الجمعة، 10 سبتمبر 2010

نزهتي في العيد !!




ما إن استمعت إلي التواشيح الدينية علي لسان المبتهل الخاشع عبر أثير موجات الإذاعة المصرية قبيل فجر اليوم الأول من شوال وهو يودع رمضان حتي كادت تدمع عيناي حزنا علي فراق الشهر الكريم سريعا ، وحزنا أكثر علي أن يكون نصيبي من الشهر الفضيل ليس إلا الجوع والعطش دون تسجيل اسمي ضمن قوائم الصائمين القائمين المقبولين العتقاء من النار .. استغرقت في الاستغفار لدقائق معدودة وأنا أرتدي ملابس العيد وأضع " البرفان " ثم لهج لساني بصوت مسموع بالتكبير والتهليل والتحميد وبقية الأذكار التي يرددها المسلمون في الأعياد " الله أكبر .. الله أكبر .. الله أكبر .. لا إله إلا الله .. الله أكبر .. الله أكبر .. ولله الحمد .." انتهيت من ارتداء ملابسي والاطمئنان إلي أنني لم أنس شيئا يعيقني عن البهجة والفرح في يوم العيد أو بالأدق في الساعات الأولي من يوم العيد الأول قبل أن أذهب مع انتصاف النهار إلي العمل ، مرت لحظات سريعة وأنا أفكر دون رغبة مني في بعض الأخبار غير السارة التي أخبرني بها بعض الشامتين مؤخرا علي أنها من مثيرات الألم والحزن العميق بداخلي وهي وإن كانت كذلك بالفعل إلي جانب جو الاغتراب وحرماني من تقبيل يدي أمي وأبي في العيد لأسباب تتعلق بطبيعة العمل إلا أن طموحي العظيم ، ورغبتي في الرضا بما كتبه الله أزاح تلك الأخبار غير السارة جانبا ، ووجدتني إزاء قائمة طويلة من المفاخر العظيمة التي تؤكد أن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا .. أغلقت باب شقتي المتواضعة وتلوت دعاء الخروج واستأنفت التكبير والتحميد والتهليل وأطفال الشارع أصدقائي يعبثون معي ببعض الكلمات منها ما تعلق بالثناء علي ملابسي في العيد ومنها ما اقتصر علي نوعية " البرفان " الجديد !! أدركت الفجر جماعة ثم صحبت أحد جيراني القادم من الصعيد مثلي إلي صلاة العيد بمسجد مصطفي محمود ، ركبنا ما يمكن تسميته تجاوزا بالميكروباص وأنزلنا السائق بعد أن جمع الأجرة قبل بلوغ محطة النزول!ولأن اليوم عيد فلم يعترض أحد من الركاب وإن كان الأمر لم يخل من غمغمة وهمهمة تلعن السائق الشرير آكل أموال الناس بالباطل ، بعد سير عدة دقائق كنا أمام مزلقان ناهيا في بولاق الدكرور وأردت ركوب شيئا آخر يمكن تسميته تجاوزا بالميكروباص إلا أن صاحبي في رحلة صلاة العيد دعاني للسير ، فسرنا معا بصحبة المئات من أهالي بولاق الدكرور ، أشعل صاحبي سيجارة أو اثنتين في طريقنا إلي المسجد وأكلت كعكة واحدة وكنا علي وضوء علي أمل أن نجد وسيلة ما لتجديد الوضوء بمسجد مصطفي محمود بالمهندسين ، وصلنا وكان الموقف صعبا للغاية فالسيدات والفتيات والأطفال الصغار وكثير من الرجال لم يحضروا ليقوموا بتأدية سنة مؤكدة عن سيد الأولين والآخرين سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم وإنما جاءوا لنزهة !! جلسنا بصعوبة خلف صف طويل من الشباب ألبسوهم أردية مكتوب عليها ما يؤكد تبعيتهم للحزب الوطني الديمقراطي الحاكم ، سألت التابعين لحزب تصدير غاز مصر للعدو الصهيوني عن علة وجودهم وتمترسهم أمام المصلين ومنعهم من الجلوس بالأماكن المتروكة دون بشر يجلسون فيها ، أكد لي أحد المتفاصحين من شباب الحزب الوطني أن المكان متروك للسياسيين ، استشعرت روعة الجلوس ومواصلة التكبير والتحميد والتهليل والصلاة علي سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم في تلك اللحيظات المباركات فلم أشأ تفنيد حجته وتركته لأجلس خلف صف شباب الحكومة !! بعد جدال مع أحد المصلين الذين كنت أدافع عن حقهم في الجلوس كآدميين دون انتهاك لكرامتهم لصالح من يصفونهم بالسياسيين جلست إلي جوار الرجل واستانفت ذكر الله بينما أغلب الناس مشغولون بأشياء غير التي جاءوا بداهة من أجلها ، مرت عدة دقائق وقبل الصلاة بحوالي عشرين دقيقة فوجئت باثنين من " المصلين " يتشاجرون بالأيدي والناس يحاولون إنهاء الشجار بأقل قدر ممكن من الإصابات ، لم أتمالك نفسي وانخرطت في الضحك ، نسيت أن أخبركم أن الوضوء مجددا لم يعد أمرا مطروحا علي أولوياتي في تلك اللحظات لاستحالة توفير مكان للوضوء أو تيسير الوصول إليه ، سألت الله في نفسي أن يتقبل عذري في عدم تجديد الوضوء وأكدت لنفسي أن نظراتي لبعض الفتيات والسيدات في طريقي إلي المسجد وأنا علي وضوء لم تكن غريزية بيولوجية علي الإطلاق ، فقط كانت لاستبصار الطريق !! وبالتالي فأنا لا زلت علي وضوء ، أنهي الناس مشاجرة أخويهم بينما كان محافظ الجيزة سيد عبد العزيز قد حضر بصحبة بعض الأفراد الحكوميين من الساسة وذوي العمائم البيضاء ! دعانا الشيخ الدكتور سالم عبد الجليل إلي الصلاة الجامعة وأعجبت جدا بصوته وكذلك شرحه لتكبيرات ركعتي العيد ، صلي بالأعلي والغاشية وكان صوته نديّا جميلا ثم خطب فينا خطبة جيدة وانتهت الصلاة وتفرق الناس وصحبت صديقي حتي أول مفترق طرق حيث قررت الذهاب إلي جنينة الحيوانات بينما قرر الرجوع إلي منزله ، دخلت جنينة الحيوانات ولم أرها كسابق عهدي بها ، لم يعد الناس يزورونها كثيرا ، التقيت في الجنينة بطفلين أصغر مني بعشر سنوات تقريبا ، اتفقت معهم علي صحبتي داخل الجنينة وخلال صحبتنا معا اتفقنا علي الذهاب إلي جنينة الأسماك ، ذهبنا بالفعل ، واستمتعنا كثيرا بالتجول داخل جنينة الأسماك والتقاط بعض الصور بكاميرا المحمول لبعضنا ، كان أحدهم اسمه يوسف والآخر أدهم ، واتفقنا خلال حديثنا علي أن التدخين عادة سيئة وسخيفة وقذرة ولا تليق بأسوياء ! وسألت يوسف عن علة ارتدءاه سلسلة في رقبته فأخبرني أنه فعل ذلك بتوجيهات أصدقاءه فقلت له إنني أحترم خياراته طالما لم تؤثر علي الآخرين من حوله ، لكن علي أن تكون خياراته نابعة من رغباته الخاصة ، فهم ما أعنيه وخلع السلسلة ولا أدري إن كان عاد لارتداءها مرة أخري أم لا ، ذهبا مبكرا لارتباطهما بميعاد في مكان آخر وبقيت وحدي في جنينة الأسماك ، ذهبت لأطفال آخرين ولعبت معهم بالكرة ، حتي تصبب جسدي كله تقريبا بالعرق ، وقفت حارسا للمرمي بعض الوقت حتي يسعد الأطفال في فريقي ويشعرون بذواتهم ، فوجئت بفتيات لديهن طباع أكرهها ولا أحب لفتاة مصرية أن يكون لديها مثل تلك الطباع ، كان في مكان لعبنا فتاتين تلعبان بزجاجة فارغة من المياه الغازية ، ولا أعتقد أن أحدا يمكنه تفهم أن تركل فتاة وسط عدة أولاد بقدمها زجاجة مياة غازية فارغة حتي وإن كان اليوم عيد ! في طريقي للخروج سألت عن الطريق المؤدي إلي التحرير ، أقصد ميدان التحرير ، سرت لدقائق علي قدمي ، حتي وقفت منتظرا مرور سيارة أجرة تقلني إلي حيث أريد ، شعرت بأنني فعلت ما أردت ، وفرحت ، وعشت مشاعر إيجابية عظيمة تجاه أطفال لا أعرف منهم أحدا ، لكني شعرت بالحزن الشديد أيضا لأن بعض الأطفال الذين لقيتهم خلال نزهتي في العيد لم يكونوا أطفالا ! فقد فوجئت بأن طفولتهم مسلوبة وهم يتلفظون بعبارات نابية ولا يعرفون معني للجمال ولا يفكرون سوي في التناسل والارتماء في أحضان أنثي ناهدة ولا يعنيهم علي الإطلاق ماذا سيصيرون في المستقبل ربما لأن الواقع من حولهم لا يوحي لهم بخير !

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق