الأربعاء، 23 يونيو 2010

صرخة المخاض !

لم يسعدني حظي بمشاهدة أمي وهي تصرخ صرخة مخاضها حينما ولدتني ، ربما سمعتها وأنا في طريقي إلي الوجود الإنساني وربما لم أسمعها مطلقا لإنشغالي حينها بالصراخ المتواصل طلبا للغوث نجدة من أيدي الداية وهي تعبث بأجزاء من جسدي تؤكد انتمائي للنوعية المفضلة من الذريّة لدي الصعايدة وربما لدي المصريين عموما وهي نوعية الذكور !!
ورغم استماعي بين لحظة وأخري طيلة حياتي التي قاربت أربعة وعشرين عاما لعدة صرخات لعدد من الإناث في مخاضهن من الجيران والأقارب إلا أنني أيضا لم أرْ وجوه هؤلاء النسوة حينما كن يصرخن ، إلا أن رغبتي الدفينة بعقلي الباطن في رؤية امرأة وهي تصرخ في مخاضها لسبب لا أعلمه حتي اللحظة قد تحققت أخيرا وإن كان ذلك قد حدث بطريقة كوميدية جدا حيث جاءت الصرخة المخاضية المريعة من حنجرة أحد المنتمين بجدارة لجنس الذكور في مجتمعنا الذكوري الذي ينحني تقديرا واحتراما وتبجيلا لذوات القباب المتفجرة والشفاه المكتنزة بينما لا يلقي بالاً بأيّا من البائسين ممن ظنّوا أن بعض الاجتهاد قل أو كثر يجيز لهم حيازة الاهتمام بدوائر مجتمعنا المثقفة وغير المثقفة !
الصرخة جاءت من حنجرة ذكر !! إلا أن روعتها وشدة وقعها أثارت في نفسي كل المعاني المرتبطة بمخاض امرأة ، فعينيّ الصارخ رغرغت حينها وجحظت بإراداته في محاولة مضحكة منه لإرهابي بينما أنا أحدق في وجهه محاولا بكل طاقاتي الفكرية والعصبية استحضار آخر وجه لأحدي اللواتي صرخن تلك الصرخة منذ وقت ليس ببعيد حيث صحبت أمي حينها في مشوارها لتهنئة السيدة المشار إليها علي مولودها الجديد حيث كان وجهها يتصبب عرقا بعد ساعات من الوضع بينما أمي تمسح علي جبهتها بمنديل أبيض وتسوي بعض خصلات من شعرها أخذن طريقهن علي جبهتها تبعا لمسارات قطرات العرق !
كنت أتذكر وجه السيدة الذي يتصبب عرقا وأنا أحدق في وجه الغاضب الذي اصطنع غضبته لإرهابي دونما سبب واضح حينما كنت أمر بأحدي الطرقات الجانبية المتفرعة من طرقة رئيسية بأحد المولات التجارية الراقية بالقاهرة حيث كنت في طريقي إلي غادة حسناء سبق لي اللقاء بها في أحدي حفلات توقيع الكتب بأحدي المكتبات الشهيرة فما إن رأتني داخل المول المذكور حتي بادرتني بابتسامة تليق بها فرددتها بأحسن منها وزيادة مقررا استلاب لحيظات لنتحادث معا حتي أزيح عن كاهلي تراكمات شعورية سلبية علي مدار اليوم نتيجة لتعاملات لا تخضع لقيم بني الإنسان داخل محيط عملي ، وما إن رآني الصارخ المذكور أعلي تلك السطور في طريقي إلي غادتي ذات العيون الواسعة والبسمة الساحرة حتي أطلق صرخته الخالدة في وجهي سائلا إياي عن وجهتي وهويتي فلما أفاق من صرخته وأفقت من تداعياتها النفسية عليّ أشرت له إلي الغادة إياها فابتسم ببلاهة ثم تركني أمضي في طريقي إليها لأصافحها وتسألني عن سبب صراخ الرجل هذه الصرخة الغريبة فأخبرها بأنها فعلا غريبة كصرخة المخاض فتضحك فتبدو بسمة عينيها أكثر جمالا من بسمة شفاهها لتتركني وتمضي فأتوجه إلي بوابة الخروج لأري الرجل الذي أطلق صرخته إياها مستلقيا علي أحدي الكراسي فاتحا رجليه ورأسه إلي السماء بالضبط كمثل سيدة لم تلبث أن وضعت وليدها !!!!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق