السبت، 24 أبريل 2010

طفولة خارج نطاق الخدمة !

"حجّاج " طفل ترك مدرسته الابتدائية بأحدي قري الفيوم بعد السنة الخامسة له ليلحق بأسرته التي هجرت قريتهم إلي منطقة بولاق الدكرور بحثا عن عمل يفي بما علي الأسرة من أقساط وديون يجب سدادها بصفة دورية كل شهر .. حجاج يتقاضي يوميا خمسة عشر جنيها لقاء عمله بأحدي أفران الخبز بشارع ناهيا بالمنطقة التي يسكن بها فضلا عن قيامه ببيع جزء من إنتاج الفرن في شارع ناهيا طوال اليوم من العاشرة صباحا وحتى الثانية عشرة صباحا من اليوم التالي تقريبا ما لم يكن هناك طارئ يستوجب تأخير أو تقديم مواعيده اليومية .. حجاج أخبرني أنه يصلي كما أنه ليس نادما علي تركه للمدرسة فأخويه اللذان يقودان اثنين من " التكاتك " نالا حظا وافرا من التعليم انتهي بهما خلف عجلة قيادة " التُك التُك " وهي مهمة لا تستدعي خبرة عقد ونصف من عمر الفرد في مقاعد الدرس من وجهة نظره ولذلك فهو غير نادم ..حجاج يرغب في الاستقرار وتعلم مهنه تقيه خطر تراكم الأقساط عليه كما تراكمت علي أسرته الفقيرة .. حجاج حكي لي أشياء كثيرة كان منها تلك السطور السابقة وأنا أشتري منه عدة أرغفة تكمل وجبة الملوخية التي اعتزمت إعدادها ليلة أمس .. حجاج كان يناديني دائما إما يا باشا أو يا أستاذ لكنه منذ أخبرته بتجربتي في أحد الأفران البلدي بذات المنطقة التي تجمعنا سويا لا يزال يناديني يا معلم كلما مررت من أمامه وألقيت عليه السلام .. حجاج لا ينشغل بي كثيرا وأنا أقف بجواره أسأله عن أخر أخباره وحينما تمر سيدة أو فتاة ترتدي عباءة ضيقة نوعا ما يشاركني النظر إليها وإن كان يرمقني بعينيه الواسعتين مندهشا بين لحظة وأخري وكأنه يريد أن يقول لي إنه لا يليق بك أن تفعل .. آخر مرة التقيت بحجاج كان يمر بأحد أقفاص الخبز من الشارع الذي زادته الأمطار الأخيرة سوءا ..فأوقعت من القفص عدة أرغفة من حجاج .. كنت علي الجانب الآخر فلم أستطع معاونة صديقي الصغير .. لكن حينما ناولته أحدي السيدات الأرغفة التي تساقطت منه وجدته يرمقني بنظرة لم يخف فيها اتهامه لي بالتواطؤ والنكوص عن مساعدته.. كان وجهي حينها مؤهلا للاكتساء بحمرة الخجل غير أن شعوري بالخزي أمام نظرة حجاج أدخلتني في دوامة من الشعور بالذنب .
إسماعيل الأشول

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق