الثلاثاء، 18 أغسطس 2009

هنا القاهرة ..بقلم سناء البيسي

استنبط القوم حقيقة مشاعري القلبية المتأججة من كلمتين اثنتين لا غير أذيعتا علي الملأ وكنت أظنهما رسالة سرية مغلقة عبر الأثير‏..‏ عرفوا بأمر جنوح وجموح الصبية تجاه اللي ما يتسمي الحب‏..‏ علم الأهل بالذي كان ويكون من خلال ميكروفون الإذاعة الكاشف لصدق المكنون وقوة الشحنة العاطفية علي هدي الذبذبات وقياسات الكيلوسايكل وطول الموجات السلكية واللاسلكية‏..‏ يومها سألتني سيدة الميكروفون آمال فهمي وأنا لم أزل طالبة جامعية عن أغنية تذيعها من أجلي بعد الحوار فهتفت نار يا حبيبي نار لعبدالحليم حافظ‏,‏وكانت ضمن أغاني فيلمه الجديد المعروض في السينما وقتها‏..‏ ولفت طلبي انتباه ابنة الخال التي أعطت أذنها للسؤال والجواب‏,‏ ويعلم الله وقتها أن السيدة آمال هي من أملت علي الجواب مسبقا كنوع من تنشيط الفيلم أو الأغنية أو عبدالحليم‏,‏ ولم تكذب ابنة الخال الخبر بل حملته متضخما فوق صينية التحذير لبيتنا لتؤكد هواجس أمي لتفيق لحدوتتي لتبدأ معي حدوتة أخري انتهت بحمد الله بالزواج‏..‏ من هنا أدركت من بدري أهمية الميكروفون الذي يخطط لحياتك وحاضرك ومستقبلك لمجرد أنك التقيت به علي الناصية لتقول لك كلمتين وتمشي‏,‏ ولن أنسي بعدها بسنوات عندما ذهبت لاستعارة ملف الحرائق من الأرشيف لاستكمال المعلومات في موضوع صحفي فعثرت من بين الأوراق علي أغنية حبك نار التي صنفها موظف الأرشيف الروتيني تحت بند الحرائق مادامت قد أضرمت نارا‏.‏ذلك ما كان من أمر الراديو بعدما شببت عن الطوق‏,‏ أما ما أحدثه في التكوين النفسي منذ الطفولة فله أصول وجذور‏,‏ فقد نشأت في أحضان الراديو وكانت ماركته في بيتنا تليفونكن يربض في صالتنا شامخا مرتفعا كواحد من أفراد العائلة‏,‏ يجاوره في الصدارة مقعد والدي ليعكس كيانهما المتحد مظهرا للصداقة والألفة والانسجام‏..‏ يميل عليه ـ والدي طبعا ــ في الثانية والنصف تماما منصتا بجدية بالغة عندما تأتي النشرة بأخبار الملك المفدي وهيلاسلاسي بأديس أبابا وتصريحات الكونت برنادوت أمين عام الأمم المتحدة وأجازة إلي أجل غير مسمي وانتقال الوزارة لبولكلي‏..‏وكانت هناك ثلاثة أزرار كبيرها علي الطرف اليمين الذي يحرك مؤشر المحطات تحت شريحة زجاجية مغبشة مائلة للاصفرار لا تكاد أرقامها تبين‏,‏ تعلوها قطعة قماش داكنة بحجم الكف تشعرك بتجويف الخلفية إذا ما دفعك حب الاستطلاع للطرق فوقها‏..‏ وعندما نما إلي سمعنا صغارا بأن التليفزيون آت لبلدنا تخيلنا أنا والشقيقة أن قطعة القماش في جهازنا ستنزاح كستار المسرح لنشاهد بنت الأكابر ليلي مراد وأبوحلموس نجيب الريحاني وأسمهان وهي داخلة الجنينة وقد سخطهم العلم الحديث إلي مخلوقات في حجم الكارت بوستال‏..‏ وانتظرنا طويلا معجزة مشاهدة حفل أم كلثوم علي مسرح الأزبكية داخل الصندوق لنقيس علي الطبيعة ترددات صوتها التي قال والدي إنها قد بلغت‏3996‏ ذبذبة في الثانية الواحدة‏.‏ولأن والدي مات والراديو التليفون تم تكهينه في صندرة كراكيب وحفل أم كلثوم في الخميس الأول من كل شهر أصبح ذكريات‏..‏ ومات الشجن ورجع الصدي والجلجلة والصهللة والمزاج وصحبة سهرانين فاتوا مضاجعهم واتجمعوا بالليل صحبة وأنا معهم‏..‏ ولأن الوقت أصبح بخارا لا هو ملكي ولا ملكك تبدأه في الصباح وأنت تحبو رضيعا‏,‏ وما أن يأتي المساء حتي تكون في نزع الشيخوخة الأخير‏..‏ ولأن تأثير الراديو أصبح نهارا وأنت في العربة خارج البيت بعدما استولي التليفزيون علي الناس ليلا وهم داخل البيت‏..‏ ولأن الراديو هو الوسيلة الوحيدة للتسلية في المطبخ كما قال جارودي التي تستخدمها وأنت مطمئن دون أن تحرق صينية البطاطس‏..‏ ولأن مؤشر الراديو خلاص قد استراح عند الأغلبية علي إذاعة القرآن الكريم‏..‏ ولأن مرحلة المذيعين الموهوبين بثقافتها وفصاحتها وسلاسة وعذوبة سردها ودقة مخارج ألفاظها وصحة ارتجالها علي الهواء الذي يضاهي الكتابة علي الهواء حيث لا مجال فيهما للشطب أو المراجعة دولة دالت مع قدوم دولة الضباط وبعدها الاتحادات ودخول سراسيع الواسطة‏..‏ ولأن صفية المهندس وجلال معوض تعيش إنت‏..‏ولأن الإذاعة كانت المكان الوحيد الذي لم يجد النظام العسكري سببا لوضع رقيب به بعدما أثبت فيها عدم جدارته‏,‏ وكان سبب الفرض إذاعة إحدي الأغنيات التي جاء فيها اسم فاروق‏,‏ وسبب إقالة الرقيب أوامره بكتابة جميع الأغاني المسجلة وعرضها عليه قبل إذاعتها مما استدعي العمل الضخم حشدا كبيرا من كل العاملين بالإذاعة‏,‏ فقام سيادته بوضع دائرة حمراء حول بيت شعر يصف النبي في قصيدة ولد الهدي لأم كلثوم وشوقي بأنه أمير الأنبياء اللقب الذي وجد فيه معاليه مخالفة سافرة وخطأ فادحا ضد قوانين الثورة التي ألغت الألقاب‏,‏ وعندما شاهد عبدالناصر تأشيرة الرقيب قام باستبداله بعبدالمنعم السباعي الذي لم يستمر في مكانه إلا أربعة أشهر فقط‏..‏ وربما تخرج هذا الرقيب من نفس مدرسة الرقيب في الأهرام وقتها الذي رفض إعلانا باسم بنك مصر لوجود اسم مصر به وهي التي أطلق عليها وقتها للأسف جمهورية مصر العربية‏!!..‏ ولأن غاوي الإذاعة الآن واحد وواحدة في مثل عمري لم يزل لديها الحنين لزمان وراديو زمان وصوت كروان الإذاعة محمد فتحي يقدم أغنية فجر لرياض السنباطي‏:‏ كل شيء راقص البهجة حولي ها هنا أيها الساقي بما شئت اسقنا ثم اسقنا‏,‏وأداء عبدالوهاب يوسف بأصداء حنجرته المعجزة يقدم السيرة العطرة‏,‏ وبصبح عليك ببهجة استهلالة النهار بصوت علا بركات‏,‏ وسعاد حسني تغني عند بابا شارو أنا سعاد أخت القمر‏,‏ وفاتن حمامة من وراء ميكروفون الدراما‏:‏ يلا يا شاطر حسن لحسن فوقنا رقيب عند عباده ما يغيب وأحسن تطول غيبتي تسأل علي نينتي‏,‏ و‏23‏عاما بلياليها مع ألف ليلة وليلة تأليف طاهر أبوفاشا وإخراج محمد محمود شعبان لم تسكت فيها شهر زاد عن الكلام المباح‏,‏ ولآلئ فاروق شوشة في لغته الجميلة‏,‏ ومكتبة فلان لنادية صالح‏,‏ وعلي بابا بعد الضني لابس حرير في حرير سدد ديونه وبني له قصر عالي كبير والست مرجانة طول يومها نشوانة والزمر طول الليل‏,‏ وآزار عذراء الربيع فتنة الليل وآية النهار وروح العدل وروح الجمال‏,‏ وعوف الأصيل وحتة جبنة قديمة وحبة فول حراتي تبقي الأكلة ذواتي‏,‏ وحافظ عبدالوهاب حمدان وزوزو نبيل راوية‏:‏ يا راوية يا بنت الخال لا تدجي زحام السوق يا راوية بغير حجاب ويل جلبي يا ويل جلبي يا ويل جلبي‏,‏ والجوز الخيل والعربية أنغامهم كلها حنية وسوق يا اسطي لحد الصبحية علي راسي يا هانم وعنية‏,‏ وتصبحوا علي حب لإحسان عبدالقدوس‏,‏وتشايكوفسكي في البرنامج الثاني‏,‏ ومقطوعة عزيزة لعبدالوهاب‏,‏ وضيوف آمال العمدة‏,‏ وعمر بطيشة شاهد علي العصر‏,‏ والشرق الأوسط وسناء منصور‏,‏ والشريعي صياد النغم‏,‏ وجرب حظك لطاهر أبوزيد الذي استمر من‏53‏ حتي‏98,‏ وصواريخ المأمون أبوشوشة‏,‏ وأوائل الطلبة لعباس أحمد‏,‏ ومحمد علوان ومحمد الطوخي‏,‏ وفهمي عمر ومجلة الهواء التي تسمع ولا تقرأ وتقع في ثلاثين دقيقة‏,‏ والمسحراتي أحمد كامل البيطار‏,‏ و‏15‏سنة مع حكاية بعد نص الليل لأسامة أنور عكاشة وحسن شمس‏,‏ والأسرة البيضاء لسامية صادق‏,‏ وأمين بسيوني وإذاعة صوت العرب التي بدأت إرسالها بـ‏28‏دقيقة فقط لأن الإذاعة وقتها لم يكن بها سوي موجة قصيرة واحدة‏..‏ والسلطانية‏..‏ و‏..‏جددت حبك ليه بعد الفؤاد ما ارتاح حرام عليك خليه غافل عن اللي راح ونذوب مع ثومة علي هدي حنجرة جلال معوض في إرهاصات الكلام ومواكب الفرشة ووصف المكان والزمان والناس وملابس أعضاء الفرقة وجمهور الحاضرين ودوزنة الآلات وصعبان علي أقولك كان والحب زي زمان وأكتر‏..‏ ويجمع المذيع المتبتل ابن معوض منثور الجواهر ليضعه في صندوق القلب مع كلمات خاتمة تتفتح معها ليالي حب جديد ووليد وباق‏..‏ و‏..‏ عظمة علي عظمة علي عظمة يا ست‏..‏ولأنه‏..‏ ولأنه‏..‏ ولأنه‏..‏ إلا أني مؤمنة بأن التليفزيون والصورة قد جرحا بكارة الراديو‏..‏ خدشا تلك العلاقة الحميمة بين المستمع والمذيع‏..‏ ذلك الجهاز الذي عشنا معه عالم الخيال نحلق مع الصوت براحتنا ونرسم كما يحلو لنا عوالم وأبعادا وشخوصا وسحنات تعكسها لنا النبرات نصاحب فيها فارس الأحلام عندما يخاطب الوجدان لتظل هناك صور شعرية محال تجسيدها علي الشاشة مثلما يغني عبدالحليم شايفك وليل الفراق ع البعد فارد جناحه‏,‏ وتظل القضية في الندوات والمناقشات الفكرية والثقافية هي البطل إذا ما استمعنا إليها في الراديو‏,‏ أما في التليفزيون فتأخذك الصورة إلي جزئيات أخري تشتت الانتباه وتضعف التركيز‏..‏ و‏..‏ هنا القاهرة‏.‏هنا القاهرة التي هتف بها الممثل والمخرج أحمد سالم من خلف الميكروفون في يوليو‏1932‏ من شارع الشريفين بعدما اتفقت شركة ماركوني علي إقامة محطة لاسلكية للإذاعة مع الحكومة المصرية وكان من شروط الاتفاق أن يكون أبوالهول شعارا للإذاعة‏,‏ وأن تظل الموسيقي الشرقية المصاحبة بالتخت هي المسيطرة‏,‏ وأن يتم تعيين مستر ديلاني مديرا عاما لشركة ماركوني للإذاعة الحكومية المصرية‏..‏ وقد فتحت الإذاعة أبوابها في عامها الأول للآنسة أم كلثوم والأستاذ محمد عبدالوهاب لتذيع لهما فقرتين شهريا‏,‏ وأحيت في ذلك العام سبعة عشر احتفالا للشيخ علي محمود‏,‏ وسجلت القرآن الكريم بصوت الشيخ محمد رفعت طوال شهر رمضان‏,‏ واستمع الجمهور لباقة من الأصوات علي رأسها صالح عبدالحي وعزيز عثمان وعبدالغني السيد وأحمد عبدالقادر‏,‏ وقامت بالتعاقد للعمل كمذيعين مع كل من طه حسين والشيخ عبدالعزيز البشري وخليل مطران وبديع خيري وعبدالرحمن عزام الذي قدم برنامجا بعنوان أبطال العرب‏,‏ واستمع الجمهور لفكري أباظة في برنامجه أحاديث نبوية‏,‏وقدم سلامة موسي حلقات بعنوان مصر أصل الحضارة وكان من أنشط المذيعين محمد سعيد لطفي الذي عين مستشارا للإذاعة وسجل بصوته عددا من الأحداث واللقاءات المهمة ومنها برنامج خاص بمناسبة زواج الملك فاروق والملكة فريدة‏..‏ وتوالت حناجر اللآلئ لتزين ميكروفون الإذاعة‏..‏ وكانت الإذاعة في عام‏1940‏ تبث إرسالها في السادسة وخمس وأربعين دقيقة صباحا ماعدا الأجازات أيام الأحد والجمع‏,‏ حيث يبدأ الإرسال في الحادية عشرة وخمس وثلاثين دقيقة علي تمرينات الصباح بمصاحبة الموسيقي وصوت الأستاذ بليغ صفوت‏,‏ وتغلق أبوابها في الثالثة ظهرا لكي يأخذ المستمع قيلولته بعد الغداء ويقوم علي راحته يرتشف فنجان قهوته المحوج في التراسينة مع عودة الإرسال في السادسة ليستمع مرة واثنين وثلاثة لكل من أهل المغني السيدة سكينة حسن ومحمد البحر وإبراهيم حمودة وعبدالعزيز محمود وصالح عبدالحي وعبدالغني السيد ومحمد عبدالوهاب وفريد الأطرش ونادرة والآنسة أم كلثوم‏,‏ مع عزف علي الكمان لسامي الشوا‏,‏وموسيقي تركية أو هندية‏,‏ وأحاديث لمحمد زكي عبدالقادر وعبدالعزيز البشري‏,‏ وتلاوة من المشايخ منصور الشامي الدمنهوري والشيخة كريمة العدلية ـــ ورجاء قراءة مرة أخري أنه في مارس من عام‏1940‏ كان علي موجات الإذاعة المصرية قراءة القرآن بصوت امرأة ــ والشيخ علي محمود والشيخ علي حزين والشيخ عبدالفتاح الشعشاعي‏..‏ و‏..‏ في الساعة الحادية عشرة والنصف تماما السلام الملكي وحسن الختام وكله يروح ينام ماعدا ليلة الجمعة‏,‏ حيث يحلو السهر لمنتصف الليل فبكرة اجازة الأفندي والأستاذ وصينية العشاء من نوع خاص لزوم النقنقة وعلشان خاطري اللقمة دي كمان‏..‏ وتصبحوا علي خير‏..‏ وطبعا كان خير وخير لأن الكل كان مرتاح العين والبال والحال والراجل والعيال‏..‏ وكنموذج من برنامج الإذاعة في الثلاثاء‏5‏ مارس عام‏1940:‏‏6.45‏ صباحا الأستاذ بليغ صفوت تمرينات رياضية بمصاحبة موسيقي‏6.55‏ الشيخة كريمة العدلية ــ قرآن كريم‏11.00‏ الأستاذ فريد الأطرش‏2.05‏ أوركسترا القاهرة‏2.30‏ إذاعة للمدارس الثانوية‏2.55‏ أسطوانات‏6.00‏ الفرقة الموسيقية الملكية‏6.30‏ وزارة التجارة والصناعة ــ حديث‏6.50‏ السيدة صفية القوصي ــ حديث الأطفال‏7.00‏ أسطوانات موسيقي هندية مذاعة علي محطة القاهرة الإضافية‏7.20‏ تحية أهالي ملوي لصاحب المقام الرفيع علي ماهر باشا‏7.30‏ الحديث الأول من سلسلة أحاديث كلية العلوم بجامعة فؤاد الأول عن العلوم المبسطة للدكتور مصطفي مشرفة بك عميد الكلية‏7.50‏ السيدة آمال حسين وفرقتها‏9.50‏ الأستاذ أحمد كامل مرسي يقدم رواية صانع الأحلام‏10.30‏ الأستاذ محمد عبدالوهاب وفرقته أغنية الجندول‏11.30‏ تقريبا سلام الملك ــ ختاموفي صباح‏23‏ يوليو عام‏1952‏ يذيع فهمي عمر‏:‏ أعلنت ساعة جامعة فؤاد الأول السابعة والنصف وإليكم نشرة الأخبار الأولي لهذا اليوم نستهلها ببيان من القيادة العامة للقوات المسلحة يلقيه مندوب القيادة‏..‏ ويقرأ الضابط أنور السادات البيان دون ذكر اسمه‏,‏ وبعد البيان الأول يكمل المذيع قراءة النشرة ليدخل ضابط آخر لإلقاء البيان مرة ثانية وثالثة‏,‏ ولأن القراءة كانت ركيكة للغاية تم تسجيل البيان ثانية بصوت السادات بعد مرور ستة أشهر من قيام الثورة‏..‏ و‏..‏ في نوفمبر‏1953‏ جلس الصاغ صلاح سالم عضو مجلس الثورة ووزير الإرشاد القومي في مكتبه بمبني الإذاعة ليقرأ التقارير السرية لينهي عقود‏16‏ موظفا ويمنح‏21‏ أجازة ويوقف‏9‏ عن العمل ويمنع‏46‏ شخصية من حق الدخول من بينها الكاتب الصحفي عبدالمنعم مراد والشاعر صالح جودت والإذاعيون محمد سعيد أبوالسعد وعلي فائق زغلول وحافظ عبدالوهاب وهدي توفيق وعايدة جمعة وحفيظة محمد خليل‏..‏ و‏..‏ يعلن تعيين عبدالحميد يونس وكيلا للإذاعة ووضع كل من عبدالحميد الحديدي ومحمد محمود شعبان وتماضر توفيق وصفية المهندس في مراكز رئيسية‏,‏هذا مع تنحية الأميرالاي محمد كامل الرحماني مدير الإذاعة من منصبه وتولية أمين حماد بدلا منه‏..‏ وكان بالإذاعة وقتها‏365‏ موظفا بعدد أيام السنة‏,‏ وثبت من الكشوف أن المطرب أو المطربة المحظوظة رغم وجود التسجيل الخاص بأي منهما ومن حق الإذاعة إعادته كما تشاء‏,‏ إلا أن الموظف المتلاعب كان يتغاضي عن التسجيل المجاني لاستدعاء المطرب لتقديم الأغنية من جديد واقتسام الأجر‏,‏ كما ثبت أن صناديق التفاح والمانجو وما يمشي علي أربع ويهتف ماء‏,‏ كانت تحمل في الخفاء للبعض‏,‏ وكانت الرشاوي تقدم داخل علب السجائر عندما يتساءل أحدهم‏:‏ معاك سيجارة يا أستاذ؟ فيرد المتحدث أو المغني أو المقرئ بقوله‏:‏ يا سلام العلبة كلها يا مولانا بما فيها‏..‏وصدر أمر إداري رقم‏114‏ أنشئ بمقتضاه مكتب جديد داخل الاستوديو يقوم بصرف أجر المتحدث أو المطرب بعد التسجيل مباشرة‏,‏ وترك للمطربين مهمة اختيار كلمات أغانيهم والفرق الموسيقية المصاحبة اللهم إلا إذا شاء المطرب اختيار فرقة الإذاعة فيخصم أجرها من أجره‏..‏ وسئل المهيمنون الجدد علي الإذاعة عن السبب في أن قرارات التطهير لم تشمل بعض من حامت حوله الشبهات فأجاب اليوزباشي عبدالمنعم السباعي أركان حرب الإذاعة بقوله‏:‏ لقد كان الموظفون الصغار ضحايا للموظفين الكبار‏,‏ وقد قطعنا رأس الأفعي وهذا يكفي لسير العمل‏..‏ هذا وقد ثبت أن سلوك بعض الموظفين قد اتجه للبلطجة الفنية بالتحاق الواحد منهم ببلاط مطرب أو مطربة كبيرة ليغدو من المحاسيب‏,‏ فإذا ما أراد رؤساؤه توجيهه أو عقابه جاء الفنان الخاص أو الفنانة التي تسنده للتهديد بالانقطاع عن الإذاعة فيسكت المسئول علي مضض تخوفا من تنفيذ التهديد الذي يؤدي إلي ضعف البرنامج‏.‏وظل الإيمان بقول المذيع نبراسا في تاريخنا‏..‏ كانوا من خلف الميكروفون مصداقا وصدقا وأنصاف آلهة‏..‏ كانت الجملة المسموعة قضية مسلمة والقول الفصل في النقاش والحوار‏..‏ الراديو قال‏..‏ قالوا في النشرة‏..‏ وعمرنا ما سمعنا وقتها تعبير كلام رداوي علي وزن كلام جرايد عندما تهتز الحقيقة‏..‏ وبقي هذا شأننا مع المذيع حتي‏..‏ حتي عام‏67‏ عندما زيفت الحقائق‏..‏ عندما زعق فينا المذيع صاحب التأثير‏:‏ الله أكبر والنصر لنا واضرب اضرب اضرب ودع سمائي فسمائي محرقة ودع مياهي فمياهي مغرقة‏..‏ و‏..‏ عشرون طائرة أسقطتها نيران مدفعيتنا‏..‏ ثلاثين‏..‏ مائة‏..‏ وعادت جميع قواتنا إلي مواقعها سالمة‏..‏ ونحصي ونعد وتطول هاماتنا علي رجع الصوت الحماسي الجهوري الذي يتلاشي فجأة ولا نعود نستمع إلا لخروشة المارشات ثم الآيات البينات ومارش عسكري وقرآن‏..‏ونختلس النظرة من نافذة البيت لنجد تحت شجرة الجوافة دبابة تعسة تتواري خجلا تحت غطاء التمويه‏..‏ ويخرج بنا صوت المذيع محمود سلطان الوقور من الهزيمة للنصر في بيان العبور‏:‏ إليكم أيها المواطنون البيان رقم‏7‏ الذي صدر عن القيادة العامة للقوات المسلحة بتاريخ السادس من أكتوبر‏1973..‏ بسم الله الرحمن الرحيم‏..‏ نجحت قواتنا المسلحة في عبور قناة السويس علي طول المواجهة‏,‏ وتم الاستيلاء علي منطقة الشاطئ الشرقي للقناة وتواصل قواتنا حاليا قتالها مع العدو بنجاح‏..‏ كما قامت قواتنا البحرية بحماية الجانب الأيسر لقواتنا علي سواحل البحر الأبيض المتوسط‏,‏ وقد قامت بضرب الأهداف المهمة للعدو علي الساحل الشمالي لسيناء وأصابتها إصابات مباشرة‏..‏وكل عيد ماسي والإذاعة بخير مع مرور‏75‏ عاما علي ميلادها‏..‏ العيد التاريخي المميز بقدومه مع تباشير الصحوة السنوية الرمضانية علي جميع المحطات السلكية واللاسلكية ببرامج الخمس دقائق المبتكرة ومقدماتها الصاخبة بنجومها ضيوف التساهيل والعلاقات والضغط والإحراج وملاحقة الموبايل الهوائي والتليفون الأرضي‏,‏ الموافقون علي البث بس لأن الراديو في الشهر الكريم يغدو أحد الأطباق الرئيسية علي مائدة الإفطار‏,‏ ومن ثم فسوف تنصت لردودهم الجماهير العريضة علي اتساع الخريطة مع رشفات الشوربة وأكواب الخشاف‏,‏ فتنشط الذاكرة بأسمائهم وألقابهم ومناصبهم وتاريخهم ومقاعدهم تحسبا لما هو آت‏,‏ خاصة بحرصهم علي إبداء إعجابهم بالإنجازات الديمقراطية وريبتهم من الأصولية ورفضهم للتطاول والتجاوز لا للنقد البناء‏..‏ ولأجل ما أفتح الراديو قبل ما يهل رمضان وبعد ما يصير هلاله في المحاق عندي سؤال وسؤال لو تسمحوا أقدر أقوله لكم‏..‏ ما هو الهدف الاستراتيجي بالغ الأهمية من تخليق إذاعة جديدة ــ فوق اللي موجود ــ إذاعة محطة مصر الإخبارية علي الـإف‏.‏ إم‏88‏ فاصل‏7‏ بينما هي مجرد مسخ لنجوم الـإف‏.‏ إم التي لم يزل يحرص علي سماعها الكبار والصغار‏,‏وإذا ما كانت رسالتها إذاعة الأخبار بفواصل من الأغاني فللأسف انقلبت رسالتها رأسا علي عقب لتصبح أغاني تخترقها عنوة أخبار‏!!..‏ وإذا ما كنا نعرف جميعا أن محطة مصر عندنا هي البرنامج العام فلماذا هذا الخلط إلا إذا كان تفصيل الجديدة علي مقاس مذيعين معينين بهدف ترقيتهم للأعالي‏..‏ وعموما التطلع للأعالي ما عليه ملام‏..‏ وسؤال يظل طارحا نفسه علي الأذن والسمع‏:‏ بالذمة ولامؤاخذة هل يوجد مواطن مصري واحد الآن يستمع إلي حاجة اسمها إذاعة الكبار أو إذاعة القاهرة الكبري أو الإذاعات الإقليمية أو‏..‏ أو‏..‏ الخ‏..‏ وسط هذا الزخم الإعلامي من الفضائيات؟‏!‏ وهل تم عمل إحصائيات لنسب الاستماع لجميع إذاعاتنا المطروحة والمستخبية بمناسبة العيد الماسي للتنسيق والتبديل والإحلال وترويق الكراكيب ونزع الأكباس لوقف نزيف التمويل والإرسال لملء الـ‏24‏ساعة علي جميع المحطات؟‏!‏وهل لدينا وقت الفراغ لسماع كل هذا القدر من البث الإذاعي مع وجود غيلان التليفزيون علي الجانب الآخر؟‏!..‏ ومتي تعود للبرنامج العام وجاهته ورصانته كي لا تقطع فقراته هو الآخر الإعلانات الراقصة علي نقرات الدربكة ورنات الموبايل زيرو تسعماية؟‏!..‏ ومتي تعود للدراما الإذاعية مكانتها التي كانت تجعل الوالدة في ميعادها المقدس في تمام الخامسة والربع تتسلل من بين الضيوف ليجاوبها في الخارج اختفاء المارة لتكمل الإنصات لأحداث مسلسل سمارة الزهرة البرية التي نشأت وترعرعت في جو متخم بأوزار الجريمة‏,‏ وذلك كي لا يتقاضي بطلها أو مؤلفها الآن ما لا يكفيه أجرة التاكسي من بيته لماسبيرو‏..‏ وأرجع وأقول وفي القلب غصة له حق عادل إمام إذا ما كان حقيقة قد رفض إضاعة وقته في التسجيل مع الإذاعة بقوله‏:‏ يا عم سيب‏!!‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق