الأحد، 19 سبتمبر 2010

آخر حوار صحفي مع الشاعر عبد المنعم عواد يوسف رحمه الله

في السابع عشر من سبتمبر الجاري مات الشاعر الكبير عبد المنعم عواد يوسف أبرز مؤسسي قصيدة شعر التفعيلة في الشعر العربي المعاصر .. الشاعر عبد المنعم عواد يوسف من مواليد عام 1933 بشبين القناطر بمحافظة القليوبية وفى عام 1957 م على ليسانس آداب من جامعة القاهرة وفى عام 1964 حصل على دبلومة الدراسات العليا .عمل مدرسا للغة العربية في مصر والإمارات العربية المتحدة وترأس القسم الثقافي بجريدة البيان بالإماراتية. حصل الشاعر عبد المنعم عواد يوسف على الجائزة الأولى فى الشعر من مهرجان الشعر بدمشق 1960 والجائزة الأولى أيضا فى الشعر من رابطة الأدب الحديث 1962.الشاعر عبد المنعم عواد يوسف قدم للمكتبة العربية مجموعة من الدواوين الشعرية بلغت نحو 12 ديوانا منها : عناق الشمس 1966أغنيات طائر غريب 1972 الشيخ نصرالدين والحب والسلام 1974 للحب أغني 1976 الضياع في المدن المزدحمة 1980 هكذا غنى السندباد 1983 بيني وبين البحر 1985 وكما يموت الناس مات 1995 المرايا والوجوه 1999 الأعمال الشعرية الكاملة 1999 عيون الفجر (للأطفال) 1990 ،
وقد أجريت هذا الحوار مع الشاعر الكبير قبل شهر تقريبا من وفاته ونشر بجريدة الكرامة في أحد أعدادها الصادرة مؤخرا ..

الشاعر عبد المنعم عواد يوسف :
نعيش عصر الديموقراطية المغشوشة !
التغيير قادم لا محالة .. وشعر النثر نوع من الهراء !
أعتبر نفسي مبدعا في الشعر وهاويا في النقد
الشعراء غرباء في أوطانهم وأزمة النقد سببها المحسوبية


الشاعر عبد المنعم عواد يوسف واحد من ألمع شعراء الستينات ، كتب أولي قصائده مع فجر ثورة يوليو 1952 ومع إشراقة شمس الواقع الثوري ، برز نجم عواد يوسف كواحد من رواد الواقعية حتي حلول نكسة يونيو 1967 حيث هجر مصر بعدها بعام إلي الإمارات العربية المتحدة ليمكث لفترة تجاوز العقدين ثم يعود عاد يهجو هجر الوطن في قصيدته " هجائيات " .. عن مسيرة الشاعر وقصة قصيدته " كما يموت الناس مات " بينه وبين أمير شعراء الرفض بلا منازع أمل دنقل وعن واقع الحركة النقدية وآليات منح الجوائز بلجنة الشعر وأشياء أخري كان لنا هذا الحوار :


* في ضوء مشواركم الإبداعي الطويل كيف تنظر لواقع الحركة الشعرية المصرية في الفترة الراهنة ؟
* نشرت مجموعة من القصائد الرومانسية في ركن الأدب بجريدة الزمان بدءا من عام 1950 ولكن بعد سنتين مباشرة ومع ثورة يوليو واشتعال المد القومي سيطر علي حياتنا الثقافية الاتجاه الواقعي ، هذه المرحلة الثانية وهي الانتقال إلي الواقعية وفي عام 52 بالذات نشرت أولي قصائدي " الكادحون " ، كما واكبت هذه الفترة ظهور التيار الواقعي الذي ارتبط بقصيدة الشعر الحر أو شعر التفعيلة وكنت من أوائل من كتبوا في هذا الاتجاه من خلال قصيدتي الكادحون وكما يموت الناس مات وغيرها من القصائد التي تنحو منحي واقعيا ، ومن خلال التفاعل ابتدأت تتغير مفاهيمي الشعرية وأتجه اتجاهات أخري ، وأنا لست متشائما وأري أن الشعر اليوم بخير وأن الشعراء يتجددون باستمرار في كل الاتجاهات ، حقا إن كثير من الشباب يميل إلي ما يسمي بقصيدة النثر علي سبيل الاستسهال وهروبا من الالتزام بالوزن الموسيقي وما يستتبع ذلك من مشقة ، ولكن هناك شعراء حقيقيين كتبوا قصيدة النثر من منطلق فني فهم كتبوا القصيدة العمودية والتفعيلية ثم كتبوا قصيدة النثر وهؤلاء لا أختلف معهم وإن كنت أعتقد أن قصيدة التفعيلة ما زالت قادرة علي التفاعل في حياتنا .


* لكنك ذكرت في وقت سابق أنك ترفض " الانزلاق " إلي قصيدة النثر كما وصفت اغلب ما يكتب تحت مسمي قصيدة النثر بأنه نوع من الهراء ؟
* اعتقد أنه فن هجين وهناك بالفعل هراء ، فالصالح مما يكتب في قصيدة النثر واحد في المائة فقط والباقي هراء يلجا إليها البعض لأنه عاجز عن كتابة سطر واحد موزون .


* وكيف شكل الواقع الثوري بعد يوليو52 رافدا من روافد الإبداع الشعري بالنسبة لجيلكم حينذاك ؟
* الثورة انحازت إلي الشعب بدليل إنجازاتها المتعددة من إلغاء الألقاب والإصلاح الزراعي وقيم المساواة ، لذا كان طبيعيا أن اشعر أن الثورة لبّت ما كان يعتمل في صدري ، اتجاهي الواقعي كانت عندي بذوره في بعض القصائد التي نشرتها قبل الثورة ، كان هناك اتجاه نحو التعامل مع الواقع فنيا لكنه لم يكتمل ولم يتبلور إلا بعد ثورة يوليو وإيماني بها .


* هل لقصيدة " كما يموت الناس مات " قصة مشتركة مع الشاعر أمل دنقل ؟

* هذه القصيدة عندما نشرت عام 53 أو 54 وجدت حفاوة شديدة في الأوساط الأدبية ، وكان طبيعيا أن يتأثر بها بعض الشعراء ومنهم أمل دنقل الذي ضمّن مقطعا منها قصيدته " مقتل القمر" ووضع ما ضمّنه بين قوسين ، وهو أمر مشروع ، ولكن ناشر الديوان لم يحرص علي وضع هامش إحقاقا للحق .


* هل موقف الناشر هو ما أثار حفيظتك حينها ؟
* أنا احترم أمل دنقل وكانت تربطني به صلة حميمة وكان يؤمن بي كما أؤمن به تماما ، ولكن أنا قلت إن ما حدث خطأ الناشر الذي نشر ديوان " مقتل القمر" بالذات.


* وهل صحيح أن أمل دنقل اضطر لحذف هذا المقطع في نهاية الأمر ؟
* لم يحدث وموجود في القصيدة ، ذات مرة ادعي الشاعر والناقد حسن توفيق أن أمل دنقل قال له خذ هذا المقطع وردّه إلي صاحبك عبد المنعم عواد يوسف وهذا غير صحيح بدليل إن المقطع لا يزال موجودا في قصيدة مقتل القمر .


* الشاعر اللبناني وديع سعاد يقول بأن الشاعر العربي مغترب دائما سواء في وطنه أو خارجه .. ما رأيك ؟
* الشاعر بطبعه كائن غريب من الممكن أن يشعر بالغربة داخل وطنه ولكنني وإن كانت أثار الغربة تبدو في قصائدي قبل التغرّب الحقيقي لكن ذلك ظهر عندما اضطررت للهجرة بعد إحساسي بالإحباط بعد نكسة يونيو 1967 ورحيلي عام 68 معارا إلي الإمارات حيث أحسست أنني انتقلت من بيئة إلي بيئة فانا لا أعتبرها اغترابا حقيقيا لأن كلها بلاد عربية ، لكن كما قلت الإحساس بالغربة شيء طبيعي في كيان الشاعر وكان لابد أن يستمر هذا الشعور ولذلك كتبت قصائد ضمنتها ديواني " هكذا غني السندباد " ونحن نعلم أن السندباد كان رمز التغرب برحلاته السبع .


* لكنك أدنت بقوة في قصيدتك " هجائيات " هجرة الوطن .. ألا زلت متمسكا بإدانة الهجرة خارج حدود الوطن ؟
* في هذه القصيدة تساءلت خلال فترة اغترابي الطويلة التي جاوزت العقدين لماذا نخرج ونترك وطننا ولا نبقي ونعاني مثلما يعاني الكثيرون ، بالفعل عشت فترة طويلة في و هم يعتبرونني احد أبناء الدولة وكانت تربطني بها الكثير من الصلات وواكبت أشياء كثيرة فيها بل إن أول نشيد رسمي لدولة الإمارات وهو " عاليا يا علم فوق أعلي القمم " كان من تأليفي .


* بموازاة مشروعك الإبداعي الكبير حوالي اثنا عشر ديوانا ، كانت لك بعض المساهمات النقدية ، فإلي أي مدي تأثر الإبداع بالنقد بداخلك ؟
* علي المبدع عندما يبدع تنحية الناقد تماما بداخله لأنه لو ابتدأ يحرك الناقد ويضع نصب عينيه الموازين التي يلتزم بها فسيخرج إبداعه مفتعلا ولذلك فعلي الأديب الناقد أن ينطلق خالعا عباءة النقد ، فالإبداع يكون إبداعا في المرة الأولي إذا كان في أعماق المبدع الآليات الفنية الحقيقة وأنا أعتبر نفسي مبدعا في المقام الأول وهاويا في مجال النقد وان كان كثيرون يصرون علي كوني ناقدا .


* وما أسباب تراجع الحركة النقدية برأيك ؟
* المحسوبية والشللية لها دور في تلك الأزمة هناك بعض الشعراء له قيمة قليلة لكنهم يحيطون أنفسهم بشلة تطبل لهم وتزمر ولا أريد أن اذكر أسماء ، فعندما يسيطر اتجاه مذهبي علي فترة ما نجد أن الشعراء الذي يلمعون هم الذين ينتمون إلي هذا المذهب .


* حضرتك عضو بلجنة الشعر بالمجلس الأعلى للثقافة .. كيف تمنح هذه اللجنة جوائزها ؟
* اللجنة لا تمنح إلا الجائزة التشجيعية لأن بقية الجوائز " التفوق والتقديرية ومبارك " جوائز تخضع للتصويت بالمجلس .


* وما هي آليات منح جائزة الدولة التشجيعية في لجنة الشعر ؟
* اللجنة تختار من بينها لجنة خاصة تفرز الأعمال المقدمة إليها واللجنة لا تنظر إلا للعمل المقدم دون شخص مؤلفه وربما يفوز بالجائزة شاعر لم يكن احد يتوقعه ، فأحيانا تعطي الجائزة لشاعر لا يتناسب مع التشجيع عمريا هناك شعراء تعدوا الستين وأخذوها مثل عبد الستار سليم ، ومن يتهمون اللجنة بالانحياز هم من تقدموا إلي الجائزة ولم يفوزوا بها فقط


* سياسيا .. ما هي رؤيتك لمستقبل تداول السلطة في مصر ؟
* أنت بذلك تدخلني متاهة السياسة وأنا أري أننا في عصر الاتجاه الواحد فالحزب الوطني عندما أعلن عن برنامجه لم يكن للثقافة أي دور في هذا البرنامج وكأن الحزب الحاكم لا يعتبر الثقافة عنصرا أساسيا في حياتنا العامة عكس ذلك حزب التجمع بأنشطته الثقافية المتعددة .، نحن الآن في مشهد سياسي مفتعل والديمقراطية صورية هم يقولون : تكلم كما تشاء وسنفعل ما نشاء!


* هل تعتقد أن أصحاب مشروع التغيير سينجحون في تحقيق ما يطمحون إليه ؟
* أنا مع أنشطة كفاية وكافة حركات الرفض لكثير مما يحدث في حياتنا الثقافية فهذا كله سوف يتبلور في تغييرات حقيقة ولكن علينا الحذر من بعض الاتجاهات التي تشدنا إلي الوراء بما تمثله من ردة فكرية تتمثل في قضايا الحسبة التي يتزعمها أفراد ينتمون إلي جماعات سياسية ربما تكون ممولة من الخارج ، نريد تغييرا يدفع بنا إلي الأمام لا تغييرا يشدنا إلي الخلف .

إسماعيل الأشول

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق