الأحد، 21 فبراير 2010

تضحية ليست واجبة ..قصة قصيرة

أخبرتني وهي تتصنع حزن المغلوبة علي أمرها المنصاعة لقرار غيرها المفترض أنه أبوها أو أمها أو كلاهما معا كما أوحت طريقة كلامها ؛ بأنها "اتخطبت " ثم أطرقت لبرهة وعاودت النظر لتري آثار هذا الخبر الذي يفترض بأنه مؤلما بالنسبة لي أنا الذي كنت أعتقد في حبها حتى مائة وعشرين ثانية مضت أخبرتني فيها بالخبر واتخذت فيها قراري بألا أحزن أو أغضب أو ببساطة بألا أنفعل .. غير أن تفعيل قراري لم يكن سهلا فالمشاعر الوجدانية لا يستطيع إنسان سوي أن يتحكم فيها تلقائيا بكبسة زر كقرارات السفر أو الأكل أو النوم مثلا ..نظرت اليها متفحصا تقاسيم وجهها فبدا لي وجه تاجر مخادع باع بضاعة كنت اشتريتها منه لتاجر غيري زاد في السعر دينارا ورغم وقاحة التشبيه الا ان هذا الاحساس هو ما تملكني ازاء هذا الوجه الذي ملك علي زمام امري طيلة اربعة اشهر مضت كانت هي عمر علاقتنا التي انتهت تقريبا بخبر خطبتها الذي تلته قبل ثوان معدودة .. سألتها ممعنا في استمتاع وجدت فيه بعض النشوة رغم بالغ الألم الذي بدأ يتسلل رغما عني الي نفسي وأنا أري أمامي لحظات وأيام وليال كان هذا الوجه خلالها قبلة سعادتي ومبعث تفاؤلي ووقود احتمالي لسخافات حياة رتيبة مملة في قاهرة ينحصر دعمها للباحثين عن النجاح في رحابها في طحن عظامهم أولا ثم منحهم شراب النجاح بعد زوال القدرة لديهم علي التذوق أصلا ..سألتها : مالعمل إذن ؟ ..لم تنطق سوي بنظرة استغفار فيها من الحنو لو كان فيها من الصدق مثقال ذرة لما وقفنا معا موقفا كالذي نحن فيه ..بكل الصراحة والغضب أجبت نظرتها المستغفرة بالجملة السابقة فوجدتها تبكي وتجهش حتي كادت تنهار فحاولت أن تستند لكتفي كما كان يحلو لكلانا في السابق فأشحت بوجهي مبتعدا عنها خطوات تاركا إياها تستند علي جدار ظننت انه انزرع من السماء ليرحم ضعفا ولو كان لامرأة كاذبة ..شعرت بها تقف ورائي وهي تمسح دموعها طالبة مني توصيلها الي اقرب محطة مترو فقلت لها إنني أكره كل محطات المترو فهمت بذكاء عهدته فيها أنني أقصد الأماكن التي طالما التقينا فيها فجددت طلبها وكأنها نسيت ما أخبرتني به في بداية اللقاء فلم أجبها شاردا ببصري إلي أبعد نقطة أستطيع إبصارها عبر نظارتي الطبية ..وبشرودي فهمت أنني اتخذت قرارا باللاقرار فغادرت قائلة بصوت جاف " عموما انا هابقي اتصل بيك وابقي رد بدال ماانتحر واريحكم كلكم "
سمعت تهديدها بالانتحار وشعرت بقشعريرة تسري بجسدي الذي كانت قد ارتفعت درجة حرارته نسبيا بسبب خبر خطبة فتاتي التي اخترتها ولم أعد أر غيرها في واقعي أو مستقبلي زوجة وصديقة ومعشوقة ..توجهت الي اقرب محطة اتوبيس غير انني لم انتظر حتي تأتي السيارة المقرر لها التوجه الي منطقة سكني فوجدتني اقطع الطريق ماشيا دون أدني شعور بالتعب وهل من الممكن ان يطغي شعور الجوارح علي شعور قلب مجروح وحلم بريء مذبوح ..محال ذلك بالطبع ..مررت علي سورالازبكية دون فحص وتقليب كتب الباعة دون شراء كالعادة حتي ان بعضهم استغرب لمروري عليه دون مداعبة او سلام ..لم اكن اجر اقدامي كما في الافلام القديمة ..كنت اهرول حينا واسير ببطء احيانا ..حتي وصلت الي مسكني فارتميت علي فراش النوم علي غير العادة.. رن جرس الموبايل فوجدته ابي من الصعيد فأسعلت ثم عاودت الاتصال به من جانبي وسألته عن الأسرة والأخبار وابقي سلم لي علي امي التي كنت متأكدا من وجودها بجانبه بقدر تأكدي من كونها الوحيدة القادرة علي اكتشاف حزني الذي نجحت في مداراته عن ابي ..قلت لابي سلم لي علي اللي عندك كلهم واطمنوا انا مية مية وزي الفل سلام سلام سلام.. ثم رميت الهاتف بجانبي فرن مجددا انها مرام حبيبتي او التي كانت ..لم اعد اعرف ..ضغطت علي زر الرد فسمعت صوت والدتها تقول بلهجة قائد عسكري متعجرف : ابعد عن مرام يا سعيد وارضي بالقسمة والنصيب وانا عارفاك متدين وبتصلي .. في هذه اللحظة لم يكن لي من اسمي نصيب مطلقا ..سعيد ..لا ..لست كذلك ربما العكس هو الصواب ..بل الأكيد انه كذلك ..فمرام طلبت مني في لقاءها الاخير ان ارد عليها لا ان ارد علي والدتها المصونة ودرة والدها المكنونة ..اذن فحبيبتي مرغمة ..ولو كانت اختارت غيري لما جاءات الي واخبرتني غير اني باندفاعي المعهود وربما لاني فعلا احبها عاملتها بحدة لم تكن مطلوبة ليتني اسلمت لها كتفي لتستند عليه حتي اسمع نبضات قلبها ..ربما كنت تبينت صدقها في وقتها ..ولكن الان مالعمل ..هذه المرة اسأل نفسي ..هاتف مرام علي مايبدو اصبح في حوزة السيدة الوالدة التي تؤمن بالقسمة والنصيب اذا كانت ستثمر زواجا سريعا لكبري بناتها بينما تكفر بها تماما اذا كانت مبررا لمرام وانا للانتظار حتي نستطيع الزواج حين ميسرة ..لم أنم .. تسيطر علي الان حالة من القلق ليس قلقا من مرام بل عليها ..قلق يجعلني اتنازل عنها اذا كانت تلك هي رغبتها فعلا أما ان اتركها لزوج لم تختره ومصير لم تقرره لنفسها فهيهات ياأم مرام هيهات .. اتصلت برقم مرام الذي لم تكن مضت ساعات قليلة علي حذفه من قائمة الأسماء إلا انني كنت قد حفظت الرقم عن ظهر قلب ..كل ارقامها كنت احفظها لأتحداها في الهاتف ان تكون حفظت ارقامي كما فعلت ..أجابني هذه المرة الأب في اقتضاب دون ان يسمع مني كلمة واحدة ..النمرة غلط ..ثم صوت الصفير المتقطع الذي يؤكد ان المكالمة انتهت ولو من طرف واحد ..اذن ضاعت مرام ..ذهبت مع الريح ..كان الواجب عليها ان تخبرني انهااتخطفت وليس علي حد تعبيرها اتخطبت ..منزلها ..لم اذهب الي منزلها مطلقا خلال فترة تعارفنا فاللقاء الذي جمعنا لاول مرة كان في ساقية الصاوي في احدي الحفلات يومها كنت تركت مقعدي لاجراء مكالمة هاتفية خارج القاعة تاركا مكاني كتاب سياحة غرامية للاستاذ محمود عوض وعند عودتي وجدت احدهم واقفا امام مقعدي يريد الجلوس مكاني بينما هي تخبره بان المكان لاحد الاشخاص مشيرة الي الجهة التي خرجت نحوها فاذا به يراني ثم ينصرف شكرتها فقالت لاشكر علي واجب ..سالتها ..هل كان يريد ان يجلس مكاني ..اجابت ..نعم وماذا قلت له ..قلت له بان المكان لأحد الزملاء كما ان الكتاب جذبني عنوانه واسم مؤلفه واردت الا ترحل حتي استطيع استعارته منك لقراءته ..وماذا يدريك انني ساعيرك كتابي ..نعم ..اقصد هذه نفعية ..سمها ماشئت ..الان ستعيرني الكتاب ..والاسبوع القادم في نفس المكان ساعيده لك ..موافق ..مرام ..اسمي مرام ..تعمدت نطقها مرامي ..نظرت في دلال مؤكدة ..اسمي مرام ..وليس مرامي ..كما تشائين ..سعيد ..صحفي ..تبادلنا ارقام الهاتف ثم جلسنا عقب الحفل يتحدث كل منا عن نفسه ..رغم اعجابي بها فقد كنت متحفظا الي ابعد الحدود فبادرت بالحديث عن نفسها وقرءاتها وعلاء الاسواني وابراهيم عيسي واعجابها الشديد بالمستشارة نهي الزيني لموقفها الرجولي ضد تزوير انتخابات دائرة دمنهور لصالح مرشح الحزب الوطني بها مصطفي الفقي ولم تسبق اسمه بلقب الدكتوراة التي يحملها ..انتهت الجلسة سريعا لانني كنت استمع فقط دون ان اتحدث وبعد نهاية كلامها سالتها عما اذا كانت مرتبطة ام لا ..ابتسمت ثم وجهت نظرها بعيدا واجابتني بالنفي فأكدت لها ضرورة اللقاء اسبوعيا في نفس مكان جلوسنا وهو ماكان بالفعل علي مدار اربعة اشهر قرأنا خلالها كتبا وروايات ودواوين شعرية تعلمنا منها حب الحياة والايمان بالله وبالوطن وبالانسان .. الي ان اخبرتني بنبأ اختطافها وليس خطبتها .. مع اقتراب اشراقة الشمس وضعت هاتفي علي شاحنه الكهربائي لانه بطاريته كانت قد فرغت تماما ..فوجئت برسالة قصيرة من رقم لم اعهده يرجوني الاتصال به عند قرءاتي للرسالة وبتوقيع من مرام ..اتصلت بالرقم علي الفور اجابتني مرام طالبتني بأن افعل شيئا من اجلها ..و...انقطع الاتصال حاولت التكرار الا ان الهاتف قد اغلق.. اذن ..فالجوهرة المصونة ودرة والدها المكنونة أي امها قد ضبطت مرامي متلبسة بالحديث معي وصادرت الهاتف ..مر يوم ويومان وثلاثة ايام الي ان فوجئت بمرام زائرة بمقر عملي.. حدقت بعينيها الجميلتين في وجهي كما لم تفعل من قبل ثم أخبرتني وهي تغالب دموع قهر دفين بنبأ زواجها من أحد العاملين بالخليج وبالتحديد في السعودية ..لان اباها كان بحاجة الي مصاريف علاج واخيها كان بحاجة الي عقد عمل وامها كانت بحاجة لاداء فريضة الحج ولذا فقد كانت بحاجة الي التضحية .

إسماعيل الأشول
الأحد 21/2/2010

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق