الأحد، 29 أغسطس 2010

حينما قال لي سائق التوك توك : هات اللي تجيبه !!


لم يعد الصمت ممكنا ولا الصراخ مجديا !! فلنتعامل أيها الرفاق مع الأمر برويّة وحكمة .. لنتعايش مع التوك التوك كما نتعايش مع الزوجات والحموات ، فقد صار التوك توك مثلهم قدرا مقدورا لا مفر منه .. شخصيا لم أختر، إلا مرغما ، ركوب التوك في تلك الليلة الليلاء من ليالي " بووولااااء الدكرور " !!

كان لدي عدة حقائب بها أصناف من الأطعمة وأشياء أخري لا مجال لحصرها تكفي لإعاشة كتيبة علي الحدود مع العدو الصهيوني لشهر علي الأقل ، حملتها معي عائدا من أول زيارة لي إلي الصعيد بعد التحاقي بعمل " الأبهة والهنا " في الصحافة .. حيث مكثت هناك أسبوعا بأكمله حاولت خلاله أمي استعادة ما ضاع من قوامي من شحوم ولحوم ، فلم أعد مربرباً كسابق عهدها بي .. صار خصري كخصر فتاة تلعب في الأولمبياد !!

وما إن وقفت أمي علي حقيقة مأساة ضياع عدة كيلو جرامات من وزني ، حتى أعلنت حالة التأهب القصوى ، فصارت حياتي بين النوم والطعام المسبك طيلة أسبوع حتى إذا ما قررت الرجوع مرغما إلي القاهرة ، اختارت لي أمي من كل شيء يؤكل لديها شيئا ، فوجدتني إزاء حقيبتين وكرتونة صغيرة وحقيبة الملابس وحقيبة الكتف التي بها بعض الأوراق التافهة المتعلقة ببعض الموضوعات الأعظم تفاهة !!

الرحلة من بلدتي الصغيرة – دروة - في ملوي بالمنيا حتى شارع السودان بالجيزة إلي موقف "بوووولااااء الدكرور " لم تكن مضنية إلا أنني بمجرد نزولي مزلقان ناهيا وشروعي في السير كعادتي لمدة ربع ساعة حتى أصل لمقر سكني بأحدي شوارع ناهيا المكتظة بسكانها من كل أجناس الأرض ( لدينا صينيين وأفارقة ونوبيين ويابانيين .. إلخ )) وجدتني عاجزا تماما عن السير ومع أحمالي الثقيلة ، فلا مفر إذن من ركوب التوك توك .. وما إن اقتربت من أقرب توك توك حتى نظر إلي سائقه مشمّرا عن ساعديه نظرة وحش يفتعل الألفة مع فريسته الوديعة في تلك الساعة المحلولكة من ليل ناهيا البهيم ، سألني عن وجهتي فأخبرته بها فقال اركب ياباشا ، أغرتني كلمة باشا بالركوب فلم أسأله عن الأجرة، فلا مانع لدي في دفع قيمة الأجرة لحمولة التوك توك كاملة لتوصيلي بأحمالي الثقيلة إلي شقتي المتواضعة خلال دقائق قليلة ، رفعت الأحمال التي كما ذكرت ليست إلا أطعمة ومعها بعض الملابس ، وركبت إلي جوارها خلف السائق الذي تلفت يمينا ويسارا ثم سأل أحد زملائه من قائدي التوك توك بأدب جم أن يعطيه سيجارة فأجابه زميله بـ " شخر " بدد أي مشاعر بالأمان لدي!! وأعطاه سيجارتين ناهياً إياه عن تسول سجائره منه دائما ، مضي في طريقه قائد التوك التوك ومدّ يده لي بسيجارة فأخبرته بأنني لا أدخن فرمقني باستغراب ثم قال : غريبة انت شغال إيه يابيه ؟! أخبرته بصوت خفيض أنني لا زلت أدرس بالأزهر حتى أطرد من تفكيره أي محاولة سطو أو تقليب ليست مستبعدة !! ابتسم وقال: ماشي يا عم الشيخ.. قلت لي هتروح فين ؟ أخبرته بالشارع المقصود مجددا ، سلك طريقا معاكسا للطريق المخصص لسيرنا فسألته وكلي أدب عن علة اتخاذ الطريق المعاكس دون الطريق الصحيح من وجهة نظري ، فغمغم بكوكتيل شتائم موجهة للقائمين علي تنظيم الشارع من المرور مؤكدا أنه كدة كدة بيدفع لولاد الــ (.. تيييت ) فلماذا يلتزم بالطريق الصحيح ما دام كدة كدة هيدفع ( ملحوظة بسيطة : ولاد التيييت تعني سبابا يتعلق بأنشطة الناس في أوقاتهم الحميمية !! )

وصلنا الشارع المراد وأنزلت حقائبي وسألت السائق عن الأجرة فقال اللي تجيبه .. سألته كم يعني ؟.. أجاب: يا شيخ اللي تجيبه ، قلت : يا عمي عايز كم ؟ .. قال : هات بس اللي يطلع في ايدك .. أخرجت من جيبي ما تبقي من مصاريف السفر وأعطيته عشرة جنيهات منتظرا الباقي فابتسم بأسي مفتعل مؤكدا أن المشوار الخاص لا تقل تكلفته عن خمس عشرة جنيها !! مبررا طلبه المزيد بظروف الشارع الذي يعمل به مع أولاد ( التيييييييت ) بتوع المرور ، وما إن سمع صاحب المسكن كلمة (التيييت ) الكبيرة حتى خرج شاهرا قاموسه (التييييتاوي) العتيق واسترد جنيهين من قيمة ما أخذه السائق ، فلما ذهب السائق بادر صاحب المسكن بمساعدتي فشكرته فاستوقفني وفي يده ما استرده من السائق وأخبرني أنه خلال إجازتي " ضربت البلاعة " الخاصة بالصرف الصحي للمسكن الذي أقيم فيه !! وبالتالي فإنني مطالب بالمساهمة في تكلفة ما تم انجازه من إصلاح ، سألته ببراءة : عايز كم يا عم الحج فقال بهدوء : هات اللي تجيبه !!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق