السبت، 4 ديسمبر 2010

القُبلة !

هل لديك في منزلكم أو لدي أحد من جيرانكم طفلة صغيرة في الخامسة أو السادسة من عمرها ذات بشرة سمراء وعينين واسعتين وشعر مجعد لم يتم تصفيفه جيدا ؟ الطفلة التي سأحكي عنها مثل تلك التي في منزلكم أو لدي أحد من جيرانك بالضبط لكن ملابسها ليست كروعة ملابس طفلتكم فهي تلبس ما يسترها وما يقيها البرد كما أن مواهبها ليست كمواهب غيرها من نفس جيلها كما سنعرف لاحقا .. وجدتها تقف أمام مول طلعت حرب التجاري وسط القاهرة وعلي ملامحها ارتسم تعبير من ينتظر أحدا يعرفه جيدا !
كنت خارجا من المول وحينما وجدتها ابتسمت لها وقلت : إزيّك .. نظرت نحوي فلم تؤمّل في ملامحي أو هيئتي خيرا .. كانت تتسوّل علي طريقتها الخاصة .. لم تكن تبيع لأحد مناديل ولم تكن تصطنع الانكسار والذل للمارة كما لم تكن تتلوي أمام زجاج السيارات الفارهة وهي تشير إلي فمها كمن يريد لقمة يسد بها جوعه .. سنعرف حالا كيف كانت تتسوّل .. لم ترد علي تحيتي فأدركت أن لها جمهورا خاصا علي خلاف بعض قريناتها في مثل سنّها اللاوتي يبعن المناديل وأعواد النعناع وما إن أقترب منهن بتحيّة حتي يبادرن بإجباري علي الشراء فأشتري منهن ما أستطيع شرائه لكن في الغالب لا أعطيهن نقودا دون مقابل .. تركتها وواصلت طريقي إلي مقر الأتيليه وهو منتدي أدبي يجهله العامة ويحضره الأدباء ليؤدبوا بعضهم علي مدار العام ! لكن هذه المرة لم أجد أحدا من الأدباء ، مررت بمعرض فني بالأتيليه وأعطتني مقيمة المعرض قطعة " بونبون " بعد إطرائي علي لوحاتها الفنية ، عدت من نفس الطريق الذي قادني في الذهاب ، وهناك فوجئت بالطفلة تشاغب شابين كبيرين يحاولان منعها من الاحتكاك بفتاة منقبة تسير برفقتهم مع فتاة غير منقبة تسير إلي جوارها ، عرفت من لهجة الفتاة أنها فلسطينية أو شامية .. الطفلة كانت تراوغ وتتحسس جسد الفتاة ثم تبتسم بغير اكتراث بالشابين وأنا بعد اشتراكي معهم في إبعادها عن الفتاة خشية أن يطالها أذي من ذوي الفتاة .. قالت : طب أقولها كلمة واحدة ؟ ثم أمالت رأسها وهي أمامنا نحو الفتاة وألقت في وجهها قبلة تليق ببراءة طفلة موهوبة .. ضمّت شفتيها الصغيرتين وأخرجت القبلة بصوت مسموع كأحسن ما تكون .. استمرت في نفس الفعل واستمر الشابان وانا في منعها من الوصول لهدفها الذي حددته بدقة .. انتابني حينها مزيج من مشاعر متناقضة واختلط الضحك بالنحيب بداخلي .. انفعل الشابان علي الطفلة وبدآ يرفعان صوتهما في غضب ضدها لتنهي محاولاتها الدؤوبة .. أصابني وجوم العاجز وأنا أري الطفلة تعبر عرض الشارع إلي الرصيف المقابل وهي ترمقني معهم بنظرة غاضبة !

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق