السبت، 2 يناير 2010

نذالة ..قصة قصيرة

تأخرت قليلا اليوم عن ميعاد مرور سيارة العمل من المكان الذي أداوم فيه علي انتظارها حينما أذهب إلي عملي ، ولذلك فقد استقليت أكثر من سيارة علي مسافات متقطعة ولم يكن في ذلك عناء كثير غير عناء الإشارة لكل سيارة تمر خاصة أو أجرة والهتاف بالمكان الأشهر القريب من محل عملي ليسمعه السائق مع الإشارة بكف اليد المفتوحة ناحية الطريق ، الأمر الذي يضطرك لاحتمال ردود فعل تتفاوت في سخافتها من سائق إلي آخر .. فسائق الأجرة قد يشير إليك بوجه جامد بما تفهم من خلاله أن المكان الذي تريد ليس في طريقه ، وقد تجد هذا السائق متدينا بعض الشيء فيشير إليك بالنفي غير أن سماحة وجهه قد تحملك علي الابتسام رغم رسالة إشارته بأنك سوف تتأخر عدة دقائق إضافية أو أكثر لإنتظار سيارة تقلك إلي عملك ، أحيانا يتجاهلك السائق تماما وكأنك ذبابة لايراها أو بدعوي الانتباه للأمام - هذه الدعوي التي تسقط بطبيعة الحال إذا كنت من ذوات الوجه الأنثوي ، وللعلم ، ليس كل امرأة تحمل هذا الوجه ، أو علي الأقل في مصر ، هذه قناعة لدي ليس لها علاقة بما أحكيه ، في حالة توفر هذا الوجه الأنثوي علي الطريق فإن كل الدعاوي والذرائع تسقط وربما تغير طريق السيارة لأجل إنجاز المهمة النبيلة في توصيل هذه الفتاة إلي حيث تريد بدعوي الشهامة والمروءة وشخصيا أتعاطف كثيرا مع الأزواج الذين يقلون فتيات ممن لديهن هذا الوجه الباعث علي الارتياح إلي حيث يردن ، وغالبا لايزد السائق ( الشهم ) عن التطلع بابتسامة ، في أغلبها ، بلهاء أو نادمة علي أنه لم يصبر حتي يمن الله عليه بمثل تلك التي يوصلها ، والتي تحتمل هذه النظرة بتذكرها العقاب الذي ينتظرها حال تأخرها عن عملها في الشركة أو البنك الكائن علي بعد أكثر من 40 كيلو متر مثلا ، استقليت سيارتين متتابعتين دفعت لسائق كل منهما خمسون قرشا نظير المسافة التي قطعها لأقترب شيئا فشيئا إلي مقر العمل إلا أن المسافة الأخيرة لم يكن الوصول إلي سيارة لتقلني خلالها بالامر الهين علي الإطلاق ..فتقريبا لاسيارات أجرة تمر باكرا من هذا المكان إلا نادرا ..والسيارات الخاصة لاتلقي بالا للواقفين علي قارعة الطريق حتي لو رأوهم يزفرون رفراتهم الأخيرة فردود فعلهم حينها لن تزيد عن الحوقلة ومصمصة الشفاه وربما حوّل بعضهم بصره حتي لايري مايثير الاشمئزاز في نفسه من هذه الوجوه الكالحة التي قدمت من أقاصي الصعيد لتشارك السكان الأصليين للقاهرة العيش والاستمتاع بما فيها من مغريات !!
انتظرت وانتظرت وشعرت بالأسي كلما تجاهلني سائق أو رمقني أحدهم بنظرة تدين طفيليتي في محاولة الركوب معهم ، وأخيرا وقفت سيارة " ربع نقل " من تلك التي يستخدمونها لنقل الماشية أو الفاكهة ، ولأن عددنا كان كبيرا فلم أجازف وقفزت بداخل صندوق السيارة الخلفي تاركا مقعدي كابينة القيادة بجوار السائق إلي من هم أكثر لياقة بدنية مني في مثل هذا الصباح ، وما إن شاهد عسكري المرور ركوبنا بالسايرة حتي أسرع في التقاط الأرقام ليدون للسيارة مخالفة مرورية ، مخالفة لأن السائق أوقف سيارته ليركب من يشاء منا معه ، حاول السائق استرضائه وحاولنا معه إلا أن العسكري تقمص ، فيما بدا لي ، شخصية قائده الذي يداوم علي ركله في مؤخرته ، فأصر علي تدوين المخالفة ، وبعد محاولة أخيرة من السائق لاسترضا ء العسكري جدد سيادته الرفض فما كان من السائق إلا سبّه بــ " ...أمك " ورددناها معا مع بدء السيارة في التحرك بنا ، وأثناء سير السيارة حاول كل منا تفسير موقف العسكري ..شخصيا فسرته بأصوله الاجتماعية وقلة مرؤته وانعدام أصله وأنه من جنس الخدم الذين لايراعون مصالح الناس ، الجالس بجواري لم ينطق بكلمة ، أما الباقين فتفاوتت تفسيراتهم وردود أفعالهم بين ساخط وراغب في ضرب العسكري غير أن آخر حذرنا من مغبة ذلك لوجود سيارة الشرطة قرب مكان وقوف العسكري ..فكرت في نفسي في إعطاء السائق أجرة أكثر من المعتاد ، ولكني انتظرت لأعرف مالذي سيفعله باقي الركاب ..أخرج أحدهم خمسة جنيهات صحيحة فسأله الجالس بجواره " الأجرة كام ؟ " وهي في المعتاد من نفس المكان الذي ركبنا منه جنيه واحد ، فأجابه المسئول " نص جنيه " فأعطاه السائل جنيه منتظرا الباقي وكذلك الجميع فعل ولم أعترض وفعلت مثلما فعلوا ، حينما اقتربنا من الوصول أعطي أحدنا الأجرة للسائق وكنت نزلت لأركب بجواره لنزول أحد الركبين بكابينة القيادة فسمعته يحتج بشدة لقيمة الأجرة ، فشاركته الاحتجاج قائلا " ياجماعة الاجرة جنيه ياجماعة " فأعطوني الأجرة كما طلب السائق فاقتطعت منها النصف جنيه الذي كنت دفعته في السابق وأعطيت السائق الباقي ، ونزلت مسرعا لألحق بميعاد تقييدي في دفتر الحضور ..ألم أكن موفقا في تسمية تلك الحكاية بـ " نذالة " ؟!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق