السبت، 31 أكتوبر 2009

هذا عطاء الله من عليائه ..بقلم ماجدة أباظة

لأول مرة أكون مشغولة عن تساؤلاتي مع الشيخ الجليل لأنني بصدد التحضير لزواج ابنتي الجميلة «عاليا». إلا أنه هذه المرة هو الذي يواكبني في مشغولياتي؛ لكي نكمل مسيرة سيدي أبي اليزيد البسطامي.
وقفنا في المقالة السابقة عند عبر سيدنا يوسف. كان الدرس المستفاد منها، أنه لابد للحق أن ينتصر كما قال المصطفي صلي الله عليه وسلم «اتقوا دعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله حجاب».
أما المعجزة المكونة من اثني عشر شيئًا «وإذ استسقي موسي لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا». في المعرفة هناك دوما علوم ظاهرية وعلوم باطنية. فإذا نظرنا إلي «الحين» الذي يشار إليه في كتاب الله عن النخلة أنها تؤتي أكلها كل حين، أي تؤتي ثمارها كل حين، والحين هنا أي سنة، اثنا عشر شهرا. في الاثنا عشر شهرا يتم تكوين أُكُل النخل والاثنتا عشرة عينا يتم سقاية الناس الذين علموا مشربهم، الظاهرية والباطنية في العلوم اللدنية.
اما الثلاثة عشر هم، أخوة سيدنا يوسف وأبوه وأمه. حينما قال: «إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين». فالأخوة هم الأحد عشر، أما الشمس فهي الأب وأما القمر فهو الأم. الأم التي تظلل علي أبنائها والأب الذي ينير طريقهم إلي سبيل الهداية. فاذا نظرنا إلي هذا الجيل، نجد أنه جيل مظلوم لأنه يفتقد الرعاية. فالأب مشغول والأم مشغولة بالتضييق والتقتير الذي يقع فوق رؤوسهم من معاناة تعليم أبنائهم. فكل يوم نجد أفكارا جديدة تُطَبَّق علي أبنائنا لكي يزداد انحدارهم. فأصبحوا دون قدوة. وأصبحوا في غد مظلم. فأخوة سيدنا يوسف كانوا يكيدون له، لأن الشيطان للإنسان عدو مبين. أما الآن، فمن يكيد لأبنائنا.. الشياطين أم معاونوهم من البشر؟! فالظلم الذي يقع فوق رؤوس أبنائنا من أطعمة سيئة، الفاسدة منها والمضرة بالصحة كالأكلات السريعة. والخطر الأعظم الذي لا ينظر إليه أحد وهو الأماكن العامة التي تطلق العنان للدخان القاتل، فالأمراض التي لا تأتي من الدخان، تأتي من الخضراوات. كما قال المصطفي صلي الله عليه وسلم «من لا يَرْحَم لا يُرْحَم».
فكان السؤال الذي جاء بعد ذلك ما الشيء الذي تنفس ولا روح فيه؟.. قال رب العزة «والصبح إذا تنفس» فكل الأشياء حينما تتنفس فإنها تنبض بالروح إلا الصبح. فإنه يخرج من رحم الليل المظلم. فهو عكس كل المخلوقات، فحينما تنفس النور من الظلمانية، كان روحه المصطفي صلي الله عليه وسلم، فقد جاء من عنده، هو والكتاب المنير، مصداقا لقوله تعالي «لقد جاءكم من الله نور وكتاب مبين».
وحينما أشرقت الأرض بنور ربها، كانت الروح، روح المصطفي صلي الله عليه وسلم التي عمت الأرض بالرحمة لكي يرحم العالمين. والعالمين هنا ليسوا البشر وحدهم ولكن كل من بهم أرواح فوق ظهر هذه الأرض وفوق السماوات، بعث إليهم رحمة لهم.
لو أبصر الشيطان طلعة نوره
في وجه آدم كان أول من سجد
أو لو رأي النمرود نور جماله
عبدالجليل مع الخليل وما عند
لكن جمال الله جل فلا يري «بضم الياء»إلا بتخصيص من الله الصمد.
أما القبر الذي سار بصاحبه فهو حوت سيدنا يونس «فالتقمه الحوت وهو مليم فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلي يوم يبعثون» وهنا لنا وقفة. إن التسبيح يرفع القدر، فإذا كنا في ضيق وسبحنا الله واستغفرناه، فرج ضيقنا.
فلابد لنا من محاسبة أنفسنا قبل أن نُحَاسَب. كما قال سيدنا عمر بن الخطاب «حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا» ولكن بالصدق. فالصدق منجاة، وصدق التوجه لله أعظم باب أنت داخله. فنحن جميعا بتكرار الأيام والساعات والسنين تعودنا أن نتعامل مع الكرب والهم والغم حينما يقع فوق رؤوسنا، فنجلس ونستغفر ونصلي، فلا نعرف الصدق إلا في الشدائد. ولكن جميعنا يدعي أنه صادق. وكل شخص فينا يعرف نفسه. فلنرجع إلي أنفسنا ونحاسبها. فهنا نري أن الحوت قبر والتسبيح نجاة. فالقبر يحدث في ثانية في بيت يهدم علي من فيه، فيصبح قبرًا جماعيًا، في سيارة مسرعة فتصبح قبرا لصاحبها. في طائرة فتكون قبرا جماعيا لمن فيها. و نسمع ونري حينما هدم الجبل فوق رؤوس فقراء هذا البلد فكان قبرا لهم. من منا يدري أين قبره وهل حان وقته. فلم لا نستعد ونحاسب أنفسنا قبل أن يأتينا قبرنا؟. فكلنا حينما نسمع كلمة قبر نتشاءم ونرتعد ونرتجف ولكنها هي الحقيقة الوحيدة.
فالحياة هكذا، تمتزج فيها الأفراح بالأحزان، وعلينا دوما أن نجد الميزان بينهما.
ومازال أمامنا ثلاثة أسئلة لسيدي أبي اليزيد البسطامي.
جزيل عطائكم وسخي وبلوغ الكمال فيك محال
وجميع الكرام منك نجوم.. وهم بالتجلي عليك ظلال.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق