الثلاثاء، 2 مارس 2010

انتشاء عابر

تعرف تبوس ؟ سألتني وهي تجلس في مواجهتي بالمقهى الواقع أسفل أحدي المباني الجانبية بشارع جامعة الدول العربية بمنطقة المهندسين ..تظاهرت بعدم سماعي السؤال مشيحا بنظري في هدوء محسوب إلي الشخص الواقف أمام آلة العزف أو بالأدق أمام آلة " العك " التي لا تصدر موسيقى بقدر ما تصدر أصوات عالية وضوضاء صاخبة تسمح لتلك الجالسة أمامي دون سابق معرفة أو دعوة بطرح هذا السؤال الذي أثار غريزتي بقدر ما أثار دهشتي ..لم تحوّل سائلتي نظرها عني منتظرة إجابة من فم أتعبته آلات إزالة الجير وتلميع الأسنان لدي أحد الأطباء علي بعد نحو عشر دقائق من تلك الكنبة المتواضعة التي اجلس عليها ولا أستطيع القيام لأسباب بيولوجية محضة لا أجيد ولا أريد حكايتها .. فتحت حقيبتي الخاصة واستخرجت نص حوار كنت أجريته مع أحد الأدباء مفتعلا محاولة تعديل أو حذف بعضه تمهيدا لنشره بالجريدة التي اعمل بها .. وضعت سائلتي يدها علي ركبتي ناظرة في حنان مصطنع مستجمعة كل ما تبقي لديها من انوثة لتخبرني أن ثمة كنبة بالجانب الخلفي أكثر هدوءا ربما تصلح أكثر للقراءة أو أي فعل يستدعي إضاءة أفضل ومراقبة أقل من أولئك الواقفين علي بوابة المقهي.. لم أعلّق علي مقترحها إطلاقا فقلبي زاد معدل ضرباته وبدأت أدخل حالة من النشوة المشوبة بالقلق ..نعم كنت بين حالتين متناقضتين تماما وكانت مشاعري تتبادل لحيظات الوقت مع بعضها في سرعة أنستني رغبة الاستمتاع وخوف الانزلاق في هوّة اللذة المحرّمة ..كنت اخترت مكاني قريبا من الباب حتي لا أتعرض لمكروه من سرقة أو اغتصاب بالداخل ..وما دفعني لدخول المقهي بالاساس هو صوت الضجيج الذي يصل الي آذان المارة وربما رجال المرور ولذلك فقد استشعرت شيئا من الأمان وفرّ لي مبررا للمخاطرة ومحاولة اكتشاف المكان ..دخلت فجأة فتوقفت إحداهن عن الرقص وحينما بادرني أحدهم بالسؤال عن وجهتي وأجبته واصلت الراقصة وصلتها الخليعة ربما بأكثر مما كانت عليه في الداخل ..سألتني فتاة لم تبلغ العشرين من عمرها في تقديري عن أي شراب أريد فأجبتها بالنفي مكتفيا بالجلوس فقط مع التعهد بدفع " المنيمم تشارج " وهو مبلغ ما يدفعه كل الزبائن بمجرد الجلوس..جلست حتي سألتني تلك الفتاة التي لم أعرف اسمها بعد " تعرف تبوس "؟ لم أفتعل النظر إليها ببلاهة لكنني بالفعل بدوت أبلها حقيقيا وهو ما أسعدني رغم مواصلة الفتاة وضع يدها علي ركبتي وهو ما زاد في إثارتي أنا الذي أفضل عدم التسليم باليد علي الزميلات فما بالكم بحسناء رخيصة تلعب بأصابعها البيانو علي ساقي ؟
طلبت منها بنبرة طفل فقد أمه في سوق مزدحم أن تكف عما تفعله حتي أستطيع مواصلة الحديث معها فضحكت متسائلة عن مدي إثارتها لي وهي تحدق في عيني مرة وأسفل الحزام مرات قاومت بشدة رغبتي في احتضانها وكان ذلك لأسباب كثيرة لعل أصدقها هو خوفي من تبعات ذلك الفعل فربما أسرق أو تضيع حاجتي وربما أيضا تكون فضيحة بجلاجل لواحد من أقطاب المعارضة في مصر وستكون هذه المرة ليست ملفقة كالعادة ..
بادرت بلملة أوراقي ووضعها بالحقيبة وسحبتني من يدي الي الكنبة الأقل صخبا بالداخل قليلا متعمدة دفعي قبلها لأجلس وتقف أمامي لتعلنها صريحة ..صريحة أكثر من صراحة سؤالها لي عن مدي معرفتي بفن التقبيل ..أعتقد أنه فن ..قالت مية وعشرين وعلشان شكلك مش بتاع كدة أنا بتاعتك الليلادي خمسين كويس ؟..ومتقلقش هأطلع بيك ..مفاتيحك موبايلك جزمتك المتلمعة ..كلها عهدتي ..بس سيب نفسك ..دي حاجة حلوة خالص ..وابقي ادعيلي ..لا أعرف لماذا لم تخلع ملابسها بعد كل هذا الكلام ربما كانت تنتظر موافقتي الصريحة ليستريح ضمير السارق المحتمل لي أنا الجالس أمامها ولا زلت مستمتعا بقدر يفوق قليلا شعوري بالرهبة والندم جراء دخولي المكان ..
فجاة أقبل أحدهم فأزاحها وبصق عليها بعد شخرة قضت علي كل مشاعر المتعة بداخلي قائلا نص ساعة ياروح أمك ..إيه عايزاه يغنيلك ولا يسيبلك تذكار..حاولت بدورها تدارك الموقف غير أن الأمر برمته بدا خارج عن سيطرته فالمستر ..لم أفهم أي مستر.. لايريد منه شيئا غير المغادرة ..يقصدني أنا .. ثم مدّ كف يده اليمني في وجهي مطالبا إياي بعشرين جنيها قيمة " المنيمم تشارج " الذي تعهدت بدفعه ..تظاهرت بالعدمية والبؤس وأنا أتهته وأستغفر ثم أحوقل أي أقول لاحول ولا قوة إلا بالله مرارا ..فلمست فيه شفقة حاول اخفائها عن الفتاة فهمس بنبرة لمست فيها بقايا انسان سوي بداخله وقال هات عشرة بس وأضاف بلهجة ناصح أمين ولما انت شيخ إيه دخلك هنا ..خرجت فوجدت الشارع لايزال كما هو فالحديقة العامة لايزال بها بعض الفتية والفتيات يتسكعن كلٌ علي طريقته وجندي المرور لايزال واقفا ولمبة الإنارة لاتزال متوهجة بينما لاشيئ متوهج بداخلي .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق