الخميس، 23 ديسمبر 2010

إذن .. فليذهبوا بعلمهم إلي الجحيم

التقيت مؤخرا أحد أبرز علماء الاجتماع السياسي في مصر ، وكنّا في ندوة بحضور أدباء من شتي أرجاء البلاد ، وسألته سؤالا كان كالتالي : هل تروج صناعة الإبداع في ظل الاستبداد السياسي ؟ مع الإشارة إلي تجارب إبداعية شعرية وروائية في بلدان مختلفة ساهمت في إسقاط طغاة وتغيير نظم ، ولما كان العالم الجليل دعا المثقفين الحضور إلي ممارسة دورهم في تنوير الناس علي حد تعبيره سألته عما إذا كان ذلك ممكنا في ظل الاستبداد كما أسلفت في السؤال ، جاءت إجابة العالم الجليل كالتالي : أنا لا أعتقد أن مصر بها استبداد سياسي بدليل سؤالك الذي سألته الذي يدلل علي وجود حرية التعبير ، اعترض أحد الجالسين خلفي من " الأدباء " بصوت مسموع علي منطق العالم الاجتماعي قائلا : إنها حرية كلام فحسب !! ولم يتحمس أحد آخرمن باقي الأدباء لمواصلة الحوار ربما لأن الدكتور رئيس الهيئة المنظمة للمؤتمر الذي كنا نحضره كان جالسا في المقدمة ، فتمّ النظر إليه باعتباره " المضيف " لهم وبالتالي فالتأدب واجب والسكوت أوجب في حضرة صاحب المقام الرفيع !
شكوت لأحدي الحاضرات من أهل الاختصاص موقف العالم الجليل من سؤالي ، وقلت لها إن إجابته لاتستقيم مع ما وصل إليه في أحدي دراساته عن الفساد التي أجراها قبل عامين تقريبا ، فذكرت لي من جانبها ما حدث لأحد مدراء العالم الجليل حينها وأنه تم تعنيفه بقوّة من قبل السادة صانعي القرار في مصر ، قلت لنفسي : آن لك ياأشول أن تستريح ، ثم ترّحمت علي قائمة طويلة من العلماء الأجلاء الذين لم يرهبهم سيف المعز ولم يبهرهم ، أو بالأحري ، لم يصبهم ، ذهبه ، وكان علي رأسها طبعا العلاّمة الراحل عبد الوهاب المسيري الذي سعدت بلقائه وحاورته حينما كنت طالبا أعد صحيفة بعنوان "صوت الطلبة " كمشروع لتخرّجي ، تذكرت محمد السيد سعيد الذي تم تعذيبه وإهانته في سجون قحاب آخر الزمان ، تذكرت السفير إبراهيم يسري والفقيه القانوني والدستوري الدكتور يحيي الجمل والقانوني الدكتور هشام صادق وغيرهم وغيرهم .. وبالمقابل تذكرت أيضا الفقيه القانوني المخضرم الدكتور فتحي سرور والدكتور مفيد شهاب ومن لفّ لفّهم ، فكلاهما من أهل القانون وخاصته لكنهما فيم يوظفان علمهم للقانون ؟ الإجابة لدي ذوي الأفهام السليمة قاطعة ، ما حدث لي أثار سؤالا تقليديا بداخلي حول قيمة العالم ودوره ؟ فإذا لم يكن العلم موقوفا لخدمة الحقيقة ولصالح الناس ، فما قيمته ؟ وإذا لم يكن العالم تقيّا مخلصا لعلمه مستمسكا بالحقّ لا يزيّف ولا يحرّف أو يبدّل فما أهميته ؟ ليذهبوا بعلمهم المزعوم إلي الجحيم مالم يحترموا قداسة هذا العلم ويعملوا بحقّه ومستحقّه .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق