الأربعاء، 26 يناير 2011

مشاهد من ملحمة الخامس والعشرين من يناير

المواطنون يقودون التغيير ويتمسكون بإسقاط النظام
في تمام الثانية ظهر الثلاثاء الماضي الخامس والعشرين من الشهر الجاري بدأ المتظاهرون هتافهم أمام مدخل محطة المترو علي بعد أمتار من سبع عربات للأمن المركزي وعربة ترحيلات وسيارة ربع نقل تتبع محافظة القاهرة ومصفحتين تمركزت جميعها في منطقة الدوران بشبرا مع عدة تجمعات متفرقة لجنود الأمن المركزي كانوا قد وصلوا مبكرا لضمان السيطرة علي المتظاهرين المرتقب وصولهم بين لحظة وأخري !
في الثانية وثلاث دقائق تزايد عدد المتظاهرين القادمين من كل اتجاه نحو المجموعة الصغيرة التي وقفت أمام مدخل محطة المترو وبالتزامن مع تدفق المتظاهرين تدفق بدرجة أشد جنود الأمن المركزي وحاصروا عددا من المتظاهرين علي جانب من شارع شبرا الرئيسي أمام عدد من المحلات التي اضطرت لإغلاق أبوابها تحسبا لوقوع اشتباكات مع تضييق الأمن الخناق علي المتظاهرين .
فوجئ الأمن بتجمعات متفرقة للمتظاهرين علي الجانب الآخر من الشارع خارج الكردون الذي فرضه علي بعضهم وهنا شعر بعض القيادات الأمنية ممن يرتدون ملابس مدنية بالحنق فحاولوا إدخال المتظاهرين بالتفاهم واللين خلف الكردون الأمني وهو ما رفضه بشدة المتظاهرون الذين رددوا هتافات من قبيل " ثورة ثورة حتي النصر .. ثورة في كل شوارع مصر " و" آه ياحكومة هزّ الوسط .. أكلتونا العيش بالقسط " ، مرّ عجوز بالمتظاهرين بشارع شبرا وهم يرددون مخاطبين الرئيس مبارك " ارحل .. ارحل .. ارحل " فقال بصوت غير مسموع " والله ما هيرحل " !
ازدادت الهتافات حدة مطالبة بسقوط حسني مبارك وسقوط النظام وبطلان مجلس الشعب ، فيما شوهد الفنان عمرو واكد بالمظاهرة حيث أكد أن المصريين لابد أن يؤمنوا جميعا بالتغيير حتي يعملوا معا لإنجازه .
بعد سيطرة لدقائق من الأمن علي جغرافية المظاهرة ، اندفع المتظاهرون نحو الكردون المقام علي جانب من مداخل شارع شبرا الرئيسي ونجحوا في كسره نحو اتجاه مغاير فارتبك الأمن وكاد يحدث اشتباك عنيف لولا استعادة الأمن للسيطرة مرة أخري ، وتوسيع دائرة الكردون ، اشتعل حماس المواطنين ورددوا " قوللي ياعامل إيه أفكارك .. يسقط يسقط حسني مبارك " و" ياحاكمنا بالمباحث .. كل الشعب بظلمك حاسس " و" ياأهالينا ضموا علينا .. الحرية ليكوا ولينا " في حين برزت " الحاجة زينب " وهي من مؤسسات حركة كفاية تردد بحماسة شديدة " ياحاكمنا حديد ونار .. ارفع ارفع في الأسعار " " قوللي مين في الشعب اختارك .. يسقط يسقط حسني مبارك " وعدة هتافات حماسية أخري إلي أن كوّنت دائرة من المتظاهرات فبدت أشبه بمظاهرة نسائية إلي جانب المظاهرة الجارية .
في الدقيقة 27 بعد الثانية ظهرا أجري أحد القيادات الأمنية بالمظاهرة اتصالا يطلب فيه قوات عسكرية إضافية لضمان السيطرة علي الأوضاع خاصة بعد كسر المتظاهرين للكردون قبل دقائق معدودة ، بدأ المتظاهرون يرددون هتاف واحد " عيش ، حرية ، كرامة إنسانية " " و" بالروح بالدم نفديك ياوطن " واتجهوا نحو الكردون الأمني مرة أخري في محاولة لكسره مجددا ، تلّفظ أحد القيادات الأمنية لفظا وقحا مخاطبا المتظاهرين قائلا : ارجع يابن الـ ........ انت وهوا ، لكن أحدا لم يسمعه وربما كان هذا من حسن حظه !
ردد المتظاهرون في مواجهة الكردون " يامبارك ابعد عنا .. الحرية هي أملنا " ونشيد " بلادي .. بلادي لك حبي وفؤادي " و" قاعدين قاعدين ومش ماشيين " ، مرّت أسرة مكوّنة من سيدة عجوز وسيدة متوسطة العمر وعلي كتفها رضيع وبيديها طفلين صغيرين يريدون المرور وعساكر الأمن ليس لديهم سوي كلمة " ممنوع .. قولوا للظابط " ، طلب أحد المتظاهرين من أحد الضباط تمرير الأسرة فاكتفي بالقول : مش ذنبي !
بعد أحد عشر دقيقة من طلب القوات الاضافية وصلت " ناقلات الأمن المركزي " في تمام الدقيقة 38 بعد الثانية ظهرا وحاصرت القوات المتظاهرين وأحكموا حصارهم إلا أن المجموعات المتظاهرة تكونت مرة أخري خارج الحصار الأمني وبالتحديد أمام مدخل شارع السندوبي المتفرع من شبرا الرئيسي وهو ما أدي إلي تعطيل المرور الذي عمل المتظاهرون علي تسييره وعدم تعطيله حتي لا تفسد مظاهرتهم .
وقفت الحاجة زينب تهتف " ادي اديها كمان حرية .. وابعت هات مليون عربية " و" آه وآه وآه .. مصر احتلت ياولداه " كما هتف المتظاهرون مخاطبين الأمن " حضرات السادة الظباط .. كام واحد في إيديكم مات ؟ "
أحد الضباط أجري اتصالا بشخص اسمه حسام وطلب منه تنفيذ ما طلبه منه علي وجه السرعة دون أن يفهم المتابعون لتحركات الأمن بملابس مدنية طبيعة المطلوب من حسام المجهول وصفه وعمله ، فتاة محجبة جميلة تهتف " قول يامبارك يامفلسنا .. انت بتعمل ايه بفلوسنا " ، في تمام الدقيقة 55 بعد الثانية ظهرا وصلت ثلاث عربات من ناقلات الأمن المركزي وفي الثالثة عصرا أغلقوا شارع شبرا من الجانبين مع ترك فراغ واسع بينهما بعد فشل محاولات تحجيم المظاهرة وتسيير الحركة من شوارع السندوبي وروض الفرج وخلوصي .
الحاجة زينب تردد مرة أخري " اضربونا بالرصاص .. جسمنا نحّس خلاص " و" اضربونا بالرصاص .. مش راح تقتل حلم الناس " " وابعت هات مليون شاويش .. آه ياحكومة ما تختشيش "
مع آذان العصر ردد المتظاهرون " الله أكبر .. الله أكبر " وفي تمام الدقيقة السابعة بعد الثالثة عصرا كوّن المتظاهرون درعا بشريا مواجها لدرع جنود الأمن المركزي واتجهوا نحوهم وكسروا الكردون الأمني وكل الحواجز حتي المتاريس الحديدية وانطلقت المظاهرة باتجاه ميدان التحرير من شوارع جانبية حينا ومن شارع شبرا الرئيسي وصولا إلي نفق أحمد حلمي من شارع الترعة البولاقية حتي شارع رمسيس بينما تهدر حناجر المواطنين بسقوط النظام وتستحث المتفرجين للمشاركة وهتافات " ارحل .. ارحل .. باطل .. باطل " .
أمام رئاسة حي عابدين حاول أحد المتظاهرين تكسير لوحة تأييد للرئيس مبارك فنهره أغلب المشاركين وأكدوا علي سلمية مظاهرتهم ، وصلت المظاهرة إلي الاسعاف أمام دار القضاء العالي وفوجئ المشاركون بحشود أمنية تحاصر مجموعة صغيرة من المتظاهرين أمام مكتب النائب العام ، تفاعل المحاصرون مع أحرار شبرا الغاضبين واشتدت الهتافات بسقوط النظام ، واصل المتظاهرون السير حتي ميدان التحرير وهناك انضموا إلي كافة المتظاهرين القادمين من مناطق متفرقة .
هتف المتظاهرون في التحرير " العدد بيكبر .. مصر هتتحرر " و" الشعب يريد تغيير النظام " وهتافات أخري وسط إطلاق متقطع للقنابل المسيلة للدموع من قبل الأمن .
مع دخول المساء ، احتشد المتظاهرون بميدان التحرير وأعلنوا تمسكهم باستمرار الاعتصام حتي الصباح والمبيت بالميدان ، وسط مخاوف من لجوء الأمن للعنف لتفريق المتظاهرين ، فيما وزّع بعض الأخوة العرب ذوي اللهجة الشامية أو الفلسطينية أطعمة ومياه علي عدد من المتظاهرين ، وكانت تقول الفتاة الشامية أو الفلسطينية الأصيلة " حد بد ه ياكل .. حد بده أكل " بنبرة تضامن زادت من حماس المتظاهرين ، فضلا عن قيام بعض الأجانب من الشباب بمثل ما فعلته الفتاة وبسؤال أحدهم عن رأيه فيما يجري قال بعد امتناع بعربية مكسّرة " طبعا الحرية حاجة حلوة " .
خطب كمال أبوعيطة الشهير بمؤذن الثورة في المتظاهرين وأكد لهم أن الجلوس علي الأرض وتشبيك الأيدي سيكون عائقا أمام لجوء الأمن للعنف ، كما أكد الشاعر عبد الرحمن يوسف استمرار الاعتصام والعمل علي توفير بطاطين وسبل إعاشة للمتظاهرين حتي يستمر الاعتصام وتنضم القاهرة جميعها إليه صباح الأربعاء ، وما إن أيقن الأمن بتمسك النشطاء بالاعتصام وحلول الساعات الأولي من الصباح وتحديدا في تمام الواحدة أطلقت القوات الأمنية سيلا من القنابل المسيلة للدموع تجاه المتظاهرين ما أثار هلع العديدين منهم مع تمسك بعضهم باستمرار الاعتصام رغم حالات الاختناق لعدد منهم جراء الغاز المسيل للدموع الذي اختلط بهواء الميدان .
برغم إطلاق المسيل للدموع إلا أنه لم ينجح في فض الاعتصام نهائيا ، فتطورت المواجهات إلي اشتباك عنيف بين جنود الأمن المركزي والمتظاهرين المصّرين علي موقفهم ما أدي إلي إصابة عدد من الجانبين بعدما عمد جنود الأمن المركزي إلي استخدام العصا الكهربائية والهراوات والرصاص المطاطي ضد المتظاهرين وهو ما حدا ببعض المتظاهرين إلي رشق الأمن بالطوب ، فيما شوهد أحد المتظاهرين ويدعي "إبراهيم" يحمل علما لمصر ملفوفا حول عصا تابعة لأحد أفراد الأمن حصل عليها بعد اشتباك عنيف مع عدد من الجنود بصحبة بعض المتظاهرين أمام مبني الإذاعة والتلفزيون المصري ، وحكي المتظاهر الذي نجا من الإصابة بأعجوبة علي حد تعبيره أنه اشتبك في معركة عنيفة مع ضابط برتبة ملازم بعدما شاهد اعتداء أفراد الأمن علي رفقاءه المتظاهرين ، إلا أن بعض المتظاهرين حملوا الضابط إلي عربة أمنية حفاظا علي سلامته وتأكيدا علي رغبتهم في سلمية اعتصامهم .
في الوقت نفسه تفرقت عدة مجموعات للمتظاهرين في الشوارع الجانبية المجاورة لميدان التحرير علي أمل معاودة الاعتصام غير أن الأمن تصدي لهم بالعصا الكهربائية وبالمطاردة العنيفة التي أسقطت عددا من المصابين من المتظاهرين الذين رددوا " حسبنا الله ونعم الوكيل " أمام الكردون الأمني الذي فرضه الأمن عليهم بميدان طلعت حرب الشهير بوسط القاهرة .
بعد الواحدة بقليل من صباح الأربعاء شوهدت مسيرة بأحد الشوارع الجانبية المحاذية لميدان التحرير لعدد من المتظاهرين تؤكد تمسكهم باستمرار الاعتصام وهو ما أثار حنق الأمن الذي ضيّق الخناق عليهم حتي انتهت المواجهة بينهما بعد كرّ وفرّ إلي أحد الشوارع الجانبية بميدان رمسيس حيث شوهد المتظاهرون " يغلقون أحدي الطرق أمام عربات من الأمن التي كانت تتجه نحوهم ، بينما تمكنت قوات الأمن من فرض كردون خلفي علي المتظاهرين الغاضبين فيما لا يزال مصير أغلب النشطاء من المصابين والمعتقلين مجهولا وسط تمسك وإصرار المواطنين باستمرار اعتصامهم حتي الآن .
إسماعيل الأشول

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق