم الليل المظلم. فهو عكس كل المخلوقات، فحينما تنفس النور من الظلمانية، كان روحه المصطفي صلي الله عليه وسلم، فقد جاء من عنده، هو والكتاب المنير، مصداقا لقوله تعالي «لقد جاءكم من الله نور وكتاب مبين».
وحينما أشرقت الأرض بنور ربها، كانت الروح، روح المصطفي صلي الله عليه وسلم التي عمت الأرض بالرحمة لكي يرحم العالمين. والعالمين هنا ليسوا البشر وحدهم ولكن كل من بهم أرواح فوق ظهر هذه الأرض وفوق السماوات، بعث إليهم رحمة لهم.
لو أبصر الشيطان طلعة نوره
في وجه آدم كان أول من سجد
أو لو رأي النمرود نور جماله
عبدالجليل مع الخليل وما عند
لكن جمال الله جل فلا يري «بضم الياء»إلا بتخصيص من الله الصمد.
أما القبر الذي سار بصاحبه فهو حوت سيدنا يونس «فالتقمه الحوت وهو مليم فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلي يوم يبعثون» وهنا لنا وقفة. إن التسبيح يرفع القدر، فإذا كنا في ضيق وسبحنا الله واستغفرناه، فرج ضيقنا.
فلابد لنا من محاسبة أنفسنا قبل أن نُحَاسَب. كما قال سيدنا عمر بن الخطاب «حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا» ولكن بالصدق. فالصدق منجاة، وصدق التوجه لله أعظم باب أنت داخله. فنحن جميعا بتكرار الأيام والساعات والسنين تعودنا أن نتعامل مع الكرب والهم والغم حينما يقع فوق رؤوسنا، فنجلس ونستغفر ونصلي، فلا نعرف الصدق إلا في الشدائد. ولكن جميعنا يدعي أنه صادق. وكل شخص فينا يعرف نفسه. فلنرجع إلي أنفسنا ونحاسبها. فهنا نري أن الحوت قبر والتسبيح نجاة. فالقبر يحدث في ثانية في بيت يهدم علي من فيه، فيصبح قبرًا جماعيًا، في سيارة مسرعة فتصبح قبرا لصاحبها. في طائرة فتكون قبرا جماعيا لمن فيها. و نسمع ونري حينما هدم الجبل فوق رؤوس فقراء هذا البلد فكان قبرا لهم. من منا يدري أين قبره وهل حان وقته. فلم لا نستعد ونحاسب أنفسنا قبل أن يأتينا قبرنا؟. فكلنا حينما نسمع كلمة قبر نتشاءم ونرتعد ونرتجف ولكنها هي الحقيقة الوحيدة.
فالحياة هكذا، تمتزج فيها الأفراح بالأحزان، وعلينا دوما أن نجد الميزان بينهما.
ومازال أمامنا ثلاثة أسئلة لسيدي أبي اليزيد البسطامي.
جزيل عطائكم وسخي وبلوغ الكمال فيك محال
وجميع الكرام منك نجوم.. وهم بالتجلي عليك ظلال.

علي الله الكريم يكون قصدي ..بقلم ماجدة أباظة

مازلنا في الحديث عن الرزق. فإذا أردنا الرزق فعلينا أن نسعي علي السبل التي رسمها لنا سيد الخلق صلي الله عليه و سلم. فغالبية عظمي من هذا الشعب البسيط الفطري نراها تتجه اتجاهات أخري إلي أرباب الدجل والشعوذة. فيذهبون إليهم ويدخلون عندهم ويرون بأعينهم ما مدي القحط الذين هم فيه ولا يفكرون لحظة أنهم لا يستطيعون أن يفعلوا لهم شيئًا. ولو استطاعوا لفعلوه لأنفسهم. ولكنهم يذهبون من أجل أحجبة كتب بداخلها أشياء لا يستطيع المرء أن يقرأها، لأن الذي كتبها لا يعرف كتابة اسمه. فهي نغبشة. وحتي الدجالون المتعلمون لا يكتبون أشياء مفهومة و لكنها كلها نغبشة لأنهم يضحكون علي من يذهب إليهم لكي يطلب منهم العون في الرزق بحجاب أو تعويذة يصنعها لهم دجال يقولون عنه إنه شيخ.
ولكنهم منساقون وراء القشة التي يتعلقون بها ونسوا ما قاله سيد الخلق صلي الله عليه و سلم: «أنه من ذهب إلي عراف فقد كفر بما أنزل علي محمد» . إنهم يعترضون علي أرزاقهم فيذهبون طالبين العون. و نسوا أنه «لا حيلة في الرزق و لا شفاعة في الموت»، لكننا جميعا نريد التحايل بالحيل الكثيرة التي توضع أمامنا من قبل دجال و مشعوذ. وحينما تفشل حيلته نبحث عن غيره. ومن عجب العجاب أننا نسمع في كل يوم أحاديث كثيرة وآيات عظيمة تدلنا علي أبواب الرزق. لكننا لا نتبع سبيلها فقد قال عز و جل:«ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب». ولكننا لا نريد بذل قليل من المجهود في أن نتقي الله. وهنا استوقفت الشيخ و قلت له حدثني أكثر عن الرزق. فقال لي الزواج رزق و أصبحت الغالبية العظمي من فتياتنا تبحث عن هذا الرزق و تذهب أيضا إلي المشعوذين لكي يعجلوا لها بزواجها. هنا تحدث الكارثة، فنسبة تعادل الـ 99 وتسعة من عشرة من المشعوذين يذهبون ببناتنا إلي الهاوية بأشياء ما أنزل الله بها من سلطان في أي كتاب من الكتب السماوية. لا أدري من أين أتوا بهذه الاختراعات. فهناك تفاصيل مخلة و تطاولات مخجلة كثيرة يقوم بها الدجال. وهنا نحن نعي ما نقول. فكل فتاة قسم لها زوجها ومن قسم له بعدم الزواج فهذا كله في لوح محفوظ. وحين نسأل أي رجل أو امرأة أو شاب أو فتاة، هل جربتم الاقتراب من الله شبرا كما قال المصطفي عن لسان رب العزة: «من تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا» فلماذا لا نتقرب إليه؟، ونستغفره ونحاسب أنفسنا وننظر إلي ما صنعنا من تجاوزات و نتوب. فالآن حينما نخرج إلي الطرقات الكل يختبئ وراء الزي الديني. السؤال الذي يجب أن يطرح نفسه، ما العفة؟ فالعفة والاحترام أشكال وألوان تتعدي مجرد زي. فنحن نري سيدات و فتيات محترمات محجبات كما نري أيضا محترمات غير محجبات. و العكس صحيح. فكما روي المصطفي «تنكح المرأة لأربع لمالها وجمالها وحسبها ونسبها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك». فالأصل البحث عن ذات الدين بالمفهوم العميق للدين و ليس قشوره. فكل فتاة لها رزقها من الزواج. والشيء بالشيء يذكر، هنا نروي قصة سيدنا موسي حينما كان ينظر إلي غزالة تقف وسط خضرة كثيرة وتبكي وبعد فترة من الزمن وجد هذه الغزالة في الصحراء تضحك فاقترب منها و قال لها أتبكين وأنت في الخَضَار وتضحكين وأنت في الصحراء؟. فقالت: وأنا في الخضار علمت أن الرزق من حولي كثير فكيف إذا منع عني وهنا بكيت. وحينما منعت الرزق تذكرت وأنا في الصحراء فضحكت، وكما قال المصطفي صلي الله عليه و سلم: «اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا و اعمل لآخرتك كأنك تموت غدا». فالرزق كما قال رب العزة: «ورزقكم في السماء وما توعدون»، فكل شيء قدر له رزقه. «فمن كان رزقه علي الله فلا يحزن» . أما من كان رزقه بين يدي دجال مشعوذ فلابد له أن يحزن وأن يراجع نفسه ويتبع السبل كما قال المصطفي صلي الله عليه وسلم: «من كان يريد الرزق فعليه بالاستغفار ومن كان يريد سداد ديونه فعليه بالاستغفار، ومن كانت تريد الزوج الصالح فعليها بالاستغفار من كانت تريد صلاح معيشتها فعليها بالاستغفار، ومن كان يريد البركة في رزقه ومعيشته وصلاح أبنائه فعليه بالاستغفار، فإذا جلس وقال: «استغفر الله العظيم هو التواب الرحيم مائة مرة كل يوم إلا زيل عنه الهم والغم والكرب» فلما سألت السيدة عائشة المصطفي لما تستغفر ربك وقد غفر لك من ذنبك ما تقدم منه و ما تأخر، فقال المصطفي: أفلا أكون عبدا شكورا. المصطفي يستغفر ربه في اليوم مائة مرة فكيف لا نستغفر نحن. و قبل أن نستغفر لابد لنا أن نصلي. فقد قال رب العزة: «ويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون». فالرزق يأتي حينما نصلح بيننا وبين الرزاق.علي الله الكريم يكون قصدي رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا هو السند الذي صرنا إليه هو النور المعظم يحتوينا

السبت، 10 أكتوبر 2009

عفوا ياصحافة آخر الزمان..!

بداية أحذر القارئ العزيز ،إن وجد ، أن هذه السطور القادمة قد تحمل ما يعتبره غير لائق وإن كنت أطمئنه بأنني سأحاول قدر استطاعتي أن أحافظ علي اللياقة لفظا ومضمونا ..
واقع مقرف ووسط ملئ بالمتناقضات والزيف والكذب ..أما الواقع المقرف المعفن (مادمت تفهم المعني فلاتجادلني كثيرا في المبني ) فهو الواقع السياسي والثقافي المحيط ..خريطة سياسية وثقافية عبارة عن جزر متباعدة مايجمعها المصالح ومايفرقها أيضاا المصالح!!أما الوسط المنافق فهو الوسط الصحفي ومن نجا فيه من هذه السمة العامة فهو الاستثناء الذي يؤكد القاعدة ..نفاق وشللية ومحسوبية من أقصي اليمين إلي أقصي اليسار مرورا بمن يدعون الاستقلالية والمهنية والحيادية !!
بصراحة مللت من الصراخ في وجه بجاحة الأدعياء وراكبي الموجات مختلفة التردد السياسي والثقافي ..مشهد فظيع وإدراك تفصيلاته تصيب أي إنسان سوي بالغثيان ..وفاصل ونواصل..

الأربعاء، 7 أكتوبر 2009

قصيدة "خطئ أنا " لـ "روضة الحاج "..

خطئي أنا..
أني نسيت معالم الطرق التي لا أنتهي فيها إليك !
خطئي أنا..أني لك استنفرت ما في القلب ما في الروح منذ طفولتي..وجعلتها وقفا عليك..
خطئي أنا..أني على لا شئ قد وقعت لك..
فكتبت..أنت طفولتي .. ومعارفي .. وقصائدي وجميع أيامي لديك !!
(( روضة الحاج))
· هذه الكلمات من روائع ما قرأت ..مع تحياتي لكل قارئ للشعر يبحث عن الجيد والرائع .
إسماعيل الأشول

السبت، 3 أكتوبر 2009

كشـك‏..‏شـيخ الغــلابة ...بقلم‏:‏ ســنـاء البيـــسي

لو كان الشيخ كشك بيننا في رمضان الماضي لأعلن من فوق المنبر أن فوازير نيللي ــ بالمقارنة بما أصبح عليه حالنا المرئي ــ لم تكن سوي رحمة ونور علي الصائمين‏,‏ حيث لم يكن عرضها يستغرق سوي دقائق معدودات تتبدد سريعا أثناء تناولنا طعام الإفطار‏,‏ ومن هنا فهي لم تلهنا في زمانها عن القيام بالعبادات الواجبة وما يتطلبه الشهر الكريم من التراويح والتهجد في أيام صيام وقيام ونصر وفتح وقدر وبر وقرآن‏,‏ وما نيللي وفوازيرها ــ التي انصب عليها سؤال المحقق للشيخ كشك إثر اعتقاله مرتين لماذا تهاجم فوازير نيللي؟‏!‏ ــ بالمقارنة إلي ساقية رمضان الأخير التي استغرق دوراننا فيها ثلاثين يوما قضيناها لهاثا وسلاحنا فيها الريموت كنترول بين متاهة أربعين مسلسلا‏,‏ وخمسمائة برنامج بضيوفها المكررين وتليفوناتها المفتعلة ومذيعيها تحت التمرين‏,‏ ومائة مليون طبق رمضاني بأطقم طباخيها ومرماطوناتها‏,‏ وخمسة آلاف مشهد غالبيتها تؤديها دراميا راقصات المعاش بالسن الذهبية والشعر الأصفر والكردان البندقي والأرواب الساتان والصدور الديكولتيه وأساور شخللة التشويح وتهادي رجرجة الثنايا وتفاح خدود البوتكس وشعلقة حواجب الشد والجذب وطرقعة اللبان الدكر‏..‏لو كان الشيخ كشك بيننا لبشر بالجنة كل ذي بأس وشكيمة انتزع نفسه غلابا من مصيدة لا تتذكر فيها عملا لا علي سبيل المثال ولا الحصر للتوجه لصلاة التراويح‏,‏ ولو كان بيننا لما ظلم يوما فوازيرها‏..‏الشيخ عبدالحميد عبدالعزيز كشك ــ شيخ الغلابة ــ إمام جامع عين الحياة بحدائق القبة علي مدي عشرين عاما‏,‏ من لايزال من بعد وفاته في‏6‏ من ديسمبر‏1996‏ حتي الآن نجما في سماء الكاسيت الديني ليصفه البعض بأنه عدوية الدعوة الإسلامية مشيرا إلي أنه مجرد ظاهرة صوتية‏,‏ فيما يعترض البعض الآخر مؤكدا أنه عالم له أكثر من‏115‏ كتابا أهمها تفسير القرآن الذي أودعه الشيخ خلاصة فكره ودعمه بالأبحاث في كل المجالات التي لها صلة بمعاني الآيات‏,‏ وإن كانت معظم كتبه الأخري هتافات وشعارات لكونها مجرد تفريغ لشرائط الخطب التي كان يلقيها الشيخ بين هتافات المستمعين ــ بلغ عدد الشرائط‏250‏ شريطا وقيل أكثر من‏2000‏ حتي أطلق عليه الكاتب الكبير أنيس منصور لقب كشكفون إلا أن الشيخ كشك قام في‏5‏ أغسطس‏1993‏ بالتحذير من أن هناك شرائط مزيفة تحمل اسمه بصوت مقلد له مؤكدا أن هناك شخصا حاول تقليد صوته وطبع العديد من الشرائط باسمه مستغلا تشابه الأصوات وفي تلك الشرائط المزورة الكثير من الأخطاء العقائدية والفقهية والنحوية مع العلم بأنه لم يلق خطبا منبرية منذ اعتقاله عام‏1981,‏
وجاء في تحذيره بضرورة توقيع العقوبة علي الفاعل حتي لا تحدث فتنة بين الناس في دينهم ــ وما بين هؤلاء وهؤلاء تبرز ظاهرة الشيخ كشك بما تنوء من نقد لاذع محبط‏,‏ وقفشات ساخرة‏,‏ وضحك كأنه البكاء‏,‏ ورصد للأحداث من وجهة نظر من فقد نعمة البصر‏..‏ القائل‏:‏رأيت العمر أجرا وزخرا وعصمةوإني إلي تلك الثلاث فقيريعــيرني الأعــداء والعيــب فيهموليس بعيب أن يقال ضريرإذا أبصـر المرء المــروءة والوفــافــإن عـمي العــينين ليــس يضيرو‏..‏ لم يسأل أحد لماذا سار الناس وراء الشيخ كشك وأعرضوا عن الكثيرين‏,‏ والشيخ كشك لم يكن مجرد واعظ مصري يجيد السيطرة علي مشاعر مستمعيه وإنما كان قد بات شخصية لها مكانتها في العالم العربي والإسلامي حتي إن تسجيلاته انتهت من داكار وطهران وبنجلاديش واستنابول إلي بيروت والمغرب ودول الخليج في حين أفرغت لتغدو كتبا معروضة في لندن وباريس‏,‏ ودخل كشك بأشرطته المبرمجة والمفرغة قائمة ملوك الواجهة في عروض مهرجانات الكتب جنبا إلي جنب مع أيام طه حسين‏,‏ وعبقريات العقاد‏,‏ وأهل الكهف لتوفيق الحكيم‏,‏ وثلاثية نجيب محفوظ‏,‏ وحول العالم في‏200‏ يوم لأنيس منصور‏,‏ والحسين شهيدا للشرقاوي ومن هنا نبدأ لخالد محمد خالد وأرخص ليالي ليوسف إدريس‏.‏كشك الظاهرة التي تستحق الدراسة والمناقشة‏..‏ كشك نموذج الإعجاز في بلاغة التعبير وقوة الحجة وخفة الظل واتساع العلم‏..‏ كشك نجم ثقافة الأشرطة التي خلقت أفقا جديدا أوصل المحتوي لمن لم يكن له سبيل للمحتوي سواء من لا يحب القراءة أو من لا يعرف القراءة‏,‏ فما قاله كشك سمعه الأسطي سيد المكوجي وهو يضغط ساق بنطلون سعادة البيه بالمكواة الساخنة‏,‏ وأنصت إليه راكب المرسيدس من خلف عجلة القيادة‏,‏ ورفع من صوت كشك صاحب كشك الكاكولا علي الناصية ليلقي كلام الشيخ عنده آذانا صاغية متجاوبة تدعو معه علي الظالم وتقول آمين‏..‏ إن المقابلة بين الشيخ كشك وغيره من أئمة الوزارة الرسميين تعبير عن المقابلة بين ما يمكن أن يسمي تجاوزا بإسلام الشارع والإسلام الرسمي‏,‏ أو فيما بين إسلام الجماهير وإسلام الحكومة‏,‏ والموقف في مجموعه إعلان لا تنقصه الصراحة عن فشل محاولة تحويل المنابر الإسلامية إلي إدارات ومؤسسات وتسكين شاغليها علي وظائف ودرجات‏..‏إن الشيخ كشك هو اختيار الجماهير‏,‏ حيث دفع حريته ثمنا لما أداه من دور لم يقلل من قيمته ليظل الأكثر رواجا‏,‏ ولايزال ــ كما كان ــ واحدا من زعماء الشارع الإسلامي‏..‏ وربما يجوز القول في فن خطابة كشك بأنها الخطابة المصورة‏,‏ فعلي سبيل المثال عندما تسمع تسجيلا لإحدي خطبه عن فريضة الحج فإنه يصعد بك الطائرة من مطار القاهرة الدولي وينتقل بك خطوة خطوة مع مناسك الحج وشعائره‏,‏ ويطوف بك عبر الأماكن المقدسة وكأنك تعيش الفريضة وتؤديها واقعا حيا وتشهدها شهود العيان ــ ما فعله من بعده الداعية عمرو خالد بالصوت والصورة علي أرض الطبيعة ــ وتسمع تسجيلا لإحدي خطب الشيخ كشك عن نهاية طاغية يأخذك فيه علي جناح السرعة إلي مستشفي المعادي لتشهد اللحظات الأخيرة في حياة شاه إيران وكيف ــ علي حد قوله ــ سقط الطاغوت‏,‏ وكيف كان عرش الطاووس وكيف هوي متسائلا‏:‏ هل استطاعت قوات الأمن المركزيوالمخابرات العامة والمباحث الجنائية المحيطة بمبني المستشفي منع ملك الموت من اختراق كل هذه الحواجز الهشة وقبض روح الطاغية في الساعة المقدرة له؟‏!!‏كشك‏..‏ المتهم باستغلال المنابر في التعريض بالناس وتجريح الفنانين الذي كان يري أن الناس نيام وفي حاجة لمن يوقظهم وينبههم إلي دين الله‏,‏ وهو في ذلك يتخذ في خطابته أسلوبا ومنهاجا يقول عنه‏:‏ من عادتي في الخطابة أن أقدم بمقدمة تشد السامع شدا قويا مؤثرا حتي أوقظ الوسنان وأنبه الغافل‏,‏ والقاعدة التي أنطلق منها في أحاديثي أن يكون بيني وبين المستمع لغة فريدة هي لغة لاسلكي القلوب‏..‏ كان يري أن النهي عن المنكر ليس تجريحا وإنما هو للفنانين علي سبيل المثال توجيه وإرشاد لأنهم يمثلون أعلي الأصوات في البلاد‏:‏ وذلك أسلوب اخترته لنفسي في الدعوة إلي الله‏,‏ وليس اعتراضي هنا علي الكلمة المغناه وحدها وإنما هو الاعتراض علي الغناء من حيث المبدأ‏,‏ فإذا ما أضيف إلي هذا خلاعة الكلمة أيضا كان الأمر شرا وبالا‏,‏فعلي سبيل المثال فإن عبدالحليم حافظ قد ظهرت له معجزتان الأولي أنه يمسك الهواء بيديه والثانية أنه يتنفس من تحت الماء‏,‏ وهذه معان قبيحة علي أصل مرفوض من الأساس فهو ليس سمكة‏,‏ ولم يكن غطاسا أو معه جهاز أكسجين يعينه علي التنفس من تحت الماء‏,‏ ثم إنها ليست أخيلة شعرية أو مجازا‏,‏ فلا يتم اللجوء من الحقيقة إلي المجاز إلا إذا قامت قرينة تمنع من إرادة المعني الأصلي‏,‏ وعبدالحليم عندما يقول ذلك إنما هو فيه كاذب لا صادق مثله مثل الذي يقول‏:‏ جئت لا أعلم من أين؟‏,‏ فهذا رجل كاذب لأن عنده أولادا ويعلم كيف جاء بهم‏,‏ وبالتالي فإنه مثلهم جاء من نفس الطريق‏,‏ وهل من الإسلام أن يتساءل عبدالوهاب مندهشا أو معترضا‏:‏ جايين الدنيا ما نعرف ليه‏!!!‏ ألا يعلم الجميع لماذا جئنا إلي الدنيا وأننا إلي الله ذاهبون‏.....‏وكان الشيخ كشك هو الوحيد الذي اعترض علي سيدة الغناء أم كلثوم في حلمها بأن يأخذها الحبيب في حنانه خدني في حنانك خدني عن الوجود وابعدني‏..‏ اعترض بقوله‏:‏ امرأة في الثمانين من عمرها تقول‏:‏ خدني‏..‏ يا شيخة ربنا‏......‏ وقد عاب الشيخ كشك علي شادية معاتبا تأخرها مع ابن عمها خارج بيت الأسرة إلي وقت متأخر ليلا غاب فيه القمر ليترك الساحة كاحلة سوداء‏:‏ وإيه اللي خلاك يا مضروبة تتأخري معه لهذا الوقت بعيدا عن أعين الرقباء؟‏!..‏ ونموذج من تفكه كشك علي نفسه في إطار أن الكرة في رأيه قد تحولت إلي رياضة مذمومة وضررها أصبح كالخمر والميسر يوقع بالعداوة والبغضاء بين الناس‏,‏ قال إنه استيقظ من النوم مفزوعا علي هدير جماهير غفيرة يعلو هتافها فسأل‏:‏ هل تحررت فلسطين والحمد لله؟‏!..‏فقالوا له‏:‏ لا ده حسام حسن جاب جون في مرمي الزمالك والأهلي أخذ الدوري‏..‏ ويروي عن الشيخ قوله في صلاة إحدي الجمع‏:‏ اللهم صلي علي الصف الثاني والثالث والرابع‏..‏ فسألوه‏:‏ والصف الأول يا مولاي؟‏!‏ فأجاب‏:‏ ده كله مباحث يا إخوانا‏..‏ وعند ازدحام المسجد هتف‏:‏ إخوانا المباحث في الصف الأول يتأدموا ــ يتقدموا ــ علشان إخوانهم المصلين في الخارج‏,‏ واستووا واعتدلوا وياريت المباحث يوسعوا لإخواننا طلبة العلم شوية‏..‏ ومن فكاهاته اللاذعة قوله‏:‏ الظلم تسعة أعشاره عندنا في السجن‏,‏ وعشر يجوب العالم كله‏,‏ فإذا أتي الليل بات عندنا‏!..‏ ويسأله ضابط جديد يحقق معه لأول مرة‏:‏ ما اسمك؟‏!..‏ قال‏:‏ عبدالحميد كشك‏..‏ فعاد يسأله‏:‏ ما عملك؟‏!..‏ فأتي رد الشيخ‏:‏ مساعد طيار ومعلوم أن الشيخ كان ضريرا‏!!‏ومن طرائف الشيخ حاضر البديهة سريع النكتة قوله‏:‏ في السجن جابوا لنا سوس مفول أي أن السوس كان أكثر من الفول‏...‏ وقال عن الدكتور مصطفي محمود بعد صدور كتابه القرآن محاولة لفهم عصري‏:‏ لا تسمعوا لكلام مصطفي محمود واسمعوا لكلام المصطفي المحمود‏...‏ وعن بابا الأقباط قوله‏:‏ آه يانا ياللي مالناش بابا‏..‏ وفي أحوال الدنيا‏:‏ الدنيا إذا ما حلت أوحلت‏,‏ وإذا ما كست أوكست‏,‏ وإذا ما أينعت نعت‏..‏ وظل قوله الذي لا يغيب عن لسانه هو‏:‏ ابحثوا وراء كل فاشل تجدوا امرأة‏..‏ولد الشيخ عبدالحميد عبدالعزيز محمد كشك في قرية شبراخيت بمحافظة البحيرة لأبوين فقيرين‏,‏ وكان واحدا من ستة إخوة ترتيبه الثالث‏..‏ ولم يولد عبدالحميد كفيفا وإنما ظل مبصرا حتي السادسة من عمره إلا أنه أصيب برمد صديدي‏,‏ وبسبب جهل حلاق الصحة فقد عينه اليسري‏,‏ فوجهه والده لحفظ القرآن ليتم حفظه له وهو في العاشرة‏,‏ والتحق بمعهد الإسكندرية وكان ترتيبه الأول دائما‏,‏ وفي الثالثة عشرة يرحل والده ومن بعده فقد بصره تماما‏,‏ وكانت الأسرة لا تجد من يعينها علي ثمن دواء الأب ولا التزامات الحياة من بعده‏,‏ وكما يقول الشيخ كشك في سيرة حياته‏:‏ فلم نجد القلوب التي تحمل مثقال ذرة من رحمة وإنما وجدنا قلوبا كالحجارة أو أشد قسوة ونفوسا لها أنياب ومخالب‏..‏ومع اليتم والفقر والعاهة يواصل الضرير الطريق متخطيا العقبات ليحقق انتصارا كبيرا بنجاحه في الثانوية الأزهرية بمجموع‏100%‏ وبعدها يحصل علي الشهادة العالمية التي تعادل الليسانس بمجموع‏90%‏ لسوء خط من يكتب له‏..‏ ويكرمه الرئيس عبدالناصر في عيد العلم في ديسمبر‏1961‏ لتفوقه ونبوغه‏,‏ لكنه يعود ليصدر أمرا باعتقاله عام‏1966‏ بسبب انتقاداته اللاذعة لنظام الحكم وقتها في خطبه‏,‏ ثم يفرج عنه عام‏1968,‏ ويروي الشيخ قصة دخوله السجن أيام عبدالناصر فيقول‏:‏ في أحد أيام شهر مارس‏1966‏ كنت في ندوة بجامعة عين شمس وكان الحضور كثيفا‏,‏ وبعد أن ألقيت كلمتي بدأ الحاضرون توجيه الأسئلة التي فيها‏:‏ هل الاشتراكية من الإسلام؟وكان السؤال شركا حقيقيا‏,‏ فالحاكم كان يتخذ الاشتراكية دينا ومبدأ‏,‏ واحترت ماذا أفعل فإما أن أقول الحق فأدخل السجن أو أنافق فأدخل النار‏,‏ ولم يكن هناك بد من قول الحق فأجبت علي السائل‏:‏ الإسلام نظام إلهي متكامل نزل به الروح الأمين علي صاحب الرسالة‏,‏ أما الاشتراكية فهي مذهب وضعي‏..‏وحدث ما كنت أتوقعه‏!!‏ ففي يوم‏14‏ أبريل اقتحم بعض الرجال منزلي وفتشوه ثم اصطحبوني لمبني وزارة الداخلية وبعد انتهاء التحقيق أمر بوضعي في زنزانة انفرادية‏,‏ وأعيد التحقيق والتعذيب مرات ومرات وانتقلت من سجن إلي سجن حتي تم الإفراج عني بعد عامين‏..‏ ويعود كشك للخطابة وتنتشر شرائطه وخطبه انتشارا واسعا‏,‏ ولم يكن الشيخ يتقاضي مليما عن هذه الشرائط‏,‏ ثم صدر أمر السادات باعتقاله في سبتمبر‏1981..‏ وتمر بنا الأيام ثقيلة متباطئة كأنها سلسلة من الجبال تمشي الهوينا فالعيش نكد في السجون‏,‏ والناس قد ذبلوا وصاروا أشباحا خاصة كبار السن الذين أصيبوا بأمراض مزمنة‏,‏ وأصبح الطعام لا يلائم حالتهم الصحية‏,‏فمريض الضغط لا يجد إلا جبنا قد قطع من جبال الملح‏,‏ ومريض السكر لا يجد إلا عسلا أسودا حامضا تزكم رائحته الأنوف‏,‏ وأما الفجل فإنه خشب مبلول ورؤوسه تصلح أن تكون أرجلا للطبالي‏,‏ وأما الفول فإنه يصلح لفض المظاهرات السلمية‏,‏ والبصارة طعام الأثيم تغلي في البطون كغلي الحميم‏..‏ولولا أن تداركنا الحق بلطف بره لكنا تحت الثري أجساما هامدة‏..‏ ويمضي الشيخ كشك في وصف سجن طرة الذي اعتقل فيه في ليلة واحدة‏1536‏ معتقلا من أنماط لا يجمع بينها قاسم مشترك عدد اختلفت مذاهبهم ومشاربهم وتناقضت أفكارهم‏..‏ ويعلنون أن التحقيقات قد بدأت وكان موعد كشك مع التحقيق يوم الخميس‏24‏ سبتمبر‏..‏ ودخلت علي المحقق ووجه أسئلته‏,‏ وكان أكثرها يدور حول الخطب‏,‏ ومن الأسئلة التي مازلت أذكرها السؤال الخالد الموجه لي‏:‏ لماذا تهاجم نيللي؟‏!..‏ ويفرج عن الشيخ كشك بعد اغتيال السادات بقرار من الرئيس مبارك في‏27‏ يناير‏1982‏ مع كل من تم القبض عليهم في‏5‏ سبتمبر‏1981..‏خرج الشيخ من السجن إلي البيت‏..‏ وإذا لم يصعد الشيخ كشك بعد ذلك التاريخ فوق المنابر التي ادعوا أنها مفتوحة أمامه‏,‏ بينما حقيقة الأمر أنها لم تكن بهذا الانفتاح‏,‏ فإنه لم يفقد أبدا منبره فقد ظلت الأسئلة تطارد الفقيه وتلاحقه وتنتظر إجاباته في شقته المتواضعة في كوبري القبة التي يستقبل فيها زواره بين ثمانية أولاد آخر عنقودهم عبدالرحمن وهم خمسة من الذكور وثلاث من الإناث أكبرهم عبدالسلام وأصغرهم عبدالرحمن ويتوسطهما عبدالمنعم ومحمد وأسماء وخديجة ومصطفي وفاطمة الزهراء‏..‏في صالون الكنبة الاسطنبولي الوحدانية وسط الأرض البلاط البراح إلا من كليم شعبي يتواري في الركن البعيد يلقي الفقير الزاهد ضيوفه بعد رفضه العروض السخية وآخرها قبل رحيله بعام فقط مما كان سيغير معه مجري حياته ويفتح أمامه الأبواب للعودة إلي المنابر لكنه قال بيقين ثابت‏:‏ أخشي أن تفتح علي الدنيا أبوابها فأجامل أحدا علي حساب ديني ومبدئي‏..‏واكتفي كشك بعيش الكفاف والاستعانة ببعض العوائد المادية الزهيدة من بيع بعض كتبه‏...‏ اكتفي بالاسطنبولي والكليم وراحة البال والقول الضليع في شتي المواضيع‏:‏ ليس في الإسلام شيء يسمي رجال الدين‏,‏ وإنما رجال الدين هم علماء الإسلام كأي خبراء في التكنولوجيا أو العلوم الحديثة‏,‏ فالإسلام فيه علماء يسمون علماء الدين‏,‏ أما لفظ رجال الدين فإنه لفظ كهنوتي لا يمت إلي الإسلام بصلة‏..‏ لسنا مأمورين بأن نفتش علي قلوب الناس وعقولهم‏,‏ ومن قال لا إله إلا الله ولم يصدر منه ما يناقضها فقد عصم ماله ودمه‏...‏أتحدي من يقول إنني أعمل علي إثارة الفتنة الطائفية من خلال خطبي‏,‏ فقد خطبت وسجلت دروسا تزيد علي المئات أتحدي أن يأتي أحد بشريط واحد فيه تفرقة طائفية‏,‏ بل العكس لقد كان القسس يأتون ليستمعوا للخطبة خارج المسجد‏,‏ وكنت أعلم ذلك‏,‏ وظللنا في دير الملاك من سنة‏1950‏ حتي الآن وهي تعتبر محفلا لأهل الكتاب وما شكا واحد مني‏,‏ بل إن البيت الذي أسكنه في دير الملاك نصفه من النصاري الذين يعرضون علي مشاكلهم‏,‏ والله يعلم أن هذه فرية ما فيها حق وما أكثر المظلومين‏...‏الفتوي في الإسلام مسئولية كبري لأن المفتي إنما يوقع عن الله تبارك وتعالي‏,‏ وهو في فتواه يجب أن يكون صريحا في الحق قويا لا يخشي في الله لومة لائم‏,‏ كما يجب أن يصدر عن علم ودراية بالكتاب والسنة‏,‏ وعن علي رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم قال‏:‏ من أفتي بغير علم لعنته ملائكة السماوات والأرض‏,‏ ولقد وقف الأئمة من الفتوي موقف الأمانة والحذر واسمعوا لما قاله الإمام الشافعي رضي الله عنه‏:‏ لا يحل لأحد أن يفتي في دين الله إلا رجل عارف بكتاب الله تعالي بصير بحديث رسول الله صلي الله عليه وسلم ضليع في اللغة الفصحي والشعر الجيد وما يحتاج إليه منهما في فهم القرآن والسنة‏,‏ ويكون مع هذا مشرفا علي اختلاف علماء الأمصار وتكون له قريحة وقادة‏,‏ فإذا بلغ هذه الدرجة فله أن يفتي في دين الله تعالي ويبين الحلال والحرام‏,‏ وإذا لم يكن هكذا فليس له أن يفتي‏....‏أنا مؤمن كل الإيمان أن الحوار لابد له من حوار‏,‏ ولا أؤمن بأن تعامل القضايا الفكرية بالعنف‏,‏ وقد علمنا المولي كيف نرد علي القضايا الفكرية بقوله‏:‏ ادع إلي سبيل ربك بماذا؟‏!‏ بالحكمة أولا‏,‏ وثانيا بالموعظة الحسنة‏,‏ والجدال بالتي هي أحسن ثالثا‏,‏ ومخطئ من قال إن الإسلام رفع السيف في القضايا الفكرية‏,‏ فالإسلام انتشر بسيف العقل لا بحد السيف‏,‏ والسيف قد يفتح البلاد لكنه لا يفتح القلوب‏,‏ والعنف ليس من طبيعتي‏,‏ كما أن التحريش ليس شأني‏,‏ لأنني ذقت الأمرين بهذه التهم عندما دخلت السجن ولم أسأل إلا عن اسمي‏:‏ ما اسمك؟ وخرجت من السجن لم أسأل إلا عن اسمي‏,‏حتي سألت لماذا دخلت وبأي ذنب اعتقلت لم أجد سؤالا أو جوابا علي هذا‏,‏ فأنا من الذين قد عانوا كثيرا من التهم ومن الرمي بالتهم‏,‏ ولذلك لا ولم أحل سفك الدماء لأن أخطر القضايا هي قضايا الدماء‏,‏ ألم تسمعوا قول رسول الله صلي الله عليه وسلم‏:‏ الآدمي بنيان الرب ملعون من هدمه وقوله من أعان علي قتل مسلم ولو بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوبا بين عينيه آيس من رحمة الله‏...‏وهل انتكبت الأمة الإسلامية إلا لما قتل عمر؟‏!‏ وهل انتكبت إلا لما قتل عثمان ذو النورين؟‏!,‏ وهل انتكبت الأمة إلا لما قتل علي كرم الله وجهه؟‏!‏ وهل انتكبت أكثر إلا يوم مأساة الحسين رضي الله عنه؟‏!‏ إن الدماء تؤدي إلي الدماء وهذا علي حساب قوة الأمة‏...‏ فكرة توحيد خطبة الجمعة غير واقعية فما يصلح لمكان لا يصلح لآخر‏,‏ فهل خطبة المدينة تصلح لأن تلقي علي أهل النجوع والقري؟ فلابد أن تكون ملائمة لمجتمع المسجد‏,‏ وهي نظرية سيكولوجية في الدعوة فمثلا أن ينهار الاتحاد السوفيتي ولا يعلق عليه الخطيب ويجعل موضوع خطبته هو كيف نغسل الميت فهذا هو الهروب من الواقع والاستخفاف بعقلية السامع‏,‏ والدعوة لها قواعدها ولها أصولها‏,‏ والدعوة في حاجة لمن يؤدونها علي أنها رسالة لا وظيفة‏,‏ وقد سئل أحد الدعاة لماذا يلتف الناس من حولك ويحرصون علي الصلاة معك قال في عبارة بليغة موجزة‏:‏ لأنني أحترم عقلية المستمع‏....‏رأيي في أسباب ارتفاع سن الزواج عند الشباب لأننا جعلنا الأمر معقدا‏,‏ فما الداعي لإهدار الأموال في الفنادق والأندية‏,‏ ولماذا لا يكون الزواج في المساجد؟ وما الداعي للموائد الفخمة؟‏!‏ وما الداعي لغرف الصالون والنجف والأثاث الباهظ؟ إن أساس الزواج يعتمد فقط علي غرفة النوم‏,‏ ولنبدأ صغارا ثم نكبر‏..‏لقد عاش الشيخ كشك ببصيرته واقع الحياة يوما بيوم وساعة بساعة‏,‏ وكان مع الأحداث مواكبا وناقدا وموضحا وكاشفا‏,‏ فلا تكاد تمر حادثة يعني بها الإنسان إلا وكان معلقا وموضحا باسم الإسلام ومقارنا بين ما كان وما يجب أن يكون‏,‏ وكاشفا عورات فساد أريد لها أن تستمر‏,‏ وفاضحا للمزيفين خلف الاقنعة فأحبه الناس ينصتون إليه ويصلون من خلفه‏,‏ وفي يوم الجمعة‏25‏ رجب عام‏1417‏ هـ سجد الشيخ في بيته المتواضع وطال سجوده وعندما شعر أهله بآذان الجمعة ولم يزل ساجدا نادوا عليه فلم يرد‏,‏ فقد فاضت روحه المجاهدة إلي بارئها‏..‏ مات شيخ الغلابة في شهر رجب في يوم جمعة في ساعة مباركة في لحظة آذان الظهر وفي نفحات ذكري الإسراء والمعراج‏,‏ وعاش عمر النبوة وهو الثالث بعد الستين‏,‏ وجاهد جهاد العلماء العاملين ومات موتة الصالحين ليظل صوته يغزو القلوب حتي في أدغال أفريقيا‏,‏ ليحق فيه قوله‏:‏ لقد أنعم الله علي بنعمة فقد البصر‏!‏
‏selbssi@ahram.org.eg

الخميس، 17 سبتمبر 2009

وإذ ملئت لك الدنيا نفاقا ..وضاقت بالغباوة والتغابي!!

في دراستي الجامعية دأب أساتذتي الأجلاء علي نصحي وإرشادي إلي صقل موهبتي عبر كثرة القراءة وسعة الإطلاع وجدة المتابعة للأحداث إذ أن هذه السلسلة من الممارسات المعرفية والثقافية تمثل في مجملها حجر الأساس في التكوين القويم والجاد لاي ممارس لمهنة الصحافة مقروءة كانت أو مرئية أو مسموعة ولله الحمد فقد مثلت هذه التمارين الثقافية والفكرية دأبي وديدني طوال فترة دراستي الجامعية..أربع سنوات بين جدران مكتبات كلية الأداب بالمنيا بإختلاف أقسامها وأنا أقرأ وأتصفح وألتقط من بين الكتب المختلفة ما حسبته زادي في رحلتي المرتقبة فور التخرج..أربع سنوات أتابع ماتصدره دور النشر بإختلاف تحيزاتها وانتماءاتها مع اتفاق مع رؤية واختلاف مع أخري..كنت أشاهد القنوات الإخبارية بما يفوق مشاهدة المراهقين نظرائي لقنوات الفيديو كليب ..وكنت أتابع البرامج الحوارية كما لو أنني مستشار لأحد هؤلاء الجاثمين علي صدورنا شعبنا العربي من محيطه المختل إلي خليجه المحتل ..صحبت قامات فكرية من مختلف الاتجاهات عبر كتاباتهم التي ظلت تؤكد حضورهم رغم غيابهم عن حياتنا منذ سنوات ربما فاقت سنوات عمري التي تجاوزت العقدين بقليل ..وجدتني أكبر من سني كما يقولون وأكتبها ولا أدعي ماليس لي بل أجرؤ علي كتابتها بعدما ذكره لي مفكر بحجم السيد ياسين الذي ذهبت لمحاورته في مكتبه بمركز الأهرام للدراسات وحينما علم بنشأتي وقصة دخولي ومعاناتي الشخصية في مجال الصحافة ما كان منه سوي وصفي "بالشخصية الفريدة" أجرؤ علي كتاباتها بعد شهادات من كتاب وروائيون ونقاد كبار امثال الدكتور صلاح فضل والدكتورة رضوي عاشور والأستاذ جمال الغيطاني والأستاذ يوسف القعيد وغيرهم ..وللأسف الشديد فقد ثبت لي مؤخرا أننا في بلدنا المنكوب نعاقب علي تميزنا وكفاءتنا كما كتب مرة الدكتور سعيد اللاوندي ناقلا عن الراحل الدكتور عبدالرحمن بدوي الذي قال له في باريس بأنه بقدر ماكان رأسك فارغا ولارأي لك ولارؤية بقدر ماكانت فرص ارتقاءك كبيرة في هذا البلد !!
نعم ثبت لدي ذلك وبات بديهيا عندي ونصيحتي للمتفوقين في مجالاتهم إما أن تتدربوا علي ممارسة التطبيل والنفاق والتغابي مع إخفاء وتسفيه ماأنجزتموه فكريا وإما ان تبحثوا عن بلد يقدر المتفوقين والمتميزين بعيدا عن هذا البلد الذي صارر مضرب الأمثال في نافخي البوق وضاربي الدفوف رواد المرحلة المباركية بكل مفرداتها وتفصيلاتها وانتماءاتها ومذاهبها من أقصي اليمين إلي أقصي اليسار ..وبئست بلد يندم المجتهد فيه علي اجتهاده ويحذر الجادون فيه عاقبة جدهم ..ولله در أحمد شوقي قائل البيت الذي عنونت به هذه السطور!!

الخميس، 10 سبتمبر 2009

مقتطفات من شعر الإمام الشافعي


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مقتطفات من شعر الامام الشـافعـي
1.دع الأيـام
دَعِ الأَيَّـامَ تَفْعَـلُ مَا تَشَـاءُ
وَطِبْ نَفْساً إِذَا حَكَمَ القَضَـاءُ
وَلا تَـجْزَعْ لِحَـادِثَةِ اللَّيَالِـي
فَمَا لِحَـوَادِثِ الدُّنْيَـا بَقَـاءُ
وَكُنْ رَجُلاً عَلَى الأَهْوَالِ جَلْداً
وَشِيمَتُـكَ السَّمَاحَةُ وَالوَفَـاءُ
وَإِنْ كَثُرَتْ عُيُوبُكَ فِي البَـرَايَا
وَسَرّكَ أَنْ يَكُـونَ لَهَا غِطَـاءُ
تَسَتَّرْ بِالسَّخَـاءِ فَكُلُّ عَيْـبٍ
يُغَطِّيـهِ كَمَا قِيـلَ السَّخَـاءُ
وَلا تُـرِ لِلأَعَـادِي قَـطُّ ذُلاً
فَإِنَّ شَـمَاتَةَ الأَعْـدَاءِ بَـلاءُ
وَلا تَرْجُ السَّمَاحَةَ مِنْ بَـخِيلٍ
فَمَا فِي النَّـارِ لِلظَّمْـآنِ مَـاءُ
وَرِزْقُـكَ لَيْسَ يُنْقِصُهُ التَأَنِّـي
وَلَيْسَ يَـزِيدُ فِي الرِّزْقِ العَنَـاءُ
وَلا حُـزْنٌ يَدُومُ وَلا سُـرُورٌ
وَلا بُـؤْسٌ عَلَيْكَ وَلا رَخَـاءُ
إِذَا مَا كُنْـتَ ذَا قَلْبٍ قَنُـوعٍفَأَنْـتَ وَمَالِكُ الدُّنْيَا سَـوَاءُ
وَمَنْ نَزَلَـتْ بِسَـاحَتِهِ المَنَـايَا
فَـلا أَرْضٌ تَقِيـهِ وَلا سَـمَاءُ
وَأَرْضُ اللهِ وَاسِـعَـةٌ وَلكِـنْ
إِذَا نَزَلَ القَضَـا ضَاقَ الفَضَـاءُ
دَعِ الأَيَّـامَ تَغْـدِرُ كُلَّ حِيـنٍ
فَمَا يُغْنِـي عَنِ المَوْتِ الـدَّوَاءُ
2.الصبـر جنـة
لاَ تَـحْمِلَّـنَ لِـمَـنْ يَـمُنّ
مِـنَ الأَنَـامِ عَلَيْـكَ مِنَّــه
وَاخْتَـر لِـنَفْسِـكَ حَظَّهَــا
وَاصْبِـرْ فَـإِنَّ الصَبْـرَ جُنَّـه
مِنَنُ الرِّجَـالِ عَلَـى القُلُـوبِ
أَشَـدُّ مِـنْ وَقْـعِ الأَسِـنَّـه
3.مخاطبة السفيهيخاطبني السفيه بكل قبح***** فاكره ان اكون له مجيبايزيد سفاهة فازيد حلما ***** كعود زاده الاحراق طيبا4.صبر جميلصبرا جميلا ما اقرب الفرج ***** من راقب الله في الامور نجامن صدق الله لم ينله اذى ***** ومن رجاه يكون حيث رجا5.عند الله المخرج ولرب نازلة يضيق بها الفتى ***** ذرعا و عند الله منها المخرج ضاقت فلما استحكمت حلقاتها ***** فرجت، وكنت أظنها لا تفرج!6.الصمت شرف قالوا : سكت و قد خوصمت، قلت لهم: ***** ان الجواب لباب الشر مفتاح الصمت عن جاهل أو أحمق شرف ***** و فيه ايضا لصون العرض اصلاح اما ترى الاسد و هي صامتة ؟! ***** والكلب يخسى لعمري و هو نباح7.تعلّم تعلم ما استطعت تكن اميرا ***** ولا تك جاهلا تبقى اسيرا تعلّم كل يوم حرف علم ***** تر الجهال كلهم حميرا8.كيف جسمي على برد ليس يقوى ***** ولا على شدة الحرارة فكيف يقوى على حميم ***** وقودها الناس و الحجارة؟!9.اكتحال العين بالعيني قولون: لا تنظر فذاك بلية **** بلى كل ذي عينين لا بد ناظروهل باكتحال العين بالعين ريبة ***** اذا عف فيما بينهما السرائر؟10.وحدتى اذا لم اجد خلا تقيا فوحدتى ***** ألذ و أشهى من غوى أعاشرهوأجلس وحدي للعبادة آمنا ***** أقر لعيني من جليس احاذره11.لذة السلامةلم اجد لذة السلامة حتى ***** صرت للبيت والكتاب جليساانما الذل في مخالطة الناس ***** فدعهم تعش اميرا رئيساأحب الصالحين ولست منهم لعلي أن أنال بهم شفاعة وأكره من تجارته المعاصي ولو كنا سواء في البضاعة _______________________ يخاطبني السفيه بكل قبح فأكره أكــون له مجيبا يزيد سفاهة فأزيد حلـما كعود زاده الإحراق طيبا ______________________شكوت إلى وكيع سؤ حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي وأخبرني بأن العلم نــور ونور الله لا يهـدى لعاصي _______________________علي ثياب لو يباع جميعها ب فلس لكــان الفلس منهن أكثرا وفيهن نفس لو تقاس ببعضها نفوس الورى كانت أجل وأكبرا وما ضر السيف إغلاق غمده إذا كان عضبا أين ما وجهته فرى _______________________نعيب زماننا والعيب فينا ومال زماننا عيب سوانا ونهجو ذا الزمان بغير ذنب ولو نطق الزمان لنا هجانا وليس الذئب يأكل لحم ذئب ويأكل بعضنا بعض عيانا ________________________تموت الأسد في الغابات جوعا ولحم الضأن تأكله الكلاب وعبد قد ينام على حريروذو نسب مفارشه التراب ________________________الدهر يومان ذا أمن وذا خطر والعيش عيشان ذا صفو وذا كدر أما ترى البحر تعلو فوقه جيف وتستقر بأقصى قاعه الـــدرر وفي السماء نجوم لا عداد لها وليس يكسف إلا الشمس والقـمر ________________________أخي لن تنال العلم إلا بستة سأنبيك عن تفصيلها ببـيان ذكاء وحرص واجتهاد وبلغة وصحبة أستاذ وطول زمان ________________________قالو سكت وقد خوصمت قلت لهم إن الجواب لباب الشر مفــتاح والصمت عن جاهل أو أحمق شرفا وفيه أيضا لصون العرض إصلاح أما ترى الأسد تخشى وهي صامتة والكلب يخسى لعمري وهـو نباح ________________________وعيناك إن أبدت إليك مساؤا فدعها وقل يا عين للناس أعين فلا ينطقن منك اللسان بسوءة فكلك سوءات وللناس ألسـن وعاشر بمعروف وسامح من اعتدى ودافع ولكـن بالتي هي أحسن ............................................... ..................................................دعواتكم الصالحة والسلام ختام

الأحد، 30 أغسطس 2009

عمـر بن عبدالعزيز‏..‏خامس الخلفاء..بقلم سناء البيسي

في حلوان جاء مولده عام‏61‏ هـ أيام كانت مرتعا وملعبا وجنة وهواء عليلا طيبا وينابيع شفاء‏..‏ أيام كانت حلوان عاصمة في زمن آل مروان هروبا من طاعون البلاء‏..‏ أيام كانت حلوان شجرا وثمرا وحدائق غناء ونخيلا وأعنابا وقصرا منيفا لحاكم البلاد‏..‏ أيام كانت حلوان ملاذ الأمان لعمر بن عبدالعزيز بن عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف‏...‏ و‏..‏تبقي حلوان من بعده قرونا جنة الرحمن التي نلحق بها في زماننا نلهو أطفالا بين ربوعها وتغمرنا ينابيعها ونبيت فيها منتجعا للصحة والجمال‏..‏ حتي‏..‏ حتي سكن الطير وتحجر الشجر وانسدت الرئات واختنقت الحديقة اليابانية وانكفأ تمثال بوذا علي وجهه حزنا علي ما أصاب ملجأ الخلفاء ومدينة الشفاء بعدما زحفت المصانع والمداخن والتلوث والسناج والهباب‏,‏ وكانت نقطة البداية الرعناء انتقال مصانع الحرير لصاحبها اللوزي من دمياط إلي حلوان‏,‏ وبعدها أتاها نذير الموات مع الحديد والصلب والصهر والطرق وذرات كربون وغبار أسمنت معلقة في الفضاء وأسياخ الأفران ودرن الرئات‏..‏في زمانه وزمان حلوان رمح الأمير الصغير في حدائق قصر والده لتسوقه قدماه إلي حظائر الخيل فيثب بينها لاهيا يمسح علي رؤوسها ويدور من حولها ويتأرجح مع أذيالها فإذا بجواد ملول يترفع عن اللعب مع الصغار يزيحه بركلة تلقيه أرضا بعدما شجت جبينه فيحمل لوالده والدم يغطي وجهه الباكي البريء‏,‏ وقبل أن يغشي الأب الأسي علي ابنه طافت بخاطره ذكري ألقت علي وجهه راحة كبري ليزف لزوجته سبب البشري‏:‏ أبشري يا أم عاصم لقد تحققت نبوءة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في ابننا الحبيب بهذه الدماء‏..‏ وكانت بداية النبوءة عندما كان ابن الخطاب يطوف ليلا في طرقات المدينة لعل هناك جائعا أو مريضا أو مقهورا في حاجة لمعونة‏,‏ وعندما أرهقه الطواف لاذ بحائط دار فقيرة فترامي لأذنيه حوار بين أم وابنتها حول اللبن الشحيح الذي جاد به ضرع عنزتهما العجفاء‏,‏ وكانت الأم تدعو ابنتها لتخلط اللبن بالماء ليفي ثمنه بحاجاتهما‏:‏ يا بنية امزقي اللبن بالماء‏..‏ وتجيبها الابنة‏:‏ كيف أمزق وأمير المؤمنين نهي عنه‏!..‏فتعود الأم‏:‏ إن أمير المؤمنين لا يرانا الآن‏..‏ امزقي‏..‏ وتجيبها الابنة‏:‏ إن كان أمير المؤمنين لا يرانا فرب أمير المؤمنين يرانا‏..‏ و‏..‏ عاد أمير المؤمنين لداره ليدعو عاصم ابنه موجها نصيحته‏:‏ اذهب فتزوج الابنة فما أراها إلا مباركة ولعلها تلد رجلا يسود العرب‏..‏ وتزوج عاصم الفتاة لتلد له ليلي وكنيتها أم عاصم التي تزوجت بدورها عبدالعزيز بن مروان لتلد له عمر بن عبدالعزيز‏,‏ وتكتمل النبوءة عندما يري أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رؤيا نهض منها ليسأل قبل أن يأتي الحفيد بأربعين عاما‏:‏ من هذا الأشج من بني أمية؟ ومن ولد يسمي عمر يسير بسيرة عمر ويملأ الدنيا عدلا؟‏!!..‏ و‏..‏ تركل الفرس جبين الموعود فيشج ليتذكر والده نبوءة الجد فيهتف غبطة‏:‏ إن تكن أشج بني أمية‏,‏ إنك إذن لسعيد‏!!‏ابن الرفاهية والنعيم جميل الطلعة أبيض البشرة نحيل القوام مسدل الشعر علي الأكتاف‏,‏ من كان إذا سار هب عبق المسك يعلن قدومه‏,‏ ويطبع بخاتمه فيفوح موضعه العنبر‏,‏ ويشتري الثوب الثمين ليرتديه مرة واحدة‏,‏ وفي اليوم الواحد يغير حلتين‏,‏ ويسبل إزاره حتي يكاد يتعثر بذيله الهفهاف‏,‏ وربما دخل نعله فيه فيشقه فلا يخلع النعل‏,‏ ويسقط أحد شقي ردائه عن منكبه فلا يرفعه‏,‏ ويمشي مشية متأنقة متبخترة يحسده عليها الطاووس سميت باسمه المشية العمرية التي أصبحت من آيات الأناقة لدي الرجال والنساء ــ تلك المشية التي لم يستطع تركها بعد زهده حتي يقول لغلامه مزاحم‏:‏ ذكرني إذا ما رأيتني أمشي بها لأقومها‏..‏ لكنه لم يكن يستطيع إلا الرجوع إليها بلا عمد ــوكان ركبه في السفر أربعين جملا تحمل متاعه من الكتب وأفخر الثياب وأطيب الطعام والشراب‏..‏ ركب يغادر مصر إلي المدينة بالغلام ليدرس بها ويتفقه وهي يومئذ منارة للعلم ومجتمع يموج بالنبوغ الإنساني في فنون الشعر والعزف والغناء‏,‏ ويستجيب لرغبة والده في أن يدرس إلي واحد من كبار فقهائها صالح بن كيسان‏,‏ وحدث أن تأخر عمر عن صلاة إحدي الفرائض مع المصلين بمسجد الرسول فسأله بن كيسان عن سبب تأخره فأجاب الغلام في صدق‏:‏ كانت مرجلتي ــ ماشطتي ــ تمشط شعري فقال أستاذه في عتاب‏:‏ أو تقدم تصفيف شعرك علي الصلاة؟‏!!..‏ ولأن الأب عبدالعزيز بن مروان حاكم مصر قد أوصي بن كيسان بالكتابة الدائمة له عن آخر أخبار ولده فأرسل إليه بهذه الواقعة ليأتي أمر عبدالعزيز للابن عمر بأن يحلق شعره جميعه‏!..‏في شباب عمر كشف نزوعه الفني عن موهبة أصيلة في الغناء والتلحين‏,‏ ولو احترف عمر صاحب الصوت العذب الشجي لبذ بصوته أساطين الغناء‏,‏ ولو مضي في التلحين لنافس أقطابه‏,‏ ويسبق الموهبتين لدي عمر بن عبدالعزيز ولعه بالشعر‏,‏ يقبل عليه حافظا متذوقا ناقدا‏,‏وهو الذي وضع لحنا آسرا للأبيات التي تغني بها ابن سريج عميد الغناء بالحجاز‏:‏عـــلق القــلب سـعـــادا عـادت القـلب‏,‏ فعـاداكــلمـا عـــوتب فـيهـــــا أو نهي عنها تمــاديوهو مشغوف بسعدي قد عصي فيها وزاداورغم استمتاعه باللحن الأصيل وصوته الندي الشجي لم يرخ عمر العنان لموهبته واستمتاعه‏,‏ فقد كان صوت التقي يعلو بداخله دوما ليظل ينصح ابن سريج لله در هذا الصوت لو كان بالقرآن‏..‏ ويتولي عمر إمارة المدينة في عهد الوليد بن عبدالملك لتغدو من عاداته تفقد أحوال الرعية تحت جنح الليل كما كان يصنع جده عمر بن الخطاب‏,‏ وعرف من خلال جولاته ليالي أنس خلف الأبواب المغلقة داخل البيوت فلم يعرض لأصحابها وقال للشرطة من حوله‏:‏ ما ضمت عليه البيوت فلا شأن لكم به‏..‏ وحرج عليهم أن ينتهكوا حرمة بيت أو يفضحوا أهله‏..‏وكان أن اشتهرت في المدينة جارية لها أجمل الأصوات فجاء أحد أثرياء العراق لشرائها فوجدها عند القاضي الذي سأله عن سبب تحمل كل تلك المشقة إليها؟ فقال لأنها تغني فتجيد الغناء‏..‏ ولما لم يكن القاضي علي علم بموهبتها طلب منها الغناء فغنت فانتشي واستخفه الطرب حتي جثا علي ركبتيه زاحفا ككبش يريد الذبح في الحج فداء لها طالبا منها ألا تكف عن الغناء ولتفعل به ما تشاء‏..‏ وكان طبيعيا أن قام بصرف طالب الشراء الذي ذهب إلي عمر أمير المدينة ليروي له ما كان من أمر القاضي فقال عمر‏:‏ قاتله الله لقد استعبده الطرب وقام بعزله من منصبه‏,‏ فلما علم القاضي بعقابه قال‏:‏ لو سمعها عمر لقال ما لم يقله وربما ما قلته أنا‏..‏ فلما بلغ ذلك عمر أرسل إلي القاضي والجارية‏,‏ فسأله عما قاله فعاد يردده مؤكدا‏:‏ كل نسائي طالقات إن لم يحدث هذا‏..‏فأمر عمر الجارية بالغناء فأتي شدوها‏:‏كأن لم يكن بين الحجون إلي الصفاأنيس ولم يسمر بمكة ساحربلي‏,‏ نحن كنا أهلها فأبادناصروف الليالي والجدود العواثرفطرب عمر واستعادها مرات وقد فاضت دموعه وعذر القاضي وأعاده إلي منصبه‏...‏ وأيا تذهب مواهب عمر وتحلق فإن لفضائله ولدينه الكلمة الأخيرة‏,‏ فمع ولعه بالشعر نراه يعزف عزوفا نبيلا عن كل ما فيه من إسفاف حتي إنه عندما يغدو واليا للمدينة يخرج منها عمر بن أبي ربيعة لما كان يزخر به شعره من مجون واستخفاف بالحرمات‏,‏ وربما ترسب في أعماق عمر ما كان من تعرض ابن ربيعة لفاطمة بنت عبدالملك بن مروان قبل زواجه منها‏,‏ حيث كان يدور من حولها في موسم الحج معجبا ولا يذكر اسمها خوفا من أبيها الخليفة فلما ارتحلت قال فيها‏:‏كدت يوم الرحيل أقضي حياتيليتني مت قبل يوم الرحيللا أطيق الكلام من شدة الخوفودمعي يسيل كل مسيل‏!‏وتمر الأيام ولا يدخل علي عمر بن عبدالعزيز في خلافته إلا الفقهاء والعلماء والزهاد وأصحاب الحاجات‏,‏ ويقف الشعراء ببابه ولا يأذن لهم‏,‏ وقدم جرير فأطال الوقوف بالباب وعمر لا يأذن له حتي شفع له عالم زاهد فأذن له لينشد قصيدة طويلة جاء فيها‏:‏إنا لنرجو إذا ما الغيث أخلفنامن الخليفة ما نرجو من المطرهذي الأرامل قد قضيت حاجتهافمن لحاجة هذا الأرمل الذكر؟فأشفق عمر علي جرير وسأله حاجته فقال‏:‏ ما عودتني عليه الخلفاء من قبلك يا أمير المؤمنين قال‏:‏ وما ذلك؟‏..‏ قال‏:‏ أربعة آلاف دينار وتوابعها من الحملان والمطايا والكسوة قال‏:‏ أربعة آلاف؟‏!!‏ إنها لتكفي حاجة أربعمائة بيت من بيوت المسلمين وأعطاه من ماله الخاص أربعة دنانير‏!!‏في الخامسة والعشرين أولاه الخليفة الوليد بن عبدالملك إمارة المدينة ومكة والطائف لتكون أولي حسناته فيها عقده مجلسا للشوري من عشرة من كبار الفقهاء أصحاب العلم والمعرفة لا أصحاب المال والنسب‏,‏ وبعدها لم يقطع أبدا بأمر إلا بعد مشورة العشرة‏,‏ ويقبل علي الإصلاح بإطلاق السجناء من أصحاب الآراء المعارضة بمنهاج‏:‏ متي استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا‏..‏ ويعين للقضاء العالم الورع أبوبكر بن حزم متوجا قراره بدستور يقضي بأنه لا ينبغي للمرء أن يكون قاضيا حتي تكون فيه خمس خصال‏:‏ أن يكون عالما مستشيرا لأهل العلم‏,‏ ملقيا للطمع‏,‏ منصفا للخصم‏,‏ مقتديا بالأئمة‏....‏وأراد الخليفة أمير المؤمنين الوليد في دمشق إعادة تعمير المدينة فدعا عمر مجلس شوراه ليقرأ عليهم كتاب الوليد الذي أمره فيه أن يدخل في المسجد حجرات أزواج الرسول‏,‏ وأن يشتري ما حول المسجد من مبان ليهدمها ويضمها إلي مساحة المسجد ليكون مربعا مائتي ذراع في مائتي ذراع‏..‏ ويرسل عمر للوليد ينقل إليه أن الناس يؤثرون إبقاء حجرات أمهات المؤمنين كما تركها الرسول فيرد الوليد أن يفعل ما أمره به‏,‏ فباع أصحاب المباني المجاورة للمسجد مبانيهم وأخذوا أثمانها وكانوا يبكون كلما رأوا الهدم‏,‏ وأرسل الوليد إلي ملك الروم يخبره بتعمير المسجد النبوي طالبا منه إمدادا بمعماريين مهرة‏,‏فأرسل إليه بمائة منهم‏,‏ ومعهم حمل أربعين بعيرا من الفسيفساء ليزين بها أرض المسجد‏,‏ ومائة ألف مثقال من الذهب هدية من ملك الروم إلي ملك المسلمين لتوسيع المسجد النبوي‏..‏ ويذهب الوليد بعدها للحج فلما أتي المدينة لم يجد الاستقبال كما توقع فالناس تغشاهم كآبة لأنه أمر بتوسيع المسجد النبوي من ناحية القبلة وسائر نواحيه وأمر بضم حجرات أمهات المؤمنين إليه‏..‏ ولولا شوري عمر لأذعن الناس في رأيه للأمر صاغرين كما كانوا علي عهد أبيه عبدالملك الذي ما كان يسمح لأحد بأن يراجعه‏,‏ ولقد أنذر الناس أن يقطع رقبة من يقول له اتق الله‏..‏ عمر في رأيه قد زلزل هيبة الملك حتي تجرأ مجلس شوراه علي نكران ما صنعه بالمسجد النبوي الشريف بمواجهته بقولهم‏:‏ أنت تجعل بنيان المسجد عاليا شاهقا باذخا‏,‏ولكن الحجرات قصيرة السقوف‏,‏ وسقوفها من جريد النخل‏,‏ وحيطانها من اللبن‏,‏ وتركها علي حالها كان أولي‏,‏ لينظر الحجاج إلي بيوت النبي عليه الصلاة والسلام فيعتبروا ويكون ذلك أدعي للزهد في الدنيا‏..‏ و‏..‏ ويوغر الحجاج بن يوسف الثقفي ــ عدو عمر التليد ــ صدر الوليد ليعزل ابن عمه عمر ليولي مكانه عثمان بن حيان للمدينة وخالد بن عبدالله القسري لمكة وذلك بترشيح من الحجاج ليعلق عمر علي ذلك بقوله‏:‏ الحجاج علي العراق‏,‏ وأخوه محمد باليمن‏,‏ وخالد القسري بمكة‏,‏ وقرة بن شريك علي مصر‏,‏ و الوليد بالشام‏!!‏ امتلأت بلاد الله جورا وظلما‏!!..‏وأدرك عمر أن الوليد عندما استدعاه بحجة أن يكون وزيرا بجانبه في دمشق إنما عزله ليبقيه تحت رقابته وعيون الحجاج الطاغية الذي بلغ في سجونه بالعراق وقتها مائة ألف سجين‏,‏ والذي لن تنسي المدينة المنورة أنه سماها الخبيثة‏,‏ والرسول سماها الطيبة‏,‏ ولأنه حين حكم المدينة أخافها‏,‏ وحين رحل عنها أهانها‏,‏ وفي الحديث الشريف‏:‏ من أخاف المدينة أخافه الله‏..‏ وهو الذي دخل المدينة غازيا بعد أن ذبح عبدالله بن الزبير وأرسل برأسه لعبدالملك وختم أيدي من بقي فيها من الصحابة بالرصاص وكان فيهم أنس بن مالك‏,‏ ودمر بجيوشه البيت الحرام‏.‏ويهتف أحد العلماء‏:‏ ليت أهل العراق يثورون عليه ويقتلونه‏!‏ فيقول عمر‏:‏ إن للحجاج عقوبة من الله‏,‏ فلا تتعجلوا عقوبة الله بالسيف‏...‏ ويأتي بريد العراق بخبر موت الحجاج وإذ سمع عمر النبأ سجد لله شكرا وصلي ركعتين‏..‏ ويقبل أهل الشام يعزون الوليد في الحجاج فتخلف عمر فسخط عليه الوليد ليلومه‏:‏ مامنعك يا عمر أن تعزيني في الحجاج كما عزاني الناس؟ ورأي عمر أن يصطنع الحيلة في الرد علي من في وجهه نية الفتك‏:‏ إنما الحجاج منا أهل بيت ونحن نعزي به ولا نعزي فاستراح الوليد قائلا‏:‏ صدقت‏!!‏وتأتيه الخلافة بكتاب سليمان أمير المؤمنين‏:‏ من عبدالله سليمان أمير المؤمنين لعمر بن عبدالعزيز‏,‏ إني وليته الخلافة من بعدي ومن بعده يزيد بن عبدالملك‏,‏ فاسمعوا له وأطيعوا واتقوا الله ولا تختلفوا فيطمع فيكم‏..‏ ويدخل عمر المسجد فإذا هو غاص بحشود الوافدين فرآها فرصة للخلاص من المنصب الكبير قبل أن يتشبث بكاهله‏,‏ فصعد المنبر وخطب في الناس‏:‏ أما بعد‏,‏ فقد ابتليت بهذا الأمر علي غير رأي مني فيه‏,‏ وعلي غير مشورة من المسلمين‏,‏ وإني أخلع بيعة من بايعني‏,‏ فاختاروا لأنفسكم‏..‏ولم يكد يفرغ حتي اهتز المسجد بدمدمة الاعتراض‏:‏ بل إياك نختار يا أمير المؤمنين‏..‏ ويكتب المؤرخون عبارة هي الخلاصة لمفهوم خلافته‏:‏ بويع عمر بن عبدالعزيز فقعد للناس علي الأرض‏..‏ بمعني الخضوع المطلق لحقوق الناس الذين يلي الخليفة أمرهم ويحمل مسئولية مصائرهم فإنه بمكانه هذا يكون بين أيديهم وليسوا هم الذين بين يديه‏..‏ قعد علي الأرض زاهدا في فراش الملك إلي الحصير ليهدم كل ما للسلطة من بذخ واستعلاء ولينزلها عن عرش الصلف والكبرياء إلي أرض البساطة والرحمة‏..‏ويناديه رجل‏:‏ يا خليفة الله في الأرض فيرد عمر‏:‏ صه‏..‏ إني لما ولدت اختار لي أهلي اسما فسموني عمر فلو ناديتني‏:‏ يا عمر أجبتك‏,‏ فلما كبرت اخترت لنفسي كنية أبي الحفص‏,‏ فلو ناديتني‏:‏ يا أبا الحفص أجبتك‏,‏ فلما وليتموني أموركم سميتموني أمير المؤمنين فلو ناديتني‏:‏ يا أمير المؤمنين أجبتك‏..‏ وأما خليفة الله في الأرض فلست كذلك ولكن خلفاء الله في الأرض داوود النبي عليه السلام فقد قال تبارك وتعالي يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض‏.‏ربيب الملك وحفيد المجد وابن القصور الناعمة والمباهج الغامرة لم يستغرق انقلابه الروحي الهائل المفاجئ سنين ولا شهورا بل جاء ابن اللحظة التي اختير فيها أميرا للمؤمنين‏..‏ ولم يكن وراء الانقلاب يأس من غاية أرهقت طموحه‏,‏ ولا هزيمة في الحياة راح يلتمس عوضا عنها‏,‏ ولا رد فعل لإفراط في شهوات النفس‏,‏ ولا نوبة تقي دفعت به إلي صوامع العابدين‏,‏ ولا نزعة تشاؤم تري العدم وراء الأشياء فتلوذ بصيحة اللامبالاة‏:‏ الكل باطل‏..‏ تنازل عن كل شيء‏..‏ عن ثروته حتي ولي الخلافة وكانت أربعين ألف دينار سنويا‏,‏ وأرضه التي يملكها وجواريه وقصوره وماله وثيابه حتي فص الخاتم في يده رده إلي بيت المال قائلا عنه‏:‏ أعطانيه الوليد من غير حقه‏..‏وبقيت له قطعة أرض صغيرة اشتراها بحر ماله لا تعطي أكثر من مائتي دينار في العام لحاكم أعظم وأكبر وأغني إمبراطوريات عصره يعيش بها هو وأسرته طوال العام وعرضه‏..‏ ويسرج شمعة من المال العام يقضي علي نورها حوائج المسلمين فإذا فرغ أطفأها ليقضي حوائجه علي سراجه‏...‏ يرفض الجزية علي الذين أسلموا من أهل البلاد المفتوحة ويخففها عن غير المسلمين مطلقا صيحته‏:‏ إنما بعث محمد هاديا لا جابيا‏..‏ يصدر أوامره الصارمة الحازمة إلي الولاة في كل الأمصار‏:‏ لا تهدموا كنيسة‏,‏ ولا تزيلوا معبدا‏..‏ يمنع التعذيب للحصول علي الاعتراف قائلا‏:‏ لأن ألقي الله بمعاصيهم خير من أن ألقاه بدمائهم‏!..‏يكتب لكل عماله في البلاد‏:‏ لابد لكل رجل من مسكن يأوي إليه‏,‏ وخادم يكفيه‏,‏ وفرس يجاهد عليه‏,‏ وأثاث في بيته‏,‏ فإذا كان غارما‏(‏ مدينا‏)‏ فاقضوا عنه ما عليه‏..‏ وهو الذي اشتهي التفاح فأتاه هدية فرده فلما قالوا له‏:‏ النبي قبل الهدية أجاب‏:‏ هي له هدية ولنا رشوة‏..‏ وهو الذي ردد قول الرسول عليه الصلاة والسلام‏:‏ لا تنظروا إلي صيام أحد ولا صلاته‏,‏ ولكن انظروا إلي صدق حديثه إذا حدث وأمانته إذا اؤتمن‏,‏ وإلي ورعه‏..‏ وهو الذي قال‏:‏ يهدم الإسلام زلة عالم‏,‏ وجدال منافق في القرآن‏,‏ وأئمة مضلون‏,‏ وهو الذي أمر بجمع الأحاديث والسنة بعدما رأي اختفاء بعض الأحاديث الصحاح واندثارها بموت حفاظها وشيوع بعض الأحاديث المنحولة‏,‏ وشجع آل البيت علي تدوينها وإظهارها قائلا‏:‏ إن أوثق الأحاديث هي ما رواه زين العابدين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عن أبيه عن جده عن النبي عليه الصلاة والسلام ويرسل عمر إلي علماء التدوين يذكرهم بالحديث الشريف الذي اختفي‏:‏ عدل ساعة في حكومة خير من عبادة ستين سنة‏..‏وهو الذي أبطل سب آل البيت علي المنابر‏..‏ و‏..‏يمنع الحراس السير بين يديه وأن يقوموا له حين يطلع عليهم‏,‏ ويكتب إلي والي مصر‏:‏ بلغني أن بمصر إبلا نقالات يحمل علي البعير منها ألف رطل‏,‏ فإذا أتاك كتابي هذا فلا أعرفن أنه يحمل علي البعير أكثر من ستمائة رطل‏..‏ وتفيض الأموال وينصلح الحال ويدور المنادون في كل مكان في الحضر والبادية لينادوا في الناس‏:‏ أيها الغارمون‏(‏ المدينون‏)‏؟ أين من يريدون الزواج؟ أين المساكين؟ أين اليتامي؟ ويخرج الأغنياء بزكاة أموالهم فلا يجدون فقيرا يأخذها‏,‏ وحتي المولود له راتبه وعطاؤه بمجرد ولادته وليس بعد فطامه حتي لا تتعجل الأمهات فطام الرضع فيتعثر نموهم وتخور قواهم‏,‏ وكفل عمر علي حساب الدولة لكل مريض خادما ولكل أعمي من يقوده‏..‏ وحتي الخوارج جادلهم بالتي هي أحسن ليقول له رسولهم‏:‏ أشهد أنك علي حق وأنني بريء ممن خالفك‏..‏ و‏..‏ تشاركه زوجه فاطمة التقشف الذي فرضه علي نفسه وبيته وترتعد أوصالها من الجوع والصقيع قائلة‏:‏ ياليت كان بيننا وبين الخلافة بعد المشرقين‏..‏فوالله ما رأينا سرورا قد أدخلته علينا‏!!..‏ وإذا ما كانت الشهور التسعة والعشرون التي عاشها عمر بن عبدالعزيز خليفة تعتبر بالنسبة للتاريخ الإنساني كله بمثابة لحظة فإنها اللحظة التي أعطت للإنسانية ما تستطيع الإرادة أن تحققه من عدل إذا ما جعلت الله رقيبا‏..‏خشي بنو أمية أن يترك عمر الأمر شوري بعده فيخرج الملك من أيديهم فدسوا له السم الزعاف ليفيق من نوبات الألم يلتمس مرأي أقرب الناس إليه ليهونوا عليه‏,‏ فسأل عن ابنه عبدالملك فوجده يحتضر‏,‏ وعن أخيه سهل ومولاه مزاحم فعلم أنهما انتقلا إلي رحمة الله‏..‏ فمن يعينه بعدهم علي ما ابتلاه الله به؟‏!!!..‏ فاضت عيناه بالدمع إشفاقا علي نفسه من ثقل الأمانة التي يحملها والتي عرضت علي السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها‏..‏ راح يسابق المنية في إنجاز ما يستطيع إنجازه‏,‏ فحياته علي جناح طائر ولن يلبث بين الناس إلا قليلا وعليه أن يملأ اللحظة العابرة بجهاد أعوام ثقال‏..‏ وأرسل للأغنياء لرعاية الفقراء حتي يأتي خراج البلاد البعيدة فتثاقلوا عنه بل وطالبوا لأنفسهم بمزيد من الأموال‏,‏ والفقراء ياعمر يلحون شاكين‏..‏وتغدو ابتهالاته‏:‏ اللهم اقبضني إليك غير مضيع ولا مفرط‏,‏ ويرسل في طلب عبدالله بن أبي زكريا الشيخ المستجاب الدعاء يسأله في إلحاح أن ادعو الله أن يميتني‏,‏ ويشتري قطعة أرض بدير سمعان تكون لجسده مثوي فينصحه الأصفياء إذهب إلي المدينة فإن أدركك الموت بها دفنت مع الرسول وصاحبيه فيأتي رده حاسما‏:‏ ومن أنا لأكون أهلا لهذا المقام‏..‏ ويشتد المرض وتتحول ملايين أمته إلي أطفال يوشك اليتم أن يدركهم حين يفقدون الأب الراعي الحنون الذي تفوح سيرته العطرة خارج أمته كالعبير حتي إمبراطور الروم يرسل كبير أساقفته‏,‏ وكان بالطب خبيرا‏,‏ راجيا منه صنع المستحيل لإنقاذ الخليفة العادل والقديس الجليل‏..‏ لكن السم كان قد سري في بدن ينتظر النداء بلهفة مشتاق‏,‏ فنادي علي زوجته الوفية وأولاده الاثني عشر بنتا وولدا جاءوه في ثياب خشنة وقد زايلت وجوههم الشاحبة نضرة النعيم من سنين‏..‏جلسوا يحيطون به فيعانقهم بنظراته الحانية يغالب دموعه فتغلبه فيواريها وراء كلمات يودع بها أعز الأحباب‏:‏ إن أباكم قد خير بين أمرين‏..‏ أن تستغنوا ويدخل النار أو تفتقروا ويدخل الجنة‏,‏ فاختار الجنة وآثر أن يترككم بين يدي الرحمن وهو يتولي الصالحين‏..‏ وبينما هم ينصرفون من المشهد الجليل لمحوه يحرك كفيه إشارة ترحيب لاستقبال ضيوفه القادمين‏..‏ ملائكة جاءت تصحب خامس الخلفاء الراشدين‏:‏ أبوبكر وعمر وعثمان وعلي و‏..‏عمر بن عبدالعزيز‏..‏ ملائكة الرحمة تواكبه في رحلة الفردوس‏..‏ ويسمعه الذين خارج غرفته يردد الآية الكريمة تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا‏,‏ والعاقبة للمتقين‏..‏ ومال رأسه فوق وسادة حشوها ليف مغمضا عينين لم تغمضا عن حق لله ولا حق للناس‏..‏ وعاد المسافر إلي داره‏..‏ عاد مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين‏..‏و‏..‏وكانت أخبار صلاحه قد ترامت للرعاة في رؤوس الجبال البعيدة فكانوا يتساءلون منذ ولي عمر‏:‏ من هذا العبد الصالح الذي قام علي رأس الناس؟ فقيل لهم‏:‏ وما أعلمكم به؟ قالوا‏:‏ علمنا من سالف الزمان أنه إذا قام علي رأس الناس خليفة عدل كفت الذئاب عن شياهنا‏..‏ وعادت الذئاب تشرع الأنياب وشكا الرعاة في الوديان الفسيحة وعلي رؤوس الجبال البعيدة سطوة الافتراس بلا رحمة بعد أن ظلت نحو عامين ونصف وما من ذئب واحد يفتك بشاة واحدة‏..‏ فعلم الرعاة أن إمام العدل مات‏!..

الخميس، 27 أغسطس 2009

مطلوب رئيس ..بقلم عبدالعظيم مناف

يقول ديجول:
( لا يمكن إنجاز عمل كبير بدون رجال كبار، وقد كانوا كذلك لأنهم أرادوه لأنفسهم).
ويقول «نيتشه»:
( إذا أردت فقد نجحت).
ويقول «الكواكبي»، وكان من المفترض أن يكون أول كلام هذا المقال باعتباره عربيا، لكن المقولة ثقيلة في الاستهلال فهو يقول:
( المستبد يود أن تكون رعيته بقرا تحلب وكلاباً تتذلل وتتملق).
ويقول أيضاً:
( المستبد عدو للحق.. وعدو للحرية وقاتلها).
تلك مقولات أربع مقدمة لـ «الجمهورية الرابعة» وفسادها الذي يملأ أركان الدنيا الأربعة.
عقب مصيبة مقتل الرئيس، وتنصيب النائب رئيساً، ورغم أن الأخير شارك الأول في قرار اختطاف أو سجن 1536 مواطناً شمل كل أقطاب المعارضة وكانت لجنة كارثة الثالث من سبتمبر 1981 أربعة أيضا،ً من بينهم النائب الذي نُصّب عقب المصيبة رئيساً.
رغم أن رئيس المكان الشاغر أو الظرف الطارئ شارك في القرار فإنه - وربما بنصيحة - وفي أواخر نوفمبر/ تشرين الثاني 1981 اختار عددًا من قيادات المعارضة وأفرج عنهم ثم استقبلهم في قصر الرئاسة، وتفاءل الجميع بالخطوة واعتز باللحظة قراراً واستقبالاً، من شملهم الإفراج ومن لم يشملهم، ذوو المختطفين- أو المتحفظ عليهم- أوعامة الشعب.
كانت أسماء المتاجرين في عهد الرئيس السادات قبل اغتياله المعروفين للناس أبرزهم (رشاد. عصمت. توفيق) الأخير للتنمية استورد طيورا جارحة، والأول استأمنه السادات علي الإسكندرية في التلفاز، والأوسط اتهم باستغلال النفوذ تربحاً وتنفذاً وجمده النائب بعد التنصيب عقب مصيبة مقتل رئيسه، وهرب الأخير، وكمن الأول كمونا مؤقتاً ثم ظهر مع مجموعة (روما لمن يدفع) أو (دعه يدفع- دعه يفسد- دعه يهرب). ثالوث جمهورية الدفع الرباعي لـ «الجمهورية الرابعة» وسيط الجهات الأربع.
أما «النوباتجية الثانية» من مرحلة ردة «مايو» علي ثورة يوليو فإليك بعض المتنفذين حول رئيسهم. ندماء في المنتجع مثل قرصان أنبوب غاز التطبيع، أو شركاء أراضي «البوغاز» سمسار الأرخبيل. عدو النيل ابراهام، والمغربي والزوربا وخميس وأبونصير ومنصور- أولاد الخالة- وأبوعينين ولجنتين، و«بسه» السعد والريان مافيا الأموال التي تفجرت مشكلتها في عام انفجارغضب قوات الأمن المركزي عام 1986 ومشروعات «توشكي» و«أبوطرطور» وشرق التفريعة» وضباع «الضبعة» وذئاب «القلعة» وقراصنة «القرصاية».
ومن المراجل إلي المناجم، ومن أرض «الميريديان» إلي أرض القلعة وفتح القصر ليصل القلعة بالضبعة.
في الأزمة المفتعلة بين «عز» قفاز اللص الحقيقي و«رشيد» جليس الجاني الحقيقي، وفي جلسة امتدت حتي الرابعة صباحاً في باريس- عشق رئيسهم- حيث كان الغاضب «رشيد» مبعوثاً من رئيسه إلي «فرنسا» لترتيب زيارة الأخير إلي «باريس» لحضور قمة «من أجل المتوسط» التي ستنعقد في 13 الجاري.
في الجلسة الممتدة في «باريس» حتي الرابعة صباحاً- كما نشرت الصحف- نصح وزير سابق قيل إنه مغضوب عليه، ثم ظهر نشاطه في قصر الرئاسة عقب خروجه من الوزارة- نصح الأخير الوزير «رشيد» أن يدخل مستشفي فرنسيا بدعوي إجراء فحوص حتي يهدأ غبار أو«زوبعة» عز، وذلك عقب غضب رشيد لانتصار ولي العهد لعز مسئول قطاع الحديد.
ومع أن رشيد ليس اشتراكياً يترصد «الأراجوز» الماسك بخصر عز ليؤدي دور المضحك. فأن أنصبة قراصنة المافيا في الصفقة والسلعة والنسبة يحددها القرصان الكبير. وليس عز ورشيد ونظيف فما هؤلاء إلا خطوط تليفون للاتصال أو أسلاك حديد للوُصَل أو أغلفة تعليب للتوصيل.
في عهد السادات كانوا ثلاثة «رشاد. عصمت. توفيق» وفقط هم الذين يعرفهم عصر الرئيس قبل تنصيب النائب عقب المصيبة، والآن انظر حولك أيها القارئ الكريم. ليس السعد والريان وعز ومني وهدي ورشيد وأبوعينين ومصطفي وأبونصير ونظيف وهاني وسرور وممدوح- لاحظ الأسماء تماما كما «رشاد وتوفيق وعصمت» كلها بغير مدلول.
ورغم أن الثلاثة في عهد السادات «رشاد وتوفيق وعصمت» أصبحوا آلافاً في عهد نائبه بعد أن أصبح رئيساً، وكذلك أصحاب الآلاف أصبحوا أصحاب مليارات وكلها من دم الشعب. فكيف لشخص مثل عز أو غيره لبس جلد أسد علي قلب جرذ يمكن أن يمتلك ثروة تفوق أربعين ملياراً؟! وسواء كان مجرد أمين خزانة. أو أمين مخازن. أو أمين تنظيم أو خلافه، فقد تابع القارئ الكريم ما نشرته صحيفة الدستور عن الحوار الخاص بإنفاق عز ثلاثمائة مليون جنيه علي الحزب، ورد عليه الدكتور «زكريا عزمي» بأنه استردها ثلاثة مليارات عوائد ومكاسب، وفي عصر الردة كان أيضاً «توفيق» وطيوره الجارحة وأكذوبة التنمية الشعبية أكواخًا منتشرة تشوه ميادين القاهرة وتوزع السموم أغذية فاسدة، وتملأ المستشفيات بالضحايا المسممة، وفي عهد النائب بعد أن أصبح رئيساً نُصّب عقب مصيبة رئيسه أصبح القتلي بالدم والدور والدوار براً- دم ملوث- وبحراً- عبارات وهجرة بحثاً عن عمل وجواً طائرات تُسقُط أو تَسقَط. وعن مافيا الصحة والدم الملوث ومقاول العبارة والعمارة وخلافه حدث ولا حرج. فهل ما كان في عهد السادات يقاس إذا استحضرت كوارث عصر النائب بعد التنصيب عقب مصيبة؟
ومع إدانة ما حدث منذ 1971 ـ وحتي الآن باستثناء العبور العظيم والنصر المجيد ـ يختلف عز ورشيد ويتدخل خدام الحرامين من أمثال «إبراهام سليمان» سمسار الأرخبيل، عدو النيل لينصح أو يهدئ رشيد في باريس هو وقطعان من قُطَّاع الأعمال شعبة رشيد. أو جناح الحديد. أو عسس الـ «سي. دي» أو «نظيف» علي «رشيد» حتي في باريس.
سواء اختلف أو اتفق عز ورشيد. أو رشيد ونظيف. أو عائد إلي الإسكان مطبل الطبالي بدلاً من لص أرض التحرير هل ستنخفض أسعار السلع ومنها الحديد أو الحرير؟ أو يتوقف نهب بنك القاهرة وعمر أفندي أو أرض العياط لحساب سعودي أو كويتي؟ وهل تعود أموال المسبوكات والمراجل ويحبس عبيد؟ وهل يعاد النظر في عقود «أكور» والغاز وسالم والمغربي ومنصور أو غيرهم؟ وهل سيعود ضحايا العبّارة أو الطائرة أو الهجرة أو العمارات الساقطة بفساد المحليات وانحراف الفسدة اختيار حكم الفساد والاستبداد والعناد الذين يفاخر رأسه بأنه يحمل دكتوراه في العناد، وهل كان مشرف رسالة نيل الدكتوراه هو المعتوه الغشوم الإرهابي الصهيوني «بوش الصغير»؟
هل تراجع عدد الخونة أو اختفي أو رد السرقة أحد اللصوص؟ انظر حولك بين هارب ومبرأ من حافظ إلي الغريب وأشباههما، ومن هارب إلي مهرب، ومن مختف إلي مخفي مثل ابراهام سمسار عائلة إغلاق الصحف. وبعض الرؤساء كبعض الهواتف منها الثابت الذي توضع فيها «العملة» فتعطي «الحرارة» تعطي «العمولة» فيبدأ «العمل»، ومنها «النقال» يتقاضي «المقابل» وسيط المتعامل» أو سمسار القرار.
سواء اتفق أو اختلف هؤلاء يظل أصل الداء. مصدر الوباء. وجذر البلاء. والقضية والإشكال والحل ليس عند عبيد أو نظيف أو عز أو رشيد.
عقب الإفراج عن الدفعة الأولي من المتحفظ عليهم، واستقبال «الجمهورية الرابعة» لهم رغم مشاركة رئيسها في قرار الثالث من سبتمبر 1981 الأربعة كما جاء في حوار النبوي إسماعيل وزير داخلية سبتمبر وأحد الأربعة، رغم أن «الجمهورية الرابعة» شاركت فقد أفرجت وهذا مطلوب ومحمود، لكن العواقب لم تكن بالمتوقع أو المأمول. فقد استدعت «النوباتجية الثانية» شخصية بارزة بعد مدة من استقبالها لبعض قيادات المعارضة للقاء ثنائي فاجأ الشخصية البارزة الفذة الفريدة.
في الطريق إلي المقابلة، وخلال المسافة ما بين المنزل واللقاء، ولحظات قطعتها السيارة والطائرة أخرج النابه البارز الفذ ورقة صغيرة سجل عليها أفكاره، ورتب أولوياته حسب ما يتيحه وقت اللقاء.
بدأ الراسل في طلب الرجل الحديث بأنه لم يكن يعرفه، وأول ما سمع عنه كان في قاعدة «أنشاص» الجوية حين كان الرئيس عبدالناصر يتحدث عنك، وسألت زميلي فور سماعي اسمك لأول مرة: مَنْ فلان؟ وقال «أشرحلك بعدما يخّلص الريس» وأشار إلي أن زميله لكزه في صدره «قالها باللهجة العامية الدارجة في مصر» حين سأله سؤاله، واستمر في الحوار لفترة ثم عرض خدماته علي الرجل المستدعي علي عجل، والذي لم يبلغ إلا قبل ساعات من الموعد عُبئت لها عناصر التاريخ وقتا، والجغرافيا أمكنة، والاتصالات بشرًا وهاتفًا وسيارة وطائرة.
وإزاء الرحلة، وربما لتخفيف الصدمة والفارق بين المظهر والمنجز كان لابد من كلمة لتأكيد الاعتبار، وتوصيل القرار حين يتعثر بالاحتباس -تجاهلا أو جهلا- الحوار.
قال العالم البارز. المَعْلَم الشامخ. العَلَم الوارف. المترفع الآثر -قال- لمستدعيه علي عجل. غير العارف بوقع المفرد علي المرهف «لم أكن أعرفك»!!
- سيادتك أعمالك كثيرة، واهتماماتك بعيدة، وأنا غير مشهور لديك أو قريب من مجالك. فطبيعي ألا تعرفني، واشكرك علي استقبالك ولك مشاغلك. أنا لست في حاجة إلي شيء، وحتي لو احتجت -ولا أعتقد- فإن حاجتي لا تشغلك فمسئولياتك أكبر، واهتماماتك أبعد.
كرر المستقبل عرض خدماته. لكن المستدعي كان قد استأذن واقفا كعادته قيمة وقامة وقمة وأذن له، ولم تكن الطائرة قد أخذت فاصلا كافيا بين الإقلاع والهبوط ثم الهبوط بعد إقلاع.
في العودة استمتع العالم المعلم العلم بحوار مفيد مع المرافق في رحلة الإياب بعد أن وقف علي حقيقة المعتاد، و«العادة أقوي من القانون»، كما يقال، ولا تكسب عادة في سن متأخرة وبالتالي فلا عائد من التفكير في إصلاح المستبد المعاند فهي ليست «زيد أو عبيد أو نظيف أو رشيد».
بعد العودة هاتف العالم العلم المَعْلَم كاتب السطور وحدد عقب صلاة العشاء موعد اللقاء ذات مساء.
ساعتها قال العالم المجرب المشارك في صنع المجد رأيه بوضوح: سيسوء الوضع ويزداد التردي حتي يحدث تغيير حقيقي وليس تبادل أدوار.
وحكي المناضل الكبير بعض ما حدث في واقعة الإفصاح عن عدم المعرفة بالشخصية، وتجاهل التعرف علي أفكار المجرب في الخروج من الجب. ولكن شيئا من ذلك لم يحدث ومعني ذلك أن إهدار الفرصة ربما يكون مصدر «حسرة.. أو ربما يصبح عادة تفرز كوارث وليس كارثة أو «جرسة»، وليس فقط «حسرة».
ويمضي الزمن وتأتي الفرص وتهدر. تماما كما أهدرت فرصة لقاء بزعيم مجرب. خاض معارك، وحسم قضايا، وحقق انجازا وعرف بمعجزة.
وبعد أكثر من ربع قرن ثبت صواب رأي ورؤية الرجل رحمه الله رحمة واسعة وكتب لمصر وأمتها، وطنا ومواطنا، السلامة من الندامة والجهالة والجهامة.
عقب نهاية السادات كان يمكن لأي حاكم -أي حاكم- أن يحقق شعبية واسعة. لكن نائبه بعد مصيبة اغتيال رئيسه وتنصيبه خمس دورات كلها غير شرعية قال معترفا في خطابه بمناسبة عيد العمال في 30 أبريل 1987:
(الشعب لازم يشارك في اختيار ممثليه. إذ كان الممثلين يكون نتيجة قلة قليلة اللي تعطي أصواتها لن يكون الممثلين حقيقة يمثلوا كل هؤلاء المواطنين، ولكن أنا عايز أقول ملاحظة في محافظاتنا، محافظة القاهرة الأصوات اللي فيها مليون وحوالي 200 ألف، القاهرة اللي قاعدين طول النهار أكبر استهلاك في الجمهورية، أكبر مصاريف تليفونات، كهرباء، مياه، مجاري، كباري، صحف، بنكتب في الصحف، وماشيين حالنا تمام تفتكروا كام واحد راح أعطي صوته من المليون و200 ألف «200 ألف»!!) «راجع ......».
وبفرض أن الجميع انتخبوا سيادته، فهل يحق للحزب رئيسا ومرءوسا أن يتحدث عن الأغلبية؟
لم تكن فرصة حل مشكلة العراق والكويت بدلا من تأزيمها. أو مشكلة احتلال الصهاينة بيروت كأول عاصمة عربية خلال الشهور الأولي لتسلم النائب موقع الرئيس الشاغر، ولم يكن قصف الصهاينة حمام الشط في تونس واغتيال الشهيد أبو جهاد، ولم يكن اغتيال الشهيد الكبير الشيخ أحمد ياسين، ولم يكن اجتياح القدس الشريف من قبل الإرهابي الصهيوني شارون، كل هذه لم تكن إلا فرصًا لإنهاء أو تجميد كامب ديفيد، ولم يكن اغتيال أبناء عرب مصر جندا أو مدنيين برصاص الصهاينة في سيناء إلا فرصة لإغلاق مستوطنة الصهاينة المسماة زورًا سفارة، تفصل بين «الجامع» والجامعة. مسجد صلاح الدين وجامعة القاهرة.
لم تكن الحرب من الانفصاليين «مراكسة المربد. مراقصة الجنادرية» بتمويل العائلة العلة ضد وحدة اليمن إلا فرصة لتأكيد الإيمان بالثورة بدلا من الردة عليها بالوقوف ضد الوحدة. أو فرصة لإثبات الوفاء لشهداء مصر وبقية أشقائهم العرب في اليمن.
لم يكن رفض أو إجهاض مؤامرة الكويت ضد العراق إلا فرصة أُهدرت بالذهاب إلي «حفر الباطل» أو الباطن لا فرق- وكذلك مؤامرة الكويز لحساب الشركاء سماسرة البيجو والبوينج. الحديد والحرير. الغاز والبوغاز. ثروة وأرضا.
لم يكن كل ذلك إلا إهدار فرص ظهرت بوادرها وأطلت من جحرها في لقاء عكس الفارق بين الثائر والطائر. وظل المنوال، لكن دوام المحتال من المحال.
ظلت لبنان شهورا بدون رئيس ولم يحدث شيء، وجاء رئيس ولم يتغير شيء. وهنا فإن المطلوب هو رئيس لا تكون «العملة» مصدر «الحرارة» كالهاتف أو البراد، تعطه «العملة» يعطك «الحرارة» أو «القنينة» الغازية، وإنما يكون رئيسا فاهما. فاعلا، وقبلهما منتميا يختلف عن رؤساء شعارهم (روما لمن يدفع) لا يصافح اللصوص، ولا يعانق الجواسيس.
ليست القضية رشيد أو عز. نظيف أو عبيد. إنما المطلوب رئيس، رأس استوعب درسا. فأيهما أنفع لمصر وأمتها الدكتور عزيز صدقي رحمه الله. أم مصطفي خليل الذي بات في منزله صهاينة وقد تجاهل رئيسه الأول وشارك في جنازة الأخير.
إن أمثال أو أمثولة حكام طبَّعوا وذهبوا إلي فلسطين المحتلة ووقفوا باكين أو معزين «!!» فوق قبر المقبور المجحوم المذموم الإرهابي الصهيوني «رابين» هم أنفسهم المتآمرون المحرضون المتورطون في حصار واحتلال وتدمير العراق وإعدام رئيسه الشرعي الفارس الرئيس الشهيد صدام حسين.
ولأنه لا فرق بين صهيوني ومتصهين ففي عام 2006 قال الإرهابي الصهيوني «أولمرت»: إن حرب العراق كانت بالنسبة لنا نعمة.
قال أيضا متصهين آخر: «ربنا بعت لنا حرب العراق من السما. من غيرها كنا هنعمل إيه؟»
في أواخر عام 2005 أي بعد ثلاث سنوات من مهانة مرور سفن وطائرات العدو الأمريكي في مياه مصر وأجوائها لاحتلال العراق قام الدكتور فتحي أبوعيانة الأستاذ بجامعة الإسكندرية بدراسة مسحية كشفت عن وجود 74 ألف مليونير في مصر تبلغ ثرواتهم حوالي 650 مليار دولار، وأن هناك 37 مليون شخص تحت حد الفقر و9 ملايين أسرة لا يزيد دخلها علي دولار واحد يومياً وبمتوسط خمسة أفراد للأسرة يصبح المجموع حوالي 45 مليون شخص، وأن الصعيد أكثر فقراً فقد بلغت ـ وفق الدراسة ـ نسبة الفقر في الوجه القبلي- الصعيد- 44 في المائة، بينما كانت في الوجه البحري 33 في المائة.
كان ذلك منذ ثلاث سنوات قبل ارتفاع سعر الحديد والدقيق وسعار التاجر والفاجر والفاسد. حتي سقطت هيبة الدولة في كل مكان ومكانة . قوميا وقطريا -أي داخليا- حين صفع سائق «ميكروباص» ضابط شرطة يقوم بواجبه بشارع قصر العيني أمام مجلسي الوزراء والشعب (قُطّاع الأعمال حملة الأسهم. وحملة الحصانة في نفس الوقت) بعد عبور الشارع بسرعة لتسريع التشريع عند سرور إلي نظيف.
ومن ظلم للمواطنين إلي العسف بالقوانين وزير «أكور»، ونائب لجان «الديكور» ملوث الدم أو مُهرب الفياجرا، ومن الكويت إلي الكويز بين مفتقد الهُوِية ، مزدوج الجنسية، منعدم السوية.
كل هؤلاء كالشياطين يتداوون بدماء البشر. هل رأي القارئ الكريم إلي أي قدر خيانة مصافحة طالباني لباراك؟ لا فرق بين الخفيف المهزار ونظيره ومثيله الخفيف المهزار المئكال.
رحم الله الشاعر الثائر الضابط الحر «مصطفي بهجت بدوي» القائل:
لن يدوم زمان تائه تعس
مصر فيه و«إسرائيل» خلان
ما هذه مصر لا بل مصر رافضة
تاريخها لم يصادق غصب قرصان
فانهضي يا مصر
نقلا عن
الموقف العربي

الشاه السعودي ..بقلم عبدالعظيم مناف

في كتابهما (طريقنا يبدأ من بغداد - صقور البيت الأبيض) كتب «ويليام كريستول» و«لورانس. ف. كابلان» علي صفحة مائة وواحد وأربعين من ترجمة «رجاء الشلبي» يقولان:(إن الديكتاتوريات العربية «الصديقة» كانت فعلاً مقززة، لكن كان من الممكن أن يكون خلفاؤهم المحتملون أسوأ منهم أيضا، ولم يمتنع أولئك «الديكتاتوريون الأصدقاء» عن تذكير الإدارة الأمريكية بذلك. هكذا-وفي رسالة موجهة إلي الرئيس بوش العام الفائت- لفت الأمير الوارث للعرش السعودي مشيرا إلي أن: «إذا لم تبدُ الولايات المتحدة أكثر تأثرا إزاء الوضع الصعب الذي يواجهه نظامه، فالعائلة المالكة قد تعاني نفس المصير الذي واجهه شاه إيران) «انتهي الاقتباس». في الهامش رقم 178 قال الكاتبان: الأمير عبدالله بن عبدالعزيز، رسالة إلي الرئيس بوش، في 28 تشرين الأول 2001-أي قبل عامين من احتلال العراق بعد قصفه.وفي اللحظة التي يحبر فيها هذا المقال تكون طائرة الجمهورية الرابعة قد أكملت رحلتها الثانية والخمسين للعاصمة الفرنسية «باريس» في رحلات متواترة غير مسبوقة التسرع والعدد لدولة شاركت في عدوان صهيوني بريطاني فرنسي ثلاثي بعد أربع سنوات من قيام الثورة، التي لم يكن رئيس الجمهورية الرابعة - كثير السفر- من ضباطها الأحرار.وقضية كثرة الجمهورية الرابعة للسفر إلي فرنسا حتي كانت الأولي قبل عواصم العرب تحتاج إلي تحليل قد يفضي إلي تفسير. فالعشق الدائم حيرة دائمة. فبينما يتغير الرؤساء في فرنسا يظل حب الرئيس اللصيق لفرنسا. فما هي المشتركات رغم تغير الرئاسات؟!كان ميتران مثلا عاشقا للمطبخ، وكانت زوجته عاشقة للصهيونية، محرضة علي ضرب العراق، وبين الحصار والاحتلال زارت الأكول «طالباني» في الشمال معانق نظيره الإرهابي الصهيوني «باراك».وفي نفس السياق -عشق الصهيونية والنساء- جاء الصهيوني «ساركوزي» مع عشيقته إلي «أسوان» ولم يستطع أن يذهب بها إلي الهند، وقد أبلغت إدارة مراسم خارجيتها سفارة فرنسا بذلك، وقد قال «ساركوزي» : «إن أمن فرنسا هو من أمن إسرائيل» «!!» لأن جده لأمه يهودي.هذه خيوط فرنسية صهيونية. فهل هي جزء من تشابك العلاقات في الرئاسات أو معها؟ ويظل السؤال: كيف تستمر هذه العلاقة الساخنة مهما تغير الرؤساء في فرنسا، من جانب عاشق السفر إليها لا فرق بين «شيراك» الديجولي و«ساركوزي» الدون أو «ميتران» الأكول؟«من أجل المتوسط» ولحضور اجتماعها سافرت طائرة «التوسط» إلي باريس، وحضرها الرئيس العربي السوري «بشار الأسد» بعد انفراج في العلاقات السورية الفرنسية التي سارت فيها الجمهورية الرابعة في ركاب المملكة السادسة بعد أن آل العرش السعودي للوريث المستجير بـ «بوش» حتي لا يلقي مصير الشاه الشاهنشاهي. وللقارئ الكريم حق السؤال: ما موقف الحاقد والتابع الآن بعد رباعية الأسد، ميشيل، ساركوزي، حمد؟!وإذا كان وقت استيعاب «الديكتاتوريات الصديقة» للدروس قد فات أوانه في أنظمة إهدار الفرص لا فرق بين الرئيس الرابع والملك السادس إلا أن سير الأحداث قد يفيد الحريص.في أمثلة سريعة حول العلاقات الأمريكية الفرنسية خاصة، والعالم عامة، ونظرة أمريكا إلي فرنسا، وألمانيا أيضا إلي فرنسا، وبريطانيا وأمريكا. تؤكد كلها أن طغمة إشعال حريق العراق المحرضين علي الاحتلال بالقصف، والمتورطين في الحرب والحصار «حانوت الدول والأنظمة» أو «الديكتاتوريات الصديقة» إنما هم منجذبون إلي فرنسا في «المتوسط» وقبله لأغراض شخصية. إما لمصلحة شخص وإما عائلة. لا فرق كما أشارت رسالة وارث العرش السعودي وهو الخوف من مصير الشاه.في كتاب «طريقنا يبدأ من بغداد» جاء في خاتمته بالصفحة 173 ما يلي:(ستظل أمريكا المهذبة جدا والقوية دائما عقبة أمام طموحات الصينيين، وستظل تغيظ الإسلاميين، وتزيد من حدة العقدة الدونية لدي الفرنسيين).وهنا يلاحظ القارئ الكريم صياغة وصف نظرة أمريكا إلي فرنسا «حدة العقدة الدونية».وسبق أن قالت وزيرة خارجية «بوش الأول» البولندية الأصل «مادلين أولبرايت»: «إن عليهم أن يقنعوا بما أخذوا». وكانت تتحدث عن تذمر فرنسا بعد حرب 1991 ضد العراق، ونصيب فرنسا من السرقة الاقتصادية خاصة بعد تخفيض نسبة مبيعات «الصلب» الفرنسي. بعد «عاصفة الحقراء».أما «روبسبير» فقد وصف فرنسا بأقذع الألفاظ حين قال:(إن السياسة الفرنسية كالعا تستطيع أن .... مع رجلين في.... واحد) الحذف حياء.وفي بغداد وأثناء مؤتمر دولي حضره عضو في الجمعية الوطنية الفرنسية عقب عدوان الأطالسة الأبالسة الصهاينة ضد العراق 1991 وفي مداخلة من كاتب السطور، ومن بين ما جاء فيها بشأن سياسة «باريس» تجاه العرب:(إن فرنسا لها وجه الصديق وقلب العدو فهي تبدو حريصة ولكنها تنتهج في الواقع سياسة خطيرة).وعاتب عضو البرلمان الفرنسي كاتب السطور عقب الجلسة وأشار إلي موقف بعض الحكام العملاء من الملوك والرؤساء في الوطن العربي.ومع أن هذه نظرة أوروبا وأمريكا إلي فرنسا فإن تعلق بعض العالقين بسياستها في لبنان حسب الريح الصرصر السعودي كأعواد البرسيم تمايلا في كل اتجاه، أو حسب إرضاء أي رئيس فرنسي مهما تغير لا فرق بين المنفلت «ميتران» والمنضبط «شيراك» أو المتصهين «ساركوزي». كل هذا يدعو إلي الدهشة ويؤكد أن الموضوع لا علاقة له بالمصلحة العامة. فما هي مصلحة مصر مثلا في أن تدخل في كل تشكيل أمريكي صهيوني أو فرنسي صهيوني. لا فرق بين «بوش» و«ساركوزي» من «الكويز» إلي «من أجل المتوسط» مرورا بــ «الكويت»؟أما نظرة بريطانيا القوة العظمي الآفلة إلي أمريكا القوة العظمي الآيلة للسقوط والافول فقد حسمتها «أم مارك.. تاتشر» رئيس الوزراء الأسبق حيث قالت :حين أسمعهم -الأمريكان- يتكلمون أشعر وكأن أطفالا قاموا من نومهم ووجدوا الفراش تحتهم مبلولا.إن أمريكا وكل دائر في فلكها -عميلا لها أو متعاملا معها- يعمل علي أن يكون الكيان الصهيوني هو القوة المهيمنة لا فرق بين «سلام بوش» أو «متوسط ساركوزي». يقول «كريستول» و«كابلان»:(ورثت أمريكا أيضا من الحرب الباردة حلفاء أقوياء في أوروبا وآسيا و«إسرائيل» «!!» في الشرق الأوسط. تشكل هذه التحالفات سدًّا من أجل النفوذ الأمريكي).وبذلك فإن أي تورط في المخطط الصهيوني «من أجل المتوسط» هو لخدمة الكيان الصهيوني. فهل المتحمس لمخطط «من أجل المتوسط» يجهل ذلك. أم أنه شارك بوعي ومتورط؟لقد ذهب هؤلاء للحرب ضد العراق في عام 1991 بعد أن أجهض المتآمر ساكن الطائرة هادم القاهرة مدنس الطاهرة -أجهض- الحل العربي في الإطار القومي.. حتي شوهدت الآن الطائرات الصهيونية في أجواء العراق و«الموساد» في شماله. بعد أن كان سدا منيعا. وسيعود بإذن الله قريبا بعد اندثار نفايات الوباء والبلادة والبلاء طغمة العملاء، من الحقود المالكي الدموي والأبله طالباني، ونظيره الخفيف الأكول المهزار المسفار السمسار الصهيوني وبقية العملاء والأعداء.في نهاية التسعينيات ورغم الحرب الإيرانية العراقية حصل العراق علي جائزة «اليونسكو» العالمية في محو الأمية، ورغم قسوة الحرب فقد كان العراق في الترتيب العاشر صحيا علي مستوي العالم.أي سابق علي دول اوربية في تقرير عالمي أيضا سجلته منظمة الصحة العالمية. وكانت البطاقة التموينية ورغم الحصار تفيض علي حاجة المواطن وأسرته في العراق، مما أذهل أيضا خبراء الأمم المتحدة وشهدوا بذلك، هذا علي مستوي الغذاء والدواء والتعليم. فما هو الحال الآن بعد مؤامرة الأعداء وتواطؤ العملاء؟هؤلاء الذين استعجلوا بالرسائل والرسل «بندر وأمثاله» ضرب العراق وإعدام رئيسه الفارس الشهيد «صدام حسين» من أجل ألا تلقي هذه العناصر مصير الشاه فتآمروا ضد العراق وشعبه وأرضه وتراثه وثرواته وحضارته، وتشكلت العصابة من الأعداء والعملاء، ملوكا ورؤساء.في مقاله بعنوان «بوش والعراق» في «نيويورك ريفيو أوف بوكس» بتاريخ السابع من تشرين ثان - أكتوبر 2002 كتب «أنتوني ليفيس» يقول:(العراق بلد واسع وحديث ومتمدن كثيرا. إذا قسمناه إلي أجزاء بإلقاء القنابل عليه، هل سنكون متعقلين بما فيه الكفاية لإعادة لصقه من جديد) «راجع ص 164 من المرجع كريستول وكابلان».حتي الغربيين ضجروا من تصرفات الصهاينة «بوش» وزمرته من الأعداء إلا أن المتصهينين ملوكا ورؤساء لم يتحرك لهم ضمير رغم حصول ما حدث للأشقاء، وكأن القابلة قد انتزعت من هؤلاء العملاء ضمائرهم مع خلاصهم عند ولادتهم.لقد خلص بعض مفكري الغرب إلي أن «الديمقراطية المزعومة» أو «الملغومة» علي الطريقة الأمريكية الملعونة وهْمٌ بكل المقاييس، واعترف بذلك أمريكيون أمثال السفير الأمريكي السابق في حلف شمال الأطلسي «ريبورث إليسورث»، و«ديمتري سميث» من مركز نيكسون حيث قالا:(إن الفرضية التي تريد أن تجعل قيمنا عالمية هي فرضية خاطئة لأنها غير صحيحة بوضوح، وهي فرضية غير أخلاقية لما ينبغي فعله كي تتبني شعوب غير غربية المؤسسات والثقافة الغربية، وهي فرضية خطيرة قد تؤدي إلي الحرب) . «راجع واشنطن بوست 29 كانون أول يناير 1999، ص 156 من كريستول وكابلان».أما الوهم الذي يعيشه الواهن «عود البرسيم» الذي يميل حيث أي ريح مادام يحمل «تربح» ملك سادس أو ثان، رئيس رابع أو قابع، فهو مجرد وهم لأن الحقيقة والواقع علي الأرض تصنعه إرادة الرجال النشامي والنساء الماجدات علي امتداد الوطن العربي الكبير، خاصة في العراق تسطره ملاحم نصر «القيادة العليا للجهاد والتحرير».وإذا كانت عائلة إغلاق الصحف قد أوصلت بائع المصانع عدو المراجع مدمن التراجع إلي الانكفاءة والتبعية والانجرار من «حفر الباطن» أو «الباطل» إلي «بيروت»، فإن أمريكا كفيلة كليهما -الملك والرئيس- لا تقبل بالانكفاء لنفسها وإلا فما الذي جاء بها إلي العراق والصومال والسودان مع الفارق بين إرهاب أمريكا ومقاومة العرب.وكما أن «جورج تينيت» مدير المخابرات الأمريكية السابق قد اعترف في حوار مع أحد نظرائه الجواسيس كما جاء في مذكراته بعنوان « في قلب العاصفة» أن الديمقراطية الأمريكية للتصدير لا الممارسة، فإن الانكفاءة تعليمات للعملاء تصديرا وليست ممارسة أيضاً.. لكن أمريكا ستدفع ثمن التصهين، وفي العراق ومن العراق خاصة.وإذا كان طغمة التدمير الصهيوني في إدارة الإرهابي «بوش الثاني» قد قالت: «طريقنا يبدأ من بغداد».. فإن قافلة التحرير والتعمير القومي العربي بقيادة «القيادة العليا للجهاد والتحرير» قد بدأت أيضاً من بغداد.لقد كسرت المقاومة البطلة الباسلة المنتصرة «في العراق» استكبار الصهاينة الأعداء والمتصهينين العملاء. واعترفوا بالهزيمة تعساء أذلاء، يقول الصحفي البريطاني الكبير «جوناثان ستيل»:(إن غزو العراق واحتلاله هما أكبر خطأ ارتكبته السياسة الخارجية الأمريكية منذ «أزمة السويس»، وإذا كانت النية عدم تكرار الخطأ فلا بد أن نعرف كيف وقع ولا بد من أن نعرف الآن).إن مصر التي اختصها الله بالكثير من النعم والمنح، وأثني خاتم رسله النبي العربي الكريم سيد البشر محمد صلي الله عليه وسلم علي رجالها النشامي بـ «أنهم خير أجناد الأرض»، وهو الذي لا ينطق عن الهوي، لا يمكن أن تكون إلا رائدة بين قومها. عزيزة علي أشقائها. كبيرة قائدة في أمتها ولأمتها وبأمتها، في غير استعلاء أو خيلاء. بغيرتفضل أو تطفل. ولا شك أن هذه المرحلة الحالية طارئة سوف تكون -بإذن الله وقريبا- «نسيا منسيا»، فالتعيس الطاووس الورقي وزير الخارج «أبوالتخبيط» أو رئيس التخارج من أي وحدة أو اتحاد باستثناء الكويز أو الكويت «التصهين» أو «التوسط» «من أجل المتوسط» كل هذا وذاك إلي زوال ومرحلة لن تكون «شيئا مذكوراً»، فالبهلوان الذي يقف علي رأسه طويلا لا بد أن يسقط وهذه الفترة الثلاثينية وإن طالت فهي في عمر الدول معتادة، والدول الكبيرة ومصر في المقدمة كـ «السفن الكبيرة تأخذ وقتاً في الاستدارة».ورغم «لزاجة وسذاجة وسماجة» وجوه المرحلة «جهالة وجهامة وجلافة»، فقد شارفت المرحلة علي الأفول.وإذا كنا نعيش ذكري ثورة 23 يوليو/ 1952 التي أنجزت أول وحدة عربية في التاريخ حين قامت «الجمهورية العربية المتحدة» بزعامة الناصر عبدالناصر فقد شهد عام الوحدة 1958 قيام الثورة في «العراق» تماما كما كانت ثورة 1919 في مصر سابقة علي ثورة العشرين في «العراق» كانت ثورة 23 يوليو 1952 في مصر مقدمة لثورة 14، 17 تموز في العراق.وإذا كانت ساحة العراق تُناوب الآن عن أمتها ممثلة في «القيادة العليا للجهاد والتحرير» كما كانت مصر تناوب عن أمتها 1956، فقد اتفق المقدوني «الاسكندر الأكبر» والفرنسي «الملك فيليب».. علي أن مصير مصر مرتبط بالعراق وكذلك بقية الأمة، فقد قال «الاسكندر» المقدوني: أنا لا آمن علي قواتي في العراق ما لم آمن عليها في مصر وقال الملك «فيليب» الفرنسي:( عندما تحرر ضفاف النيل تحرر ضفاف الفرات)واذا كان«آدم سميث» الاسكتلندي قد قال:(إن للحكومة مهام ثلاثا هي: الحفاظ علي الأمن، والدفاع عن الوطن، والقيام بالمشروعات التي يعْرِض الأفراد عن القيام بها، ويحجمون عن الدخول فيها بينما يحتاج إليها المجتمع) فإن «آدم سميث» التايواني في لجنة التعاسات قد جعل مهمة لجنته الجباية والتسريع بالخصخصة، والتصفية لكل مؤسسة رابحة، فهل هناك عقلية سليمة تستطيع عرض بيع مصرف يكسب مليارا في عشرة شهور بمبلغ يربحه المصرف في أقل من سبع سنوات؟!في حوار سبق نشره بين المستفز عز والدكتور زكريا عزمي تبين أن المستفز أعطي الحزب الحاكم ثلاثمائة مليون أخذها ثلاثة مليارات، كما نشرت الصحف أن رئيس الحزب فاجأ وزير الجباية بالعلاوة التي بلغت أربعة مليارات، كما بلغت الضرائب أو الجباية في أعقابها أربعة عشر مليار جنيه، علي طريقة عز المستفز ووزير الجباية عضو لجنة التعاسات في جمهورية التخارج من كل وحدة أو اتحاد وفق سياسة وزير الخارج «أبوالتخبيط».وإذا كان وريث العرش قد طلب من «بوش» محاربة العراق.. حتي لا تلقي عائلته مصير الشاه، ومرر أبو الوريث المؤامرة ضد العراق في لقاء المنتجع بين «الميت» و«العقبة»، فإن من شخصيات أدب الأطفال وحكايات السلطان شخصية «حب الرمان» وإذا كان من مذهلات عصر البهلوان شخصية «عود البرسيم» الذي يتمايل حسب الريح والربح -الأولي بنقطتين والثانية نقطة- فإن «حب الرمان» طعام الإنسان أما «البرسيم» فطعام الحيوان. هكذا شاء الرحمن.وإذا كان من بين دماء الشهداء في عام 1956 الشهيد العربي السوري «جول جمال»، فإن الشهيد اللغز، العالم الفذ، «يحيي المشد» كان أول شهداء معركة التفاعل والمفاعل والتفعيل العربي في المواجهة الصهيونية التي يناوب فيها الدم العراقي الآن بتضحيات كبيرة ودماء غزيرة، لكن القيم أغلي والأعراض عزيزة، والعقول معطاءة قادرة بالإرادة علي تحقيق النصر -وعد الله سبحانه جل شأنه لجنده- وتجسيد السيادة حصاد الإرادة.وصدق المتنبي القائل:«يهون علينا أن تصاب جسومناوتسلم أعراض لنا وعقول».فانهضي يامصر